في 2004، كنا مجموعةً من الصحافيين من دول مختلفة، في زيارة للولايات المتحدة ضمن برنامج الزائر الدولي، نقف على مقربة مما سمّي «جراوند زيرو» الذي أُطلق على الأرض التي كان مبنياً فوقها برج التجارة، وهو مسمّى برجي التجارة اللذين انهارا بسبب هجوم بطائرات ركّاب وراح ضحيته 3000 شخص كانوا حينها في مكاتبهم ولم يسعفهم الحظ في الهرب من النيران.
وقتها، وكان قد مر نحو ثلاثة أعوام على الحادثة، كانت التكهنات لازالت تدور بشأن مخطِّط ومنفِّذ الهجوم. وعلى رغم أن «القاعدة» سارعت لتبنّي الهجوم، إلا أن العالم ظلّ يبحث عن الفاعل الحقيقي. وقال لنا صحافي أميركي من «وول ستريت جورنال» التي تقع على مقربةٍ من موقع الحادث، كان يرافقنا: «بعض حوادث التاريخ الكبرى تظل غامضة الأسباب ومجهولة الفاعل وإن دُوّنت في صفحات التاريخ ونُسبت إلى الفاعل الأقرب لفعلها بحسب المعطيات التي تكون متوافرة وقتها».
كان الصحافي يشير إلى أن «القاعدة» قدّمت نفسها متهماً لأن هذا الفعل على بشاعته سيضيف لها قوةً ومكانةً أكثر مما تحلم به، بتعديها على الأمن الأميركي في قلب البلد ومركز أعماله وبمستوى عالٍ من التخطيط لهذه الجريمة السياسية الإنسانية.
وقتها أيضاً قيل إن أميركا تمسّكت بفرضية مسئولية «القاعدة» عن الهجوم لتبعد عن نفسها شكوكاً بتهمة التخطيط له لأغراض استراتيجية، فنظرية المسرحية أو المؤامرة من الداخل لم تكن رائجة فقط في الدول التي لا تربطها وأميركا علاقات حميمة، وإنما هي سيناريو كان مطروحاً في أميركا نفسها. فالبعض رآى في خسائر أميركا البشرية والمادية والاقتصادية هي خسائر مؤقتة معقولة (في فيتنام خسرت أميركا 60.000 شخص) في إطار خطة أكبر من مراحل تبدأ بإشاعة الذعر وزعزعة الأمن، ثم تقديم الارهاب وتعريفه بأنه العدو الأول، وتحديد مواقعه بالقرب من الهدف النهائي المزدوج للخطة، وهما الوصول إلى مخزون النفط العراقي ورعاية أمن «إسرائيل»، بالإضافة إلى إنعاش الاقتصاد بصناعات الحرب. هذا عدا عن إشاعات ضلوع «الموساد» التي ظلّت محلّقةً في الفضاء، ولم يسمح لها أن تحط قط على طاولة التحليل على رغم الغياب الغامض لعددٍ كبيرٍ من اليهود العاملين في البرج عن أعمالهم في ذلك اليوم تحديداً، وعلى رغم اعتبار الأمر صدفةً عصيةً على التصديق.
ليس تفجيرات 2001 هي الموضوع هنا، وإنّما الشبه بينها وبين ما يحدث هذه الأيام، بعد مرور 15 عاماً، في العالم على جغرافيا أوسع، وبأساليب أكثر بشاعةً على يد ما يسمى بتنظيم «داعش» بإدارته المتطورة للموارد التي يستولي عليها، وبتطور تكنولوجي لا يتناسب مع حجم البدائية الآتي منها المنتمون لهذا التنظيم، تماماً كما لم يكن سهلاً هضم ما كان يقوم به رجال أسامة بن لادن الذين كانوا يتلقون تعليمهم الإرهابي في الكهوف.
وكما بقي الفاعل المُعلن هو المقيّد في السجل التاريخي باسم «القاعدة»، وظلّ الفاعل غير المعروف أيضاً مجهولاً يدير في الخفاء مكاسب المستفيد الحقيقي، وربما المستفيدون الحقيقيون حتى يومنا الحاضر. أيضاً يبقى «داعش» كياناً غامضاً في قوته التي تعجز عن محاصرتها والقضاء عليها أميركا (مع كثير من علامات التعجب والغمز واللمز البائس).
ومثلما حدث حينئذٍ عندما تحمّل المسلمون كافة تبعات تفجيرات نيويورك وأصبحوا، أينما ذهبوا، مشاريع موقوتة للإرهاب، واضطر الملتحون لتخفيف وحلق لحاهم والستر ما أمكن على هويتهم الوطنية والدينية، وتورّط من حُمّدت أسمائهم بالتفتيش والتوقيف والمعاملة السيئة، يعيد الآن الزمن نفسه وتضاف الهوية العربية للهوية الإسلامية على قائمة الملاحَقين بالشكوك والمخاوف، فتُطلق الحكومات النداءات لمواطنيها العرب الذاهبين إلى العالم المصدوم بما يحدث فيه، ويهزّ أمنه من تفجير وإرهاب وتدمير، بالحذر من المبالغة في إظهار الهوية العربية بعد أن كانت تدعوهم فقط لعدم المبالغة في إظهار مظاهر البذخ في المجتمعات العملية التي يذهبون إليها. كما سارعت الدول التي يستهدفها الزوار العرب، بإصدار التشريعات التي تمنع المظهر الإسلامي للنساء من حجاب ونقاب كما حدث في مجموعةٍ من المدن السويسرية التي أصدرت في مطلع الشهر الجاري قانوناً يمنع النقاب وفرضت غرامة تصاعدية ترتفع بحجم العناد في خلعه.
المحزن في الأمر أنه على مدى عقد ونصف، الفاصل بين حادثة البرج الأميركي وبين الحوادث الكثيرة المشابهة التي تفاجئنا بتحمل مسئوليتها «داعش»، لم يتغيّر شيء في نظرتنا لأنفسنا ولا لحاجتنا للغرب، ولازلنا نبحث عن الرضا في عيونه، ونعترف حتى في غرف عملياتنا الاستراتيجية المغلقة أنه أكثر ذكاء وتفوقاً منا، ونصدّق ما يريدنا أن نصدق، ونلغي من حساباتنا ما يعتبره غير موجود، ولم تمكننا أموالنا خصوصاً أموال الخليج المتدفقة، من أن نستغني عن مصايف الغرب وجامعاته وأسواقه، بل كلما زادت أموالنا زادت معها عبوديتنا له. وسنضطر لأن نلبس قبعاته كلما وددنا أن نتمشى بسلام في شوارعه، كي لا نتعرض للضرب والتهزيء كما حدث مع المواطن الإماراتي الذي لم تشفع له نصاعة «كندورته» ولا صفقة الملايين، كما صرّح، والتي كان بصدد إبرامها في أميركا حين الاعتداء عليه.
وكما ازدهرت كلمة ومعنى «اسلاموفوبيا» في أعقاب تفجير مطلع الألفية، واتخذها الكثيرون ذريعةً للممارسة العنصرية والإقصاء ضد المسلمين، وإن كان مردّها أقدم من ذلك بعدة عقود، سيكون هذا الوقت الحاضر لـ»عربفوبيا» بامتياز، وسيجتاح الخوف والرهاب غير العقلاني والمتجاوز للخطر الفعلي المتوقع، شعوب العالم من عدوهم العربي الإرهابي الجديد، المحسوب على النسخة الأكثر تطرفاً من «القاعدة»... فماذا نحن فاعلون؟
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 5072 - الثلثاء 26 يوليو 2016م الموافق 21 شوال 1437هـ
تفجير ومجزرة الكرادة في العراق شاهد آخر على الارهاب
ارهاب عربفوبيا يجتاح دول العرب باسلحة الاجانب والتنفيذ بالنيابة عنهم ، واعداء العرب لكن الفاعلين يعترفوب بالارهاب عربفوبيا وقتل اخوانهم العرب ، فكيف لا يلتصق بهم وكيف يبرأون منه وهم بالصريح يعترفون بالصور والشاهد القريب ذبح الطفل عبدالله ذو 12 عام بالسكين وعلى المكشوف والتبجح والتفاخر وبالتصوير تنفيذ بالنيابة وغسيل المخ والامريكان يعتبرونهم ويصفونهم المعارضة المعتدلة ، فكيف بالارهاب المتطرف ؟؟؟؟
ماذا تتوقعين يا أستاذة إذا كان العرب يقومون بالتفجير والقتل في تلك البلدان؟ آخرها ذبحوا كاهن في كنسيته.
ماذا كنا سنفعل لو قام أحد الغربيين في بلادنا بقتل إمام مسجد؟
لنضع انفسنا مكانهم لنرى معهم الكثير من الحق
فهم مهددون في بلدانهم على يد هذه الطغمة التكفيرية التي شوهت صورة العرب والمسلمين جميعا.