العدد 2470 - الأربعاء 10 يونيو 2009م الموافق 16 جمادى الآخرة 1430هـ

خطابهُ مختلف

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بالتأكيد خطابه كان مُختلفا. فعندما تحدّث باراك أوباما لم نسمع منه حديثا عن الفوضى الخلاّقة، ولا دول محور الشّر، ولا حروب استباقية أو صليبية، ولا حتى كلمة إرهاب. لذا فبناء الخطاب بالتأكيد مختلف، لكنه يقع ضمن مطالبات تفسيرية مفتوحة.

المشكلة هي التالي أن الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش أخذ العالم نحو أقصى العلاقات الدولية تنافرا، ثم غَرْبَل الدول فجعلها سماطين لا ثالث لهما، واحد ينقع في التماهي فكان معه، وآخر يكرع التقابل بأنفه فكان ضدّه.

والأكثر، أن سياسات بوش، ضيّقت نظام المصالح الدولية حتى تحوّل المجموع إلى خدمة الآحاد، مُستغلا ضعف الأول وقوة الثاني، فتناكفت دول كانت حليفة، وتمالأت أخرى كانت بلا خيط يجمعها، ليُكوّنا في النهاية عداوة ناجزة ضد واشنطن.

وبالتالي فإن أيّ رئيس أميركي سيقول غير الذي كان يقوله ويفعله بوش، سيكون متمايزا عنه حتما. بل إن عدم استعمال ذات الألفاظ يكفي لأن يُدرك الآخرون أن تحولا ما قد جرى.

أمرٌ آخر يتعلّق بشخصية الرئيس الجديد. فهو يشترك مع أعداء سلفه بأنه ذو أصول إفريقية، وهو مُسمّى قاري يهجع في موضوعه ومصداقه الجغرافي تسع دول عربية، وثلاثة وعشرين دولة إسلامية.

ثم إن أباه كان مُسلما، والابن عاش جزءا من طفولته في دولة إسلامية. بل إن عائلته المُركّبة ما زالت ترفل في حياتها الدينية الإسلامية. وإذا ما سلّمنا بأن الدين هو المُكوّن الأوسع لمناحي التفكير والسلوك، والقادر على تأطير حوافّ قيم السلطة وفِعلها بشكل شرعي، فإن أمر اهتمام المسلمين بخطابه لن يحتاج إلى تفسير.

ثم إن الرئيس الجديد، قادم (ولو تاريخيا وبالتذارر) من رحم المعاناة الزّنجية التي ابتُلِي بها ملايين البشر الأفارقة عندما اكتشف الرجلُ الأبيض الأميركيتين قبل 500 عام، وسِيقُوا إلى هناك في أكبر عملية رقيق شَهِدَها التاريخ البشري.

وإذا ما عُرِفَ أن العالمَين العربي والإسلامي قد تعرضا لمعاناة استعمارية منذ النهضة الأوروبية ولغاية الآن، فإنهما لا يزالان ينظران إلى الشعوب الأخرى (والإفريقية منها) على أنها جزء من ذات المشهد والمعاناة، وإن بطرق أخرى.

وبالتالي فإن من سَمِعُوا خطاب باراك أوباما وصفقوا له كانوا يرونه (دون فصل عن واقعه الحقيقي) منتسبا لشعب مُضطهد في لونه وجنسه وفي أرضه، بالضبط كما لاقوه هم خلال الحقبة الاستعمارية، وما زالوا يتلقّونه إذا ما وجدوا أنفسهم أصحاب قضية تُسمّى فلسطين.

هنا أخلُص إلى أن الاختزال ضمن تلك الانطباعات والتشخيصات العاطفية عربيا وإسلاميا دون تفكيك هو مشكلة في حدّ ذاته. فالسياسة لا تُوجّهها عواطف. فالسياسة قد تُدافع على مسلمي البلقان حين يقتضي الأمر، لكنها تقسوا ما استطاعت على مسلمي فلسطين حين يقتضي الأمر ذلك أيضا.

المشكلة هنا أن هذا التسيير العاطفي معطوفا عليه الاستشهادات القرآنية في الخطاب أنست الكثيرين لما قاله في ذات الخطاب بشأن قضايا أخرى هي أصلا في قوس تفكيرهم، بالضبط كما فعلت بَسْمَلَة نابليون في مصر قبل أزيد من مئتي عام.

بل إنّهم قد يُخرّجوا تجديده للعقوبات على سورية وإيران، ورصد الكونغرس (الذي يُسيطر عليه الديمقراطيون) مبلغ خمسين مليون دولار لتشديد الحصار على غزّة بشكل غير مفهوم.

كلمة أخيرة في هذا المجال. وهي أن الاختبارات الحقيقية لم تأتِ بعد لكي نفهم توجّهات هذه الإدارة. فهي لم تُدرك أحداثا بحجم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، ولا حرب تمّوز في لبنان ولا العدوان على غزّة لكي تقول أو تفعل شيئا. وبالتالي أخذ الأمور بطريقة غير عاطفية سيكون أجدى حتما.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2470 - الأربعاء 10 يونيو 2009م الموافق 16 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً