العدد 5071 - الإثنين 25 يوليو 2016م الموافق 20 شوال 1437هـ

نجاة الصغيرة واستعادة الزمن الجميل

أعادتنا الفنانة إيمان عبدالغني والفرقة العربية للموسيقى إلى الزمن الجميل، زمن نجاة الصغيرة وشركائها من ملحنين كبار وشعراء مبدعين وموسيقيين موهوبين، والذين تضافرت إبداعاتهم في مسيرة فنية رائعة لواحدة من عمالقة الفن الغنائي العربي، نجاة الصغيرة، والتي أسعدت أجيالاً عربيةً منذ أن برزت في الساحة الفنية في زمن كان للفن الراقي قيمة.

وقد أبدعت الفنانة إيمان عبدالغني بمصاحبة الفرقة العربية للموسيقى في أداء عددٍ من أجمل أغاني نجاة الصغيرة، كما عزفت الفرقة العربية للموسيقى عدداً من مقطوعات أغاني نجاة الصغيرة مثل «أنا باستناك»، «آخر حلاوة».

هذه فرصة لإلقاء نظرة على إبداعات نجاة الصغيرة، وقد أتيحت لي أيام الدراسة الجامعية أن أحضر حفلة غنائية لها، ومن المعروف أن صوت نجاة الصغيرة خافت ومحدود المساحة في الطبقات الصوتية، ولكنه شجيّ ويميل إلى الحزن ويلامس شغاف القلب، ولذا فهو تغنٍّ أقرب إلى الهمس؛ ما يتطلب من المستمعين في القاعة - وهذا ما لاحظته- الهدوء التام والانتباه إلى الكلمات، لأن نجاة تحرص على انتقاء الأغاني والقصائد ذات المعاني العميقة، ولا تميل إلى التطريب الشائع.

نجاة الصغيرة هي الابنة الكبرى لمحمد حسني البابا، السوري الكردي المهاجر إلى مصر، والذي احترف كتابة الخط العربي حتى اشتهر به، كواحد من كبار الخطاطين العرب، ثم التحق بهيئة الإذاعة والتلفزيون، وتزوّج من مصرية، حيث ولدت له نجاة في 1939، وقد تزوجت نجاة مرتين لفترتين قصيرتين، الأولى من الموسيقي كمال منسي، والثاني من المخرج حسام الدين مصطفى، وأختها الفنانة المشهورة سعاد حسني، وتنتمي لعائلة كبيرة من 17 أخاً وأختاً لأبيها وزوجتيه.

غنّت نجاة في الأعراس والحفلات العائلية وعمرها 5 سنوات، ومثّلث للمرة الأولى في فيلم «هدية» في 1947 وعمرها 8 سنوات، وقد رعاها الكاتب الصحافي فكرى أباظة، وهو من أطلق عليها لقب «الصغيرة». وقد عرفت أسرة نجاة بأنها أسرة الفنانين، فأخوها عزالدين ملحن وموسيقار، وهو الذي درّسها الموسيقى والغناء باكراً. والأخ الثاني سامي عازف تشيلو، وأختها غير الشقيقة سعاد حسني «سندريلا الشاشة العربية»، ممثلة رائعة، ومغنية اسكتشات أيضاً، ولها عشرات الأفلام الممتازة، عدا جمالها الطاغي وجاذبيتها، والتي جرّت عليها كثرة الزيجات والتطليق دون أن تنجب، كما جرّت عليها كثرة المصائب أيضاً، وأدت إلى مقتلها في لندن في ظروف غامضة في العام 2001.

خلال مسيرتها الفنية الطويلة، قدّم لها الشعراء الأغاني، ولحّن لها الملحنون، وعزف لها كبار الموسيقيين من مختلف الأجيال منذ أن غنّت منفردةً في حفل وعمرها 16 سنة. فمن كتّاب أغانيها مأمون الشناوي وكمال الشناوي، والشاعر عبدالرحمن الأبنودي، والشاعر الكبير نزار قباني الذي يعتبرها أفضل من غنّى قصائده وأسهمت في نشر دواوينه بما لم يكن يتوقعه، حيث شكّل الثلاثي الشاعر نزار قباني والملحن محمد عبد الوهاب والفنانة نجاة الصغيرة، المزيج السحري الذي أبدع أجمل الأغاني العربية مثل أغنية «متى» و «أيظن». ونشير هنا إلى أغنية «لا تكذبي» لكمال الشناوي، والتي تابع الملايين من العرب إطلاقها في حفل سينما قصر النيل خصوصاً، والتي نقلتها الإذاعة المصرية، وسط ترقب شديد ومتابعة من ملايين المستمعين العرب، كما غنّاها أيضاً الفنان عبدالحليم حافظ. ومن أهم الملحنين الذين لحّنوا لها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، والموسيقار المبدع بليغ حمدي، والموسيقار كمال الطويل، والموسيقيون سيد مكاوي ومحمود الشريف وشقيقها عزالدين، ورياض السنباطي وحلمي بكر وزكريا أحمد، وهم ينتمون إلى جيلين من الموسيقيين.

ومع دخول العرب مرحلة التراجع، شهد الفن الغنائي تراجعاً أيضاً، ولذا صعب على نجاة الصغيرة أن تجد مؤلفين للأغاني وملحّنين لها على مستوى الكبار الذين تعاونت معهم، وبالتالي تراجعت بسرعة ثم توقف عطاؤها في الثمانينيات ودخلت في مرحلة الصمت التي تعيشها للأسف حتى الآن، وانعزلت مع ولدها الوحيد وليد.

غنّت نجاة الصغيرة إلى جانب الأغاني العاطفية المطوّلة التي اشتهرت بأدائها في حفلات المسرح، الأغاني الوطنية أيضاً، مثل أغنية «عطشان في محبة النيل»، و «وطني حبيبي»، إلى جانب مغنّي عصرها الكبار.

وإلى جانب الغناء، مثّلت نجاة الصغيرة كبطلة في العديد من الأفلام الغنائية التي تعتمد على أغانيها القصيرة، وكذلك في أفلام دراسية ومجموعها 12 فيلماً، إلى جانب كبار الممثلين مثل رشدي أباظة وكمال الشناوي.

أثْرت نجاة الصغيرة الحياة الفنية بما يزيد على 200 أغنية، والتي رسخ العديد منها في الذاكرة العربية، وعلى رغم مرور عقود يطيب للأجيال المتعاقبة الاستماع إليها والاستمتاع بها، حتى لو أدّاها فنانون آخرون مثل الفنانة إيمان عبدالغني في الحفل البهيج على الصالة الثقافية مساء الخميس (21 يوليو/ تموز 2016). فشكراً للشيخة مي آل خليفة وهيئة الثقافة، وشكراً لنجاة الصغيرة في عزلتها، وتحية محبة من ملايين العرب الذين أسعدتهم بفنها الراقي.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:15 ص

      أغنية (أيظن أني لعبة في يديه) كانت من أجمل أغانيها. شكرا لكاتب المقال.

اقرأ ايضاً