في تعريفات عديدة لـ «السدو»، نقف من بينها على أنه «أحد أنواع النسيج البدوي التقليدي الذي ينتشر في التقاليد البدوية، وخاصة في شبه الجزيرة العربية. وفي جانبه اللغوي، هو كل ما هو منسوج على طراز أفقي. وغالباً ما يستخدم وبر الجَمل أو شعر الماعز أو صوف الغنم لحياكته. يستعمل السدو لحياكة الخيمة البدوية المعروفة ببيت الشَعر، التي تحمي من حرارة الشمس وبرد الصحراء في الليل».
تطلَّبت البيئة القاسية، اهتداء الإنسان البدوي ومنذ قديم الأزمان إلى استغلال الحيوانات التي هي في خدمته، وتساعده على تحمُّل طبيعة تلك البيئة، ومن بين ما استغلَّه، الوبر والصوف، لتدشين مقار إقامته التي تظل مؤقتة بطبيعة الترحُّل الذي يسم حياة البدوي، سعياً وراء المراعي الخصبة، والأماكن التي تتوافر فيها المياه، على رغم شحِّها، والإشكالات التي تترتب على الانتفاع بها، وخصوصاً إذا كان من خارج الجماعة أو القبيلة.
تأتي المقدمة تلك لتمهِّد للورقة البحثية التي نشرها الأستاذ المشارك في قسم التصميم الداخلي بكلية التربية الأساسية في جامعة الكويت، علي صالح النجادة، في مجلة «الثقافة الشعبية» التي تصدر في مملكة البحرين عن المنظمة الدولية للفن الشعبي (IVO) (International Organization of Folk Art)، في عددها الرابع والثلاثين للعام 2016، وحملت عنوان «الأسس النظرية والعملية لتطوّر تصاميم أنوال حياكة السدو»، بدأها بالتعريف المرتبط بالممارسة المحلية لهذا النوع من الصناعات التقليدية، لدى سكان بادية الكويت، ضمن أبعاد معانيه الثلاثة؛ إذ تطلق بنات القبائل في الكويت كلمة السدو على عملية حياكة السدو، وعلى اسم نول حياكة السدو التقليدي، وعلى منتجات السدو الخام التي تصنع منها بيوت الشعر والبسط والزَّل.
ويعرج النجادة على التعريف اللغوي له من حيث القصد، ويعني الامتداد أو الاتساع في مد الشيء.
ويشير إلى أن هل البادية استعملوا كلمة السدو بكل المعاني المتعددة لها، ولكن ضمن غرض محدد ومعيَّن، تذهب إلى عملية حياكة السدو «لأن المشتغلة بها تنسج بامتداد للأمام؛ حيث إنه مع استمرار عملية النسج يزيد طول قطعة النسيج»، وهذا ما يؤكد معنى الاتساع للأمام الذي ذكره الجواهري في كتاب الصحاح «سدَت الناقة؛ أي مشتْ ومدَّت ذراعاها للأمام باتساع أو خطوات واسعة».
تضمنت الورقة البحثية الأطوار والمراحل التي مرت بها الحرفة، وشيوعها لدى بنات القبائل ذوات الأصول البدوية في الكويت حيث إتقانها والبراعة التي يتمتعن بها، وكذلك الاستعمالات التي تدخل فيه، لفرش الأرض وأقمشة التنجيد لمفروشات بيت الشَّعر، كالمراتب والوسائد، وأمتعة تخزين الطعام وحفظ الملابس ونقل الحاجيات الخاصة بالأسرة البدوية، وإنتاج حليات الزينة لتجميل الخيول والجِمال وبناء الهوادج، وغيرها من الاستعمالات التي يدخل السدو في تجهيزها.
يشير النجادة إلى أنه في العام 1979 تم تأسيس مشروع وطني للمحافظة على حرفة ومنتجات السدو، ودخل مرحلة التطوير في العام 1991، ليحمل اسم الجمعية التعاونية الحرفية للسدو، ورئيستها الفخرية الشيخة ألطاف سالم العلي الصباح.
أهداف الورقة البحثية
تهدف الورقة البحثية في المقام الأول إلى استعراض الأسس النظرية والعملية «والفلسفة التي بني على أساسها تطور أنوال السدو» منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي وحتى نهاية العام 2014، من خلال العناصر الآتية: تحديد مشكلة البحث والأصل في فكرته. دراسة أنوال السدو السابقة. تباين الأسس النظرية والعملية لتصميم نول السدو الرأسي. استعراض مراحل اختراع وتطوير نول السدو الرأسي. استعراض الوصف التفصيلي لأجزاء نول السدو الرأسي. شرح طريقة استعمال نول السدو الراسي، واستعراض الأنوال الجديدة التي صُمِّمت ونُفِّذت بعد نول السدو الرأسي.
ويتناول النجادة بالتفصيل كل عنصر من العناصر السبعة المُشكِّلة للأهداف، مع تناولها بالترتيب بحسب سياقها الزمني وما طرأ على الأنوال من تغييرات وتطوير.
بالنسبة إلى الجيل الأول من الأنوال، وهو نول السدو الأرضي الأفقي (التقليدي)، يوضح النجادة بأنه ربما يكون أقدم نول في التاريخ ويرجع إلى العام 1900 قبل الميلاد في عهد الملك سنوسرت الثاني من الأسرة المصرية الثانية عشرة التي حكمت مصر القديمة «لكنه لم يكن لنسج السدو وإنما استخدم لحياكة المنسوجات القطنية والكتانية». وعن خصائصه يبيِّن النجادة بأنه يتكون من غصن خشبي أو قضيب معدني يُمد عرضياً في مقدمة (قاع) النول أو مطواه الأمامي، وقطعة أخرى مشابهة في مؤخرة (رأس) أو المطوى الخلفي للنول. أما عن مميزاته فهو سهل النصب والطوي؛ حيث يمكن لناسجة واحدة أن تثبِّته على الأرض للنسج عليه.
وبالنسبة إلى الجيل الثاني: نول السدو الأفقي الأرضي المعدني، فحدث ذلك بعد انتقال الناسجات من سكان البادية الكويتية للعيش في المدن، واتخاذ المساكن الحديثة، وأصبح من الصعب عليهن استعمال النول التقليدي نفسه؛ لذا تم تصميم نول معدني «من أنابيب الحديد الأسطوانية الملحومة على شكل برواز معدني بعرض 60 سم وبطول 150 سم، له أربع قوائم، طول كل واحد منها 25 سم». ويتميز - بحسب النجادة - عن سابقه من الجيل الأول، بعدم حاجته للتثبيت بأوتاد على الأرض، وكذلك يمتاز بخفَّته وسهولة نقله.
نول «رِيف» ومراحل تطويره
أما عن الجيل الثالث: نول ريف (نول السدو الرأسي للمهندس الأميركي ريف)، فلهذا النوع من الأنوال قصة يبرزها النجادة بالإشارة إلى أنه نتيجة تعب وشكاية معظم الناسجات الصغيرات في السن وغير المتمرسات على النسج من استخدام نول السدو التقليدي والنول المعدني المطور، ورغبة بعض الأجنبيات في التدرُّب على طريقة نسج السدو «اقترحت الشيخة ألطاف الصباح على مهندس أميركي يُدعى ريف التفكير في تصميم نول لحياكة السدو يمكن العمل عليه في وضع رأسي»، وذلك هو ما حدث.
وعن الجيل الرابع: نول السدو الرأسي، والذي كان للباحث النجادة دور في الوصول به إلى مرحلة أكثر تطوراً تلافت العيوب التي لم يخْلُ منها نول ريف، يذكر أنه في العام 1997، تم اللقاء بين الشيخة ألطاف الصباح ومصمم نول السدو الرأسي (الجيل الرابع)، الباحث والأكاديمي علي صالح النجادة، بهدف بحث إمكانيات تطوير النول. وفي هذا المبحث يورد النجادة المراحل التي مر بها اختراع نول السدو الرأسي؛ علاوة على وصف تفصيلي لأجزائه، وطريقة استعماله، والتعديل الذي تم على النموذج الأول.
ومروراً بالجيل الخامس: نول السدو الهرمي - النموذج الأول، يشير النجادة إلى أن فكرة تصميمه جاءت تلبية لطلب بعض المتدربات على حياكة السدو من النساء الأجنبيات، ويتميز هذا النوع من الأنوال بمتانة بنائه، وثباته على سطح الأرض، وتناسبه مع نقله بالسيارة، معرجاً على الجيل الخامس من نول السدو الهرمي: النموذج المطوَّر، ويتميز بإمكانية طيِّه، وإمكان العمل عليه في الأماكن الصغيرة ومحدودة المساحة، انتقالاً إلى الجيل السادس من نول السدو التعليمي للأطفال - النموذج الأول، وهو نسخة مصغرة عن نول السدو التقليدي، ويتميز بصغر حجمه الذي لا يزيد على 50 سم عرضاً وبطول لا يزيد على 75 سم، بلوغاً إلى الجيل السادس من نول السدو التعليمي للأطفال - النموذج المُطوَّر، الذي تم فيه تكبير حجمه وقياساته بوصوله إلى 60 سم من حيث العرض، و110 سنتمترات من حيث الطول.