العدد 2470 - الأربعاء 10 يونيو 2009م الموافق 16 جمادى الآخرة 1430هـ

تقاعد مثير للجدل

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يكن مشروع تقاعد النواب المثير للجدل بحاجةٍ إلى مناظرات لإقناع الناس به، بل إلى تواضعٍ وحسنِ تقديرٍ للأمور.

الوفاق أخطأت حين وضعت نفسها في منصب المحامي الأول عن تقاعد النواب، والبيان الذي نشره أحد أعضائها، احتوى على نقاط مثيرة للجدل أكثر مما هي مثيرة للإقناع. فمع التسليم أن تقاعد النواب ليس بدعة، إلا أن البحث عن قيمة ما يحققه هذا القانون من عدالةٍ وإنصاف. فالمناظرة تعجز أمام منطقٍ بسيطٍ يسوقه المواطن الكادح: كيف أشقى 40 عاما لأحصل على نسبةٍ من الراتب التقاعدي سيحصل عليها النائب بعد خدمة أربع سنوات؟

ربما لن يأخذ النواب فلسا واحدا من المبالغ المخصّصة لموظّفي القطاع العام والخاص، ولكن النسبة التي ستدفعها الحكومة (20 في المئة) أليست من المال العام؟ أم أنها مبالغ نزلت فجأة في خزينة الدولة من السماء؟

البيان أثار إشكالات عديدة، على رأسها الترويج لفكرة أن مشروع التقاعد وبصيغته المطروحة المثيرة للجدل، إنما كان من أجل «ضمان نزاهة واستقلالية النائب»، و»حتى لا يتورط في فساد مالي أو صفقات مشبوهة لضمان مستقبله بعد خروجه من المجلس». فهذه الفرضية تطالب المداواة بالداء: مزيد من المال لمقاومة الفساد! ولكن... هل تضمن زيادة المال النزاهة؟ وهل الترشّح للبرلمان مشروعٌ خاصٌ لتأمين مستقبل النواب... أم للخدمة العامة والمشاركة الشعبية في صنع القرار؟

المؤكد أن تقاعد النواب حتى في أعرق الدول الديمقراطية لم يقف حائلا دون فساد النواب، كما حصل للنواب البريطانيين، عمالا ومحافظين، الذين تنافسوا على الاستحواذ على ما أمكن من المال العام، للإنفاق على مساكنهم وتصليح مصابيح منازلهم وشراء أسمدةٍ لحدائقهم.

إنها مسألة أخلاقية بالدرجة الأولى، ومحاربة الفساد في أي مكان تحتاج أول ما تحتاج إلى نزاهةٍ وتجردٍ وترفّعٍ عن المصالح الشخصية. وقبل «الوفاق»، أخطأ النائب رقم 18، الذي قدّم مداخلة مضطربة أخرى، في أول مؤتمرٍ صحافي يشارك فيه بعد ثلاث سنوات من وصوله للبرلمان. فنحن في بلدٍ يعاني من فوارق طبقيةٍ شديدةٍ، تزداد اتساعا مع الأيام، ومثل هذا القانون قال عنه الشيخ عيسى قاسم قبل عامين إنه «تكريسٌ للطبقية الفاحشة». والأخطر أن مثل هذا الموقف يؤدي إلى تآكل الثقة بالنواب المؤتمنين على مصالح العامة.

إحدى التبريرات أن التقاعد «المغري» سيجذب الكفاءات، لكن الاحتمال الأرجح والأقرب للواقعية وللطبيعة البشرية، إنه سيجذب أعدادا أكبر من المتطفلين والمزايدين والطامعين والمتلونين، مادامت الكعكة من الحجم الكبير. وانتظروا انتخابات 2010 حيث ستطفو على السطح أصناف من «الجمبازية» لم تشاهدوها في حياتكم قط.

مشكلة كتلة الوفاق أنها تقارن نفسها بكتلتي «المنبر» و»الأصالة»، ولكنها تنسى أن جمهورها ناقد، وجمهور غيرها راقد. جمهورها مراقِبٌ ومتحفّز، وجمهور غيرها مخدّرٌ ومسلوب الإرادة، ولذلك ستظل العثرات تلازمها إذا لم تتدارك أخطاءها وتدرك سيكولوجية الجماهير.

ربما يكون الكلام في الوقت الضائع، وليس من المنتظر من الشورى أن يعترض على كعكةٍ سيكون له كِفْلٌ منها، ولكن تبقى العبرة... وخطأ الشاطر بألف، حيث لا تجدي في ترقيعه المناظرات ولا المحاضرات.

أخيرا... تذكّروا أن الوفاق لم تمرّر وحدها القانون المثير للجدل، بل لها شركاء، «أخوانا» و»سلفا»، وبعضهم يسمّون أنفسهم «مستقلين»... تحوم حولهم جميعا تهمة المشاركة في قضم المال العام! وفي مقدمتهم الجمبازي الكبير الذي استقتل لإقرار التقاعد، وانقلب زاهدا فيه فجأة عندما قبلت به الوفاق!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2470 - الأربعاء 10 يونيو 2009م الموافق 16 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً