العدد 2470 - الأربعاء 10 يونيو 2009م الموافق 16 جمادى الآخرة 1430هـ

«طيران الخليج» أمام تحديات أزمة صناعة الطيران (2/2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما تقوله تلك المقدمة بشأن أوضاع الأسواق تؤكد أن صناعة الطيران العالمية تمر بأزمة يقف وراءها الكثير من العوامل من بين أهمها الأزمة المالية العالمية. ومما لاشك فيه أن هناك بعض الحالات الاستثنائية التي صمدت، لكن شركة «طيران الخليج» لم تكن من بينها، فهي الأخرى تعاني مما تتعرض له الأخريات من شركات الطيران. لكن المتابعين لأوضاع «طيران الخليج» ينقسمون، بشكل أساسي إلى فريقين متناقضين: الأول، يرى أن «الوضع الكارثي» الذي تعيشه الشركة اليوم، مصدره الأساسي عاملان هما: الفساد الذي يعشش في دهاليز الشركة، قبل أن يكون هناك أي سبب آخر، والثاني يحاول أن يبرر، وبشكل مطلق، الظروف الصعبة التي تمر بها الشركة، مقدما قائمة من الأسباب االتي تبرر استمرارها فيها.

كلا الموقفين ينطلق من خلفية خاطئة، فأزمة «طيران الخليج» ليست خافية على أحد، لكن الأسباب التي تقف وراءها ليست ذاتية، وتعود إلى الظروف التي انولدت فيها الشركة، والسياسات التي حمتها عندما كانت إقليمية، قبل أن تتملكها حكومة البحرين. من هنا، ودون أن يفهم من ذلك سوق التبريرات المدافعة عن أوضاع الشركة، التي نشخص باختصار حالتها الراهنة على أنها محصلة إرث إداري سيئ يملؤه الكثير من الأخطاء، تضافرت مع بؤر فاسدة ساهمت في إيصال الشركة إلى ما هي عليه اليوم، دون أن يؤدي هذا الوصف إلى إغفال الجهود المبذولة حاليا، ومنذ أن آلت ملكية الشركة إلى حكومة البحرين. وبالتالي، لابد من القائمين على الشركة اليوم، من أن يبذلوا قصارى جهدهم متعظين من دروس المرحلة التي أوصلت الشركة إلى الحالة التي هي عليها اليوم. على أنهم، وهم يقومون بهذه المهمة الشاقة والمعقدة، لابد لهم، ولمن يتابع أوضاع هذه الشركة مراعاة الأمور التالية:

-1 أمور الشركة ليست على ما يرام، ولا يعود السبب، فقط إلى تلك الموضوعية، بما فيها الأزمة المالية العالمية. فهناك الكثير من الأسباب الذاتية التي ينبغي التوقف عندها، وامتلاك الجرأة للاعتراف بها علنا ودون أي خوف. فأول خطوة على طريق العلاج، تبدأ باعتراف المريض بأنه مصاب، يلي ذلك إفصاحه الصريح عما يشعر به، لكي لا ينخدع الطبيب، فينجرف إلى معالجة الأعراض، بدلا من الانكباب على دراسة الأسباب والبحث جذورها.

-2 استحالة الوصول لقرار إغلاق الشركة، فقد بات من المسلمات وجود شركة طيران وطنية في كل دولة، شأنها في ذلك شأن السفارات والبعثات الدبلوماسية، التي باتت مرافقة لاستقلال الدولة، والحديث عند تناول أوضاعها هو تقليص عدد تلك البعثات أو زيادته، دون الوصول إلى قرار يقضي بإغلاقها جميعا. الأمر ذاته ينطبق على «طيران الخليج» التي لا يمكن الوصول إلى قرار إغلاقها، وإنما إصلاحها، وتقليص عناصر السلب في إدائها.

-3 عدد العائلات البحرينية التي تعتمد في عيشها على هذه الشركة، حيث يعمل بها المئات من الموظفين البحرينيين الذين يعتمد على دخلهم الآلاف من أفراد أسرهم. هذا الكم من الأنفس ينبغي الأخذ بمساهماته، بغض النظر عن صغر أو كبر حصتها، في دورة الاقتصاد الوطني. فأي إجراء سياسي أو إداري يتخذ من أجل الإصلاح، لابد وأن يراعي مصير هؤلاء العاملين، ومن ورائهم أفراد تلك العائلات.

-4 المؤسسات البحرينية الأخرى ذات العلاقة بحركة «طيران الخليج» والفرص التجارية التي تولدها نشاطات الشركة لتلك المؤسسات، وخاصة السياحية منها، من فنادق ومطاعم، وشركات تأجير السيارات... إلخ. فأي إجراء يمس أوضاع الشركة، من الطبيعي أن ينعكس سلبا أو إيجابا على تلك المؤسسات.

-5 العلاقة مع الخدمات التي يقدمها مطار البحرين الدولي، حيث يخلط المسافر بين مستوى تلك الخدمات وأداء «طيران الخليج». ولذلك فكثيرا ما نسمع إلصاق أي سوء في خدمات المطار منسوبة إلى تلك الشركة. لذا لا بد من تلمس عناصر التكامل الإيجابي وتعزيزها، وفي الوقت ذاته تشخيص السلبي منها من أجل وضع حد لها، فيما يتعلق بمستوى تلك الخدمات.

هذه الصورة التي تتداخل فيها الظروف المحلية مع الدولية من جهة، وتتفاعل فيها أيضا العوامل الذاتية الداخلية للشركة مع تلك العوامل الفاعلة في الأسواق المحلية والإقليمية من جهة ثانية تتقلص الحلول المتاحة أمام «طيران الخليج» لمعالجة التحديات التي تواجهها، وتضعها أمام خيارت محدودة يمكن رصدها على النحو التالي:

-1 إعادة هندسة أوضاع الشركة، بما يشمل هياكلها الوظيفية ونموذجها التجاري. قد يقود ذلك على المستوى الوظيفي إلى تقليص بعض الدوائر الحالية، أو التوسع في أخرى. أما بانسبة للنموذج التجاري، فقد يؤدي ذلك إلى الاستحواذ على بعض شركات الطيران «الصغيرة « المنافسة التي تقدم خدمات أقل من تلك التي توفرها «طيران الخليج»، بما في ذلك شبكة البلدان التي تصلها اليوم «طيران الخليج».

-2 عرض الشركة للاكتتاب العام، ومن الطبيعي أن يلحق هذا الخيار بعض الضرر باستثمارات حكومة البحرين، لكنه يفتح آفاقا واسعة أمام انتشال الشركة من أوضاعها التي تعاني منها. المهم في هذا الخيار أن ما قد تتكبده الدولة من خسائر اليوم، من جراء احتمال رخص ثمن «السهم» الذي سيعرض للأسواق، يمكن تعويضه من خلال انتعاش الشركة في المراحل اللاحقة، هذا بالإضافة إلى ما سيتركه ذلك من انعكاسات إيجابية على سوق الأسهم البحرينية.

-3 دمج الشركة مع شركات أخرى تملك حكومة البحرين حصصا فيها، حيث «تغطى» خسائر الشركة من خلال الأرباح التي تحققها تلك الشركات المكملة في نطاق الشركة القابضة. هذا النموذج شبيه بذلك الذي أخذت به حكومة دبي عندما أطلقت شركة «دناتا» القابضة التي تنضوي تحت مظلتها شركة طيران «الإمارات»، وتكون هذه الخطوة مرحلية تسبق عرض الشركة القابضة المالكة لشركة «طيران الخليج»، للاكتتاب العام.

ربما تكون هناك خيارات أخرى، أدرى بها القائمون على الشركة، ولكن إلى أن يقع الخيار على أي منها، لا ينبغي أن تتوقف إدارة الشركة، كما هي عليه الآن، عن تحسين أداء «طيران الخليج» التي هي اليوم شركة الطيران الوطنية، بغض النظر عن كل ما يقال عنها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2470 - الأربعاء 10 يونيو 2009م الموافق 16 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً