أعلنت الشرطة الألمانية أنّ مهاجم مدينة ميونخ "يعاني درجة من الاكتئاب"، لكن هذا لا يعني بالضرورة انه ارتكب المذبحة تحت تأثير الاكتئاب، وهو ما كشف عنه الباحث في قضايا الانتحار غيورغ فيدلر في لقاء مع DW كشف تعقيدات المسالة.
تكررت مؤخراً حوادث إطلاق النار في مدن ألمانية مختلفة، وكان الرابط - كما أعلنت السلطات الأمنية الألمانية - بين المنفذين هو الاكتئاب والاضطرابات النفسية، التي قادت إلى مقتل العديد من الأشخاص.
وكان أول هذه الاعتداءات هو إطلاق النار العشوائي الذي قام به شاب ألماني- إيراني، قالت السلطات إنه كان يعاني من الاكتئاب. حول الرابط بين الاكتئاب والعنف التقت DWالباحث النفسي المتخصص في قضايا الانتحار غيورغ فيندلر: DW : استاذ فيدلر، هل يمكن أن يستخدم المرء السلاح لقتل الآخرين لمجرد انه "مكتئب"؟ غيورغ فيدلر:عليّ أن أوضّح بدءاً أن وصف "مكتئب" يدل على ما يبدو عليه الإنسان بالنسبة للآخرين، ولذا أقول هنا إن الشرطة كانت حذرة جداً في وصف المعتدي بهذا الوصف. "علامات اكتئاب" لا تعني قط أنّ المصاب يعاني من مرض نفسي، وحتى إذا كان يعاني من الاكتئاب، فإن من يعانون من هذه الحالة لا يشهرون أسلحة ويقتلون الناس بها بشكل عشوائي.
المكتئبون عادة يستهدفون أنفسهم بالعنف. من هنا لا يمكن الافتراض أن الاكتئاب كان سبب الهجوم.
ما مدى شيوع الاكتئاب في ألمانيا؟ يعني ثلث من يعيشون في ألمانيا من الاكتئاب، لكن هذا الوصف عام جداً، فهو قد يعني أن يعيش المرء منعزلاً عن الآخرين دائم التفكير ودائم التأنيب لنفسه باعتباره مسئولاً عن المشاكل التي تواجهه.
هناك عناصر كثيرة تلعب دوراً في هذه المعادلة، لكن كل هذه الصفات مجتمعة لا تعني بأيّ حال أن من يعاني منها مريض، مصطلح اكتئاب جرى تضخيمه بشكل واسع خاصة في هذا المورد. الاكتئاب الحقيقي مرض شديد الخطورة أعراضه التفكير المتصل والاستيقاظ المبكر والأرق وقلة النوم المتصل على مدى أسابيع أو أشهر.
كان المعتدي شاباً ألمانياً من أصل إيراني يبلغ من العمر 18 عاماً، ما الذي يمكن أن يدفع شاباً مثله إلى ارتكاب هذا الفعل الفظيع؟ على المرء توخي الحذر في الحكم على هذه القضايا، لكن الظاهر بالتأكيد هو وجود أسباب دفعته لارتكاب الجريمة، ومنها أن المعتدي كان يخضع لعلاج نفسي، وهذا يعني أن المرض النفسي ربما لعب دوراً فيما جرى ولكنه بالتأكيد ليس العامل الوحيد. العاب الكومبيوتر التي تروج العنف والشائعة تماماً في أوساط الشباب اليوم هي عامل يشار إليه دائماً في الحالات التي يرتكب فيها البعض فظائع دموية (كالتي جرت في ميونيخ)، لكن حقيقة أنّ المعتدي كان يحب العاب "ego-shooter" لا يمكن أن تكون السبب الوحيد الذي يفسر ثورة العنف التي انتابته، ومن يتبنون هذا التفسير يسقطون في فخ تسطيح المسالة، فأسباب أفعال من هذا النوع أعقد بكثير من مجرد هذه الافتراضات.
استخدم تعبير" انتحار مؤجل" في وصف حالة المعتدي، ماذا يعني هذا التعبير؟ التعبير يشير إلى حالة من يقتل القريبين منه أثناء إقدامه على الانتحار، ومثل هذا الوصف يُطلق على الأم التي تقتل طفلها ثم تنتحر، أو الأب الذي يقتل كل عائلته وهو ينتحر، وفي كلا الحالتين فإن المنتحر ينطلق من افتراض مفاده أنّ الضحايا لن يمكنهم العيش دون وجوده معهم، وبالتالي فإن الفعل الجرمي فيه جانب إيثاري، ولكن كل ذلك لا ينطبق على ما جرى في ميونيخ. هل يذكرك هجوم ميونيخ بحالات مشابهة؟ هناك مثال آخر: طائرة جيرمان وينغز التي أسقطها طيارها في آذار مارس المنصرم لم تكن بالتأكيد تعبيراً عن اكتئاب الطيار.
وبوسعي القول هنا إنه هو الآخر كان يعاني من مشكلات في شخصيته، ومنها انه كان يملك تصوراً وهمياً للعالم المحيط به. فإذا رجعنا بالتفكر لبضعة أعوام مضت، إلى واقعة إطلاق النار في فينندن (الهجوم على مدرسة في ولاية بادن فورتمبيرغ الألمانية عام 2009)، هناك أيضاً أُشير إلى المعتدي باعتباره يعاني من اكتئاب، ولكن في هذه الحالة أيضاً وقفت سلسلة من الأسباب وراء الهجوم، لا يمتُّ أي منها إلى الاكتئاب بصلة.
بل إن التشخيص النفسي لإعراض الاكتئاب سيقف ضد فرضية انه سبب للهجوم. هل ترى ثمة علاقة بين الهجومين؟ ما لفت انتباهي أن مهاجم ميونيخ أطلق النار على الشباب، وبهذا الشكل فهم من نمط ضحايا هجوم فينندن، كما أن الهجوم يعيد إلى الذاكرة مذبحة النرويج قبل 5 أعوام حيث قتل مسلح 77 شخصاً أغلبهم من الشباب.
* غيورغ فيندلر باحث نفسي متخصص في قضايا الانتحار يعمل ويسكن في مينة هامبورغ.