التطرف مسئولية يتحمّلها الجميع، ومحاربته تبدأ أولاً بمحاربة الأفكار التي تقمع الآخر، أيضاً على الغرب أن يكف عن دعمه لأنظمة دكتاتورية في المنطقة؛ لكن من يمارس هذه الممارسات على الآخرين ينمي معها أيضاً روح الانتقام والتطرف، وهي من العوامل التي تجعل المجتمعات تعيش منقسمة على بعضها البعض، فمنها مجموعة تعيش في أمن واستقرار وبحبوحة اقتصادية، ومجموعة أخرى تعيش على طرف المجتمع، قليلة الفرص بسبب التمييز والاضطهاد ووضع اقتصادي متدنٍّ.

هوية منفذ الهجوم الإرهابي في مدينة نيس الفرنسية كانت صادمة، فهو فرنسي من أصل تونسي، أي أن أصوله ترجع إلى البلد العربي الأول الذي فجر الربيع العربي. والكشف عن هوية منفذ هجوم نيس، أعاد الكثير من الأسئلة إلى الواجهة، في ظل وجود إحصائيات تشير إلى أن تونس تعتبر المُصدر الأول للجهاديين إلى سورية والعراق.

وهو معطى بات يلطخ صورة تونس كمهدٍ لما سمِّي بالربيع العربي، وكحالة يرى فيها البعض نموذجاً تتطلع إليه باقي شعوب بلدان المنطقة التي عرفت أيضاً ثورات في السنوات الأخيرة.

أسئلة كثيرة هنا وهناك بشأن أسباب انتشار الأفكار المتطرفة لدى بعض الشباب العربي من خليجه إلى محيطه ومن مشرقه إلى مغربه العربي.

مهما كانت الأسباب فلا يوجد شيء يبرر الإرهاب؛ ولكن قد يمهد إلى تنامي ممارسات أكثر بغضاً عند فئة دون أخرى داخل المجتمع الواحد. وبحسب المعلومات الأولية فإن الشخص المتورط في الهجوم، نشأ في فرنسا كما هو الحال بالنسبة لعدد كبير من المهاجرين في فرنسا، لكن الفكر الجهادي بات منتشراً بشكل كبير عند هذه الفئة في فرنسا.

وبالتأكيد لا يمكن تصنيف هؤلاء حسب جنسياتهم، كما يجب تجنب خلق الدعاية لهم عن طريق نشر هوياتهم وأسمائهم وأصولهم عبر وسائل الإعلام، فهذا الأمر مضر للغاية، ويولد الأحقاد والانقسام داخل المجتمع الواحد؛ بل ويعزز من الصورة النمطية.

للأسف دروس تونس كانت في مطلع الربيع العربي في العام 2011 مثالاً يحتذى به؛ ولكن تونس أيضاً حالها حال بلدان كثيرة كانت تأمل بربيع للشباب، لكنها حصدت العكس. فهناك من سرق ثورة الشباب وتجاهل صوتهم كدعاة إصلاح وتغيير، وهناك قوى قديمة تتنافس على الغنائم تاركة مستقبل العالم العربي، وما هو موجود اليوم أصبح نماذج لشباب محبطين إما تجدهم كمهاجرين غير شرعيين، أو منفيين، أو انتحاريين، أو متطرفين وجهاديين... إلخ. وبالطبع الأحزاب الحاكمة في كل من تونس وفرنسا تتحمل جزءاً كبيراً من المسئولية.

كما أن التعليم الجيد والحوار وتقبل الآخر، وتبادل الأفكار، وإشراك الشباب في القرارات العامة، كل هذه المقومات تعتبر مهمة في سبيل مساعدة الشباب في الخروج من الضياع الذي يعيشونه بشكل عام، وهي رسالة مفتوحة.