في خضمِّ انشغالات العالم العربي والمجتمع الدولي بالحوادث السياسية والأمنية الخطيرة المتلاحقة التي تعصف بالمنطقة، والتي أخذت تتفاقم بصورة رهيبة منذ أواخر رمضان الماضي، ولا يكاد المحللون والكتّاب السياسيون يلتقطون أنفاسهم لتأملها والإحاطة بكل جوانبها، بل ويحتارون في إعطاء الأولوية لأي منها نظراً إلى تسارعها وكثرتها، ثمة حدثان خليجيان متزامنان على درجة من الأهمية، لم يحظيا بالتناول الكافي من قِبل الكتّاب والمحللين العرب بوجه عام والخليجيين منهم بوجه خاص، وكلاهما يمثلان موقفين مشرّفين وقفتهما دولتان شقيقتان من دول مجلس التعاون، ألا وهما الإمارات والكويت، وكلاهما أيضاً يتصلان بالارهاب والحفاظ على أمن المواطنين.
موقف الإمارات المُشرّف يتمثل في قيام وزارة خارجيتها باستدعاء نائب السفيرة الأميركية لدى الدولة أيثن جولدرج لإبداء احتجاجها على المعاملة اللاإنسانية المتعسفة التي أقدمت عليها السلطات الأمنية لبلاده بحق المواطن الإماراتي أحمد المنهالي في فندق بمدينة كليفلاند بولاية أوهايو الأميركية، وذلك على خلفية ارتياب موظفة فيه بانتمائه إلى تنظيم «داعش» الإرهابي لارتدائه زيّاً خليجيّاً، وإبلاغها الشرطة في الحال عنه، حيث تعرّض بعد حضور مفرزة منها مدججة بالأسلحة الأتوماتيكية، وأجهزة الكشف عن المتفجرات لتعنيف بالغ، لحقت به من جرائه عدة إصابات، فضلاً عن إهانات متعددة بحق آدميته، ما تسبب في سقوطه مُغشىً عليه نُقل على إثره إلى المستشفى.
وإذا كان يُحسب للسلطات الأمنية الأميركية تسجيلها بالفيديو الواقعة بالكامل منذ لحظة اتصال الموظفة الأميركية المرعوبة من زي ملابسه الخليجية بالشرطة، إلى لحظة سقوط الضحية مُغمىً عليه، على رغم ما تخلل العملية من انتهاكات فظة لحقوق الإنسان، وهو إجراء بلا شك شفّاف وديمقراطي وغير مُطبّق للأسف بعدُ في عالمنا العربي، فإن الواقعة بمجملها لا تعكس فقط الجهل الأميركي الفاضح بثقافات الشعوب على المستويين الرسمي والشعبي، فما بالنا وهذه الشعوب تنتمي إلى بلدان لها صداقة وعلاقات تاريخية بالولايات المتحدة نفسها، بل وتعكس أيضاً حالة «الفوبيا» المرضية الأميركية المزمنة من الإنسان العربي والإنسان المسلم، على رغم انتمائهما إلى أمة يقارب تعدادها اليوم أكثر من مليار ونصف نسمة، وعلى رغم كذلك أن الأميركيين من أصول عربية وإسلامية يبلغ تعدادهم بالملايين في التركيبة السكانية للبلاد.
وبالتالي فلا تصرفُ الموظفة المذعورة من الزي الإماراتي الخليجي يدل على تلقيها، كموظفة سياحية، مؤهلاً علميّاً على حد أدنى عن ثقافات الشعوب، والأسوأ من ذلك ولا السلطات الأمنية لديها أي قدر معقول بمثل هذا التأهيل من الثقافة العامة، كسلطات مسئولة عن سلامة السياح على أراضيها، إذ يكفي أن تتلقى بلاغاً من موظفة جاهلة مرعوبة من اللباس الخليجي، لتستدل منه في الحال على أن صاحبه «داعشي» لتحضر قوات منها على الفور إلى المكان، لتعنيف الضحية وإلحاق الأذى النفسي والبدني به، هذا على رغم أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للسلطات الأمنية ذاتها تعلم جيداً حق العلم أنه لم يحدث قط ان ارتدى «الداعشيون» هذا اللباس، وليس هم بهذه الدرجة من السذاجة بأن يدللوا على هويتهم الخليجية في أميركا، وهم بصدد القيام بمهمات إرهابية قريبة أو آجلة.
وإذا كان يسجل للإمارات وقفتها الشجاعة في الاحتجاج على تعرض مواطن من مواطينها لانتهاك كرامته وحقوقه الإنسانية في الخارج على أيدي سلطات دولة عظمى صديقة لطالما عُرفت بتشدقها بالاهتمام والقلق على حقوق الإنسان في مختلف أرجاء العالم ، ما اضطرها بعدئذً إلى الاعتذار عن الواقعة، فإنه جدير بهذه الدولة أن تعتذر أيضاً إلى مجلس التعاون بكامله ، فالمُهان هنا ليس المواطن الاماراتي فقط، وإن كان هو المتضرر الأول مما حدث له، بل الإنسان الخليجي في زيه الشعبي الذي يُنظر إليه نظرة عنصرية مُريبة، ولا أعتقد ثمة مواطن عربي خليجي تابع فيديو الحدث إلا وشعر بوخزة شديدة لكرامته من استدلال الموظفة والسلطات الأمنية لهذا الزي، كدلالة على أن مرتديه هو شخص «إرهابي»!
أما الموقف المشرف الذي وقفته دولة الكويت الشقيقة، فيتمثل في النجاح الكبير غير المسبوق خليجيّاً، وربما عربيّاً، الذي حققته سلطاتها الأمنية بإحباط مخططات إرهابية «داعشية» لإزهاق أرواح مجاميع كبيرة من مواطينها والمقيمين على أراضيها الأبرياء ، فقد اُعلن رسميّاً تمكن الأجهزة الأمنية من توجيه ثلاث ضربات استباقية داخل البلاد وخارجها من خلال ضبط عناصر تنتمي لتنظيم «داعش» كانوا على وشك ارتكاب عمليات ارهابية أواخر رمضان، وأوائل العيد بعدد من المساجد الجعفرية والمنشآت الأمنية، ولربما الإنجاز النوعي الذي يسجل لسلطات الكويت هنا، والذي وصفته عن حق «غير المسبوق»، هو تمكنها من إحضار أحد الإرهابيين الذين يحملون جنسيتها من عقر دار عاصمة دولة عصابة داعش الاجرامية في مدينة الرقة السورية إلى بلاده الكويت، فاللافت أن هذا الإنجاز الأمني الكبير الذي حققته دولة الكويت الشقيقة والذي أعلنته بكل شفافية، ولم تتوانَ في نشر أسماء المتورطين في تلك المخططات الارهابية الخطرة على أرواح مواطينها بمختلف فئاتهم، أنها حققته على رغم أنها من أقل الدول العربية ودول مجلس التعاون تعرضاً للعمليات الارهابية، مما يعني أنها استفادت كثيراً من الحوادث الإرهابية المحدودة التي لحقت بها في رمضان العام الماضي (تفجير مسجد الإمام الصادق خصوصاً)، وتُعدُّ ضرباتها الأمنية الاستباقية هذه من الضربات الأمنية النادرة التي تنجح فيها السلطات الأمنية في الدول العربية التي تستهدفها «داعش» وهو ما يجدر بهذه الدول الاستفادة منها، وعلى الأخص العراق باعتباره الدولة العربية الأولى الأكثر تضرراً في العدد والحجم من عمليات «داعش».
ومن نافلة القول، إن الاستفادة القصوى من مثل هذا الإنجاز الأمني الانساني الكبير المُشرف لا يكتمل؛ إلا بعد أن يتم اجراء سجال فكري فقهي مُحكم معهم بشأن فكرهم الضال المنحرف الارهابي، سواء في إطار محاكماتهم المنتظرة أم إعلاميّاً وأمام عامة الناس في التلفزيون قبل المحاكمات، وهو في تقديرنا الأجدى والأنفع كخطوة مهمة على طريق إلحاق الهزيمة النهائية بالفكر «الداعشي» وتعزيز حصانة الشباب الغر من شر فيروساته.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 5061 - الجمعة 15 يوليو 2016م الموافق 10 شوال 1437هـ
ويش فيكم يا اْهل البحرين تاركيني لحالي بسكم نوم الساعة
د7:26