هل أبدأ بهذا التنصيص للشاعرة البحرينية منى الصفَّار؟ «من أضاع حياة كاملة، أو وضعها على الرف، كمن التفت فجأة ليجد أن صوراً في ذاكرة مثقوبة هي كل ما يملك في هذه الحياة». هل ألحقه بهذا؟ «لأن الموت ذاته هو احتفاء. نحن نهشُّ على الأشياء والأشخاص في النهايات عندما يتبقى خيط خفيف لا مرئيّ فقط. وتصبح الأشياء أكثر قدرة على عبورنا. أو بالأحرى نصبح أكثر قدرة على عبورها. أن تخضرَّ ثم تذوي ثم تنسى هي عجلة الحياة الرتيبة التي نعرفها جميعاً، التي نمر بها جميعاً مأخوذين بالموت أو الغياب، الطريقة ليست هي العبرة إنما هي الدورة التي تنطبق بشكل عام على كل الأشخاص والأشياء والطقوس والمشاعر».
التنصيص الثاني كان ذات حوار أجراه الكاتب السعودي حسين الجفَّال، في صحيفة «الحياة» بتاريخ 10 فبراير/ شباط 2015. الأول دوَّنته في مذكرة اعتدت أن أضمِّنها ما هو لافت من كتابات وبعض نصوص، هنا، أو خارج المكان.
يذهب هذا البورتريه إلى إثارة مسألة غاية في الأهمية تتعلق بآلية تعاطي المثقفين والشعراء والكتَّاب مع وسائل التواصل الاجتماعي. في الكثير مما تكتب الصفَّار عبر تلك الوسائل يأتي محاطاً بالحرص، كما هو الحال مع نص صدر أو سيصدر. أظل أتذكَّر «امرأة عصرية تعاني من خلل طفيف في الذاكرة تقطع قلبها حتى الأذنين، تضع قرطين من الصمت، تجيد صنع قطع صبرٍ صغيرة ملونة، تلف الدفء باحترافية مذهلة، أحلامها موضوعة بترتيب أبجدي في مكتبتها الصغيرة، امرأة تنتظر أن تناديها فساتينها لتستطيع ارتداءها، هوايتها تجفيف رغباتها وصنع أوانٍ فارغة تجمع فيها حفنة من الأيام».
وثمة مسألة مهمة أيضاً تتعلَّق بندرة المقاربات أو الرؤى التي تقدِّمها بعض الأصوات الشعرية سواء في البحرين أو غيرها، جزء لا يُستهان به من تلك الأصوات لا تتجاوز معرفته حدود النص. بعضها ملفت وجميل ويدعو إلى الغبطة، لكنه في حدود ذلك. في النظر والآليات يكاد لا يعرف، أو لا يريد أن يعرف. الصفَّار هي من الندرة تلك التي تملك رؤية عميقة ليس في حدود ما تكتب، بل بقدرتها على الإمساك بمقاربات ترتبط بالحياة والموت والإنسان والمزاج، والنص بطبيعة الحال.
وفي الكلام على المقاربة نحتاج إلى استدعاء ما نُشر في صحيفة «العرب»، عبْر استدراج عبد الحاج بتاريخ 18 يونيو/ حزيران 2016؛ حيث نقف عند «الشاعر ليس مُلزَماً بتغيير هذا العالم، هو مُلزَم فقط بأن يقدم القصيدة، أن يعزف الشعر، أن يقتنص الحياة ليحوّل العادي واليومي إلى شيء مختلف، أن ينفخ فيه من الدهشة ويطلقه في الفضاء».
هل نأت الكتابة هنا عن «بورتريه النص»؟ هي ليست بمعزل عنه، إذا ما عرفنا أن الرؤية والمقاربة نص أيضاً؛ وذلك لا يعني أن تنحاز هذه الكتابة إلى جفافها وهي بمنأى عن ومضات من نصوص الصفَّار؛ تلك التي تؤثث نصوصها بسهو وعفوية، فيها الكثير من الدقة أيضاً. الشعر أن تسهو في كثير من الأحيان، وأن تكون يقظ الذاكرة أحياناً أخرى. تلك المزاوجة يمكن تلمُّسها في كثير مما تخرج علينا به من نصوص «ببساطةِ أن أمنح الأشياء أسماء مختلفة، أن تكون نهراً مثلاً... أصابعي أغنية... أن تكون كلماتي قبلة، والمسافة بيننا كتاب».
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 5061 - الجمعة 15 يوليو 2016م الموافق 10 شوال 1437هـ