يصعُب تخيّل كيف كنا نسيّر حياتنا قبل أن يصبح الهاتف النقال متاحاً، وقبل أن يكون في يدنا مفاتيح الشبكة المعلوماتية الالكترونية لنصل من خلالها إلى ما نريد من المعلومات وننجز من المعاملات، ونشتري، ونبيع، ونختصر المسافات الزمنية والجغرافية إلى مجرد «ضغطة زر»، فتأتي الأزمنة والأمكنة وكذلك الأشخاص، إلينا عبر الشاشات.
مع ذلك لايزال هناك من يرى في هذه التكنولوجيا «وباء» غزا حياتنا فأتاحت دخول ثقافات غير مرغوب فيها على المجتمعات، وأحدثت خللاً في العلاقات بين الأفراد أخذ منا أوقاتنا الاجتماعية الطيبة، فأصبح أفراد الأسرة يجلسون معاً في غرفة واحدة على بعد خطوة واحدة أو أقل من بعضهم البعض، لكنهم مع ذلك أكثر قرباً من الأطراف الافتراضية التي يتواصلون معها من خلال الهاتف النقال أو أي جهاز آخر في يدهم يوفّر تطبيقات التواصل مع العالم الخارجي. فأصبحت تكنولوجيا التواصل تقرّب البعيد لكنها في الوقت نفسه تُبعد القريب.
البعض يمتعض من استعراض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لحياتهم الخاصة، ولأسباب مختلفة، فهناك من يرى أن كشف الحياة الخاصة يعبّر عن تفاهة وفراغ واستخدام غير مجدٍ لهذه التطبيقات، فيما البعض يرى أن استعراض مظاهر السعادة والثراء والمنازل الفخمة والسفر واقتناء السلع ذات الماركات المشهورة وغيرها تنطوي على إساءة للمحرومين من كل ذلك. وربما عبّر عن ذلك جيداً، داعية إسلامي في مقال كتبه قبل عام وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبر فيه استعراض السفر والذهاب للمطاعم والهدايا والعلاقات الحميمة بين الأزواج والأصدقاء، نوعاً من التعرّي والكشف عن حياة خاصة، وضمّن لغته الممتنة لكل من يمتنع عن ذلك، دعوةً لتجنّب فعل ذلك مراعاةً لظروف الآخرين.
الأرقام تشير إلى أن تكنولوجيا الاتصال والتواصل تسير في اتجاه تصاعدي، ففي 2016 وعلى مستوى العالم ارتفع عدد مستخدمي الانترنت 10 في المئة، ومثله سجّل عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بحسب تقرير عن الرقمية في 2016 نشرته وكالة ( We are Social) على موقعها الالكتروني.
وعلى المستوى المحلي أشارت أرقام الوكالة إلى أن 94% من سكان البحرين البالغ عددهم 1.3 مليون نسمة يستخدمون الانترنت، 50% منهم ناشطون في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وذكر التقرير أن الاتجاه نحو استخدام الهواتف النقالة في الدخول على تطبيقات التواصل الاجتماعي يتزايد، وقد بلغ محلياً نحو 46 في المئة.
هذا التطور في تطبيقات تكنولوجيا الاتصال والتواصل المعلوماتي لابد من أنه يتزايد بناءً على طلب ورغبة عالمية لتقريب المسافات والتغلب على عوائق التواصل. وهذا ليس من أجل إفساد وإشغال الشعوب المتلقية والمستهلكة لهذه التكنولوجيا بـ»برامج المحادثات» عن شئون دينها ودنياها كما هو في الاعتقاد السائد والمتأصل، ولا من أجل «غزو» المجتمعات التي تعتقد أن تخلفها التكنولوجي هو أكثر أمناً ورحمةً لها ولشعوبها التي تتمنى لها سباتاً لا تستيقظ منه، كي لا تعي تطور العالم من حولها وتقارن نفسها بما وصل إليه، وذلك خوفاً من أن تسعى للإستفادة من هذا التطور لخدمة حقها في حياة وأوضاع أفضل. التطور في تكنولوجيا الاتصال يفاجئنا باستمرار، فهو في سعي دائم لبلوغ هدف تمكين الأفراد من الحصول على أكبر قدر ممكن من السلع والخدمات من أي مكان. ويعرّف التقرير أهمية الانترنت بأنها «لم تعد مجرد وسيلةٍ للحصول على المعلومات وإنّما هي كهرباء المجتمعات الحديثة والتجارة تصلنا بالأشخاص والأشياء التي نهتم بها».
هذا التطور السريع الذي لن يتوقف مادامت هناك حاجةٌ لما ينتجه ومادامت هناك إمكانات وقدرات لابتكار المزيد من الحلول التي تيسّر الحياة وتتناسب مع ايقاعها السريع، هو تلبية لاحتياجات المستقبل. وهو في الوقت نفسه سيقودنا إلى المزيد من الفجوات التكنولوجية التي لا خيار سوى تجسيرها بفهمها والاستفادة منها إلى أقصى الحدود. فسوء الاستخدام أو عدم الاستفادة من التكنولوجيا بالشكل المثالي ليس خللاً في التكنولوجيا، وإنما هو خللٌ في مستخدم التكنولوجيا، أو قصر معرفة، أو تواضع في التوقعات والطموحات، أو ربما عدم استعداد بدراسة الايجابيات والسلبيات من استخدامها. فلا يمكن أن تُحرم البشرية من إبداعاتٍ وابتكاراتٍ تأخذها إلى الأمام بسبب سوء فهم أو سوء استخدام أو أي سبب آخر.
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 5058 - الثلثاء 12 يوليو 2016م الموافق 07 شوال 1437هـ
ضدهم
سلمك يداك على كتابة المقال
وينهم اصحاب((لموفوشر ) و (لمفوشرات)
أحييك وأحيي نظرتك الإيجابيةفقد حددت الإطار وأودعت به اللب والمضمون وعكست الصورة الكبيرة للهدف والغاية ولم تغفلي إبراز زوايا الإستخدام المختلفة وختمت لوحتك برتوش تضيئ جوانب الوعي الذاتي والمسؤلية الفردية التي بصلاحهما يتحقق الهدف لصالح الفرد ونماء المجتمع
نعم اتفق معك تماما ولكننا كامهات نخشى على اولادنا في هذا الزمن الاغبر .مسألة حرمانهمن منها غير وارد اطلاقا ولكن الرقابة عليهم جدا صعبة