العدد 5057 - الإثنين 11 يوليو 2016م الموافق 06 شوال 1437هـ

الأكاديمي يانغ: فئوية الحرس الأحمر بدأت بالعنف اللفظي

حديث عن «الثورة الثقافية» وبذور الانشقاق في الصين...

ماو تسي تونغ
ماو تسي تونغ

تمخَّض عن تدشين الزعيم الصيني ماو تسي تونغ ما عُرف بثورة البروليتاريا الثقافية الكبرى في 16 مايو/ أيار 1966، كثير من القلاقل التي أدخلت الصين في نفق مظلم. كانت الأهداف من وراء تلك الثورة، الحيلولة دون أن يكون من أسماهم بممثلي البرجوازيين أي دور في الحياة العامة، وخصوصاً بعد استناده إلى حقائق تشير إلى أنهم استطاعوا اختراق الحزب الشيوعي، ومن بين تلك الأهداف، العمل على استئصالهم. كان ذلك بمثابة إجراء أكثر منه إعلاناً لتمزيق المجتمع الصيني. كان على الشباب أن يقوموا بدورهم من خلال دعوته إياهم إلى القيام بانقلاب على الزعامة الشيوعية، واستطاع أن يستقطب بتلك الدعوة عشرات الآلاف من الشباب الذين عُرفوا باسم «الحرس الأحمر»، إلا أن النتيجة كانت كارثية، إذ راح ضحية ذلك الإجراء/ الإعلان مئات الآلاف من الضحايا، وتم تفعيل عمليات التعذيب بشراسة منقطعة النظير؛ الأمر الذي كان يُؤذن بحرب أهلية.

كريس بكْلي، من صحيفة «نيويورك تايمز» أجرى حواراً يوم الأربعاء (15 يونيو/ حزيران 2016)، مع عالم الاجتماع في جامعة بنسلفانيا، البروفيسور جوبين يانغ، عن تلك الفترة القاتمة من التاريخ الصيني، وكيف استطاعت الثورة الثقافية أن تزرع بذور الانشقاق في المجتمع، مشيراً إلى أن فئوية الحرس الأحمر لم تبدأ بالعنف الجسدي، ولكنها استغرقت طويلاً في العنف اللفظي الذي مهَّد لما هو أشرُّ وأدهى.

يانغ، وكما يقدمه بكْلي، اشتهر ببحوثه عن الإنترنت في الصين؛ ولكن في كتابه الأخير «جيل الحرس الأحمر والنشاط السياسي في الصين›› يتحوَّل إلى دراسة اضطرابات الثورة الثقافية في الفترة ما بين 1966 - 1976، والبصمة التي تركتها على جيل من الصينيين الذين أصبحوا راديكاليين، وحرساً أحمر باسم ماو تسي تونغ. الكتاب يستكشف الخلفية الثقافية للعنف الناتج عن الثورة الثقافية، وكيف قامت المعارضة برعاية تلك التجارب بالأفكار والخبرات الثقافية التي تأجَّجت بعد وفاة ماو تسي تونغ في العام 1976.

الثورة الثقافية وفَّرت الظروف

استهلَّ كريس بكْلي حواره بسؤال - قدَّم له - مفاده، أنه غالباً ما اعتُبرت الثورة الثقافية بأنها حقبة مُتحجّرة وطاعة عمياء، ولكنك كتبتَ بأن التيارات المعارضة نشأت في ظل حركة الحرَس الأحمر منذ وقت مبكِّر جداً. كيف حدث ذلك؟

رد يانغ بالقول، من المفارقات، أن الثورة الثقافية نفسها وفَّرت الظروف. فقد أيَّدت استخدام ما يُسمى بالملصقات الشخصية الكبيرة كي تكون محطَّ انتقاد على نطاق واسع، في الوقت الذي ازدهرت فيه صحافة الحرس الأحمر. وقتها ظهرت عدَّة آلاف من العناوين في صحف الحرس الأحمر في جميع أنحاء البلاد، ومنحتهم تلك المطبوعات قنوات للتعبير لا يمكن أن يحلموا بها من قبل.

مشيراً إلى أن المعارضة أيضاً كانت نتيجة مباشرة للصراعات الفئوية؛ إذ إن فئوية الحرس الأحمر لم تبدأ مع العنف الجسدي، ولكن مع المناقشات التي تخللها العنف اللفظي، أو من خلال استشهادات سُجِّلت على أوراق صغيرة، على سبيل المثال، المقال الشهير لِيو لوك الذي حمل عنوان «في الأصل العائلي» وكتبه في العام 1966، رداً على اثنين من سيئي السمعة اللذين صرَّحا بأنه إذا انحدرتَ من عائلة ثورية، فلابد أن تكون ثورياً، وإذا انحدرتَ من عائلة برجوازية، فستكون معادياً للثورة.

مُوضحاً أن «أفكار يو كانت ثورية وتخريبية تماماً في هذا السياق. في الجوهر، كان يدعو الناس إلى الانتفاض والنضال من أجل المساواة. ضربت هذه الأفكار على وتر حساس لدى الأشخاص الذين عانوا من التمييز أو الاضطهاد بسبب خلفية أسَرهم. مضيفاً، في وقت لاحق، ظهرت حركة ما يسمَّى بـ «جدار الديمقراطية» في أواخر سبعينات القرن الماضي (بدأ الناشط وي جينغ شينغ الدعوة إلى الديمقراطية وحريات سياسية أكبر. وكان جدار الديمقراطية، كما كان يسمَّى، مقبولاً لبعض الوقت؛ ولكن تم إغلاقه في العام 1979 عندما اعتبرت السلطات انتقاداته الموجَّهة إلى حكم الحزب الواحد والقيادات الحالية للحزب قد تمادت وذهبت لأبعد مما ينبغي)، بدأت هذه الأفكار تعبِّر عن نفسها بلغة حقوق الإنسان. وعليَّ أن أضيف، على رغم أن أفكار يو التي تحدَّى بها الوضع القائم، والشعب الذي جسَّد تلك الأفكار بشكل جيد، ظلت على قيد الحياة في الصين حتى يومنا هذا».

عدم المساواة السياسية

وبشأن يو لوك، سأل محرر «نيويورك تايمز»، بأن الصينيين الذين كانوا في عمر يو لوك في بكين وقتها، قالو إن قراءة مقالاته كانت مُهيِّجة للعاطفة. ما الذي كان يتحدَّاه يو وغيره من المنشقِّين الشباب؟

ورد يانغ بالقول: «كانوا يتحدَّون معالجة قضايا عدم المساواة السياسية، تلك التي تحدث بناء على أساس الخلفية العائلية، وكانوا يتحدَّون أيضاً فئة جديدة لها امتيازاتها من نُخَب الحزب وكوادره». مشيراً إلى أنه في بداية الثورة الثقافية، كان الحرس الأحمر في هيئته الأولى عموماً، يتشكَّل من أطفال مسئولين رفيعي المستوى في نخبة المدارس المتوسطة في بكين؛ ولكن يو كان مُتمهِّناً في أحد المصانع، وجادل في مقال له حمل عنوان «في أصل العائلة» بأن الصين لديها نظام طبقات إقطاعي. إذا حدث وانحدرت من عائلة وكنت أي شيء آخر غير «الحرس الأحمر»، فسيكون التعاطي معك باعتبارك مواطناً من الدرجة الثانية طوال الحياة. هاجم يو أيضاً الذين قُدِّر لهم أن يولدوا وقد تم إعدادهم بالتهيئة ليكونوا من الحرس الأحمر، وبعقلية تم تأسيسها وسط أبناء النخب الحزبية. في أغسطس/ آب 1966، أصدر بعض الطلاب من نخبة المدرسة المتوسطة التابعة لجامعة بكين بياناً تحت عنوان «الذين ولدوا حرساً أحمر انتصبوا» وادَّعى البيان أنه إذا استولى آباؤهم على السلطة في البلاد، فإنهم سيكونون ورثة طبيعيين لهذه السلطة.

كما جادل يو بأن ذلك الموقف كان رجعياً، لأنه انتهك تعاليم ماو والنظرية الماركسية. الآخرون، وخصوصا يانغ شي قوانغ في هونان، تحدَّوا الوضع السياسي الراهن. فهم يعتقدون أن نخب السلطة الشيوعية في الصين قد شكَّلت «طبقة رأسمالية حمراء جديدة» ودعا إلى الإطاحة بها عن طريق العنف الثوري.

الخيبة... خليفة ماو

تناول الحوار موضوعات الخيبة التي منيت بها الأطراف التي آمنت إيماناً أعمى بماو وأفكاره، وتحدَّد السؤال في موضع الخيبة: أين خاب أملهم بماو، حتى لو كانوا لا يجرؤون على قول ذلك؟

ضمن تلك الفترة، لم تتضح الخيبة، بحسب يانغ، بإشارته إلى أن أولئك كانوا يقلِّدون ماو. أرادوا أن يصبحوا أصحاب نظريات ثورية مثله. مقالات يانغ شي قوانغ والتي كانت الأكثر تأثيراً، هي نسخة من أسلوب ماو الخطابي وكذلك لغتها.

خيبة الأمل جاءت في وقت لاحق، مع بداية الإطاحة بالحركة ليأتي حادث لين بياو في العام 1971؛ حيث كان لين بياو وزيراً للدفاع وخليفة ماو المعيَّن. عندما توفي لين فجأة في حادث تحطُّم طائرة في 13 سبتمبر/ أيلول 1971، وأُعلِن أنه معادٍ للثورة، هيمنت الشكوك حينها على ملايين الشباب. (شرع لين في عمل عسكري للاستيلاء على الحكم واغتيال ماو إلا أن منافساً له كشف خطته؛ ما مكَّن ماو تسي تونغ من الاحتفاظ بالحكم، فحاول لين الهروب برفقة أسرته إلى الاتحاد السوفيتي ولم تعلن الحكومة الصينية النبأ إلا أواخر العام 1972، من أن لين وأسرته قد لقوا مصرعهم في 13 سبتمبر 1971 عندما تحطَّمت الطائرة التي تقلُّهم في أندرخان بمنغوليا).

موضحاً يانغ بأنه «مفتون بالدور الذي لعبتْه الكتب المحظورة سابقاً في زرع بذور التفكير الجديد بين جيل الحرس الأحمر. وكانت هذه ترجمتها كتب «الغلاف الأصفر» و «الغلاف الرمادي» من المفترض أصلاً أن تُقرأ فقط من قبل المسئولين، كي يتمكنوا من فهم تفكير الخصوم الأيديولوجيين. مُضيفاً «كانت كتب (الغلاف الأصفر) أساس أعمال الأدب الروسي بعد المرحلة الستالينية مثل إِيليا غريغوريفيتش إِرنبورغ في (ذوبان الثلج)، ونشرها في مرحلة ما بعد الحرب العام 1954، وتحدَّث فيها عن الخروشوفية (مدَّة حكم نيكيتا خروشوف), وقد أثارت قصته هذه جدلاً ونقاشاً حادَّين في الأوساط الأدبية والسياسية السوفييتية. وكانت هناك أيضاً بعض الأعمال المتنوِّعة من حركة (جيل بِيت الأميركي) وحركة (الشباب الغاضب) البريطانية، مثل الشاعر والكاتب الروائي الأميركي جاك كيرواك. (12 مارس/ آذار 1922 - 21 أكتوبر/ تشرين الأول 1969) في عمله (على الطريق) والكاتب الأميركي جيروم ديفيد سالينغر في رواية (الحارس في حقل الشوفان) التي صدرت العام 1951، ويُعالج فيها قضايا مُعقدة مثل: الهوية والانتماء والخسارة والعلاقات والعُزلة.

أعمال يقرأها المسئولون فقط

وأضاف يانغ «أما كتب الغلاف الرمادي، فهي لأعمال العلوم الاجتماعية والفلسفة والتحليل السياسي مثل: (الثورة المغدورة) ليون تروتسكي، ويحلِّل فيه (طبيعة الدولة والمجتمع، مُحدِّدا الثورة السياسية العالمية مخرجاً من المأزق المخيف المتمثل بالسيطرة البيروقراطية الحاجزة لعملية الانتقال إلى الاشتراكية، لكن طارحاً في الوقت ذاته احتمال العودة إلى الرأسمالية). و (الطبقة الجديدة: تحليل النظام الشيوعي) لنائب رئيس جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية، والمشنق لاحقاً ميلوفان دجيلاس. وظهر مصطلح «الطبقة الجديدة» للمرة الأولى في العام 1957 في كتاب دجيلاس. كل تلك الأعمال التي تُرجمت وطُبعت في السنوات القليلة الأولى من ستينات القرن الماضي، وهي (منشورات داخلية)؛ سُمحَ بها للمسئولين من أجل دراسة الأفكار التي تُعتبر خطرة جداً على الجمهور، وكان كبار كوادر الحزب والمثقفين فقط، يستطيعون الوصول إلى تلك المطبوعات. والغرض من ذلك، هو إعداد كوادر الحزب لحرب جدلية مع الاتحاد السوفيتي، والتي اشتدَّ أوارها في العام 1963 و 1964». مضيفاً بأن الشباب الصيني بدأ بقراءة تلك الأعمال في منتصف الثورة الثقافية، عندما انهارت الرقابة، وبدأت الكتب من منازل ومكاتب المسئولين تَرُوج. كانت أفكارهم تهدف إلى إسقاط الجيل الذي لم يتعلَّم شيئاً عن الجانب المظلم من الستالينية؛ أو الأسلوب غير الموقَّر في الأدب الحداثي الغربي».

ويتساءل يانغ: كيف انتشرت مثل تلك الأعمال؟ ليجيب «كانت إنترنت ستينات وسبعينات القرن الماضي، هي الشبكات الاجتماعية وسط الشباب الذي تم تغييبه. انتشرت الحركة في جميع أنحاء البلاد؛ لكن الشباب كانوا على تواصل بحكم أن لهم زملاء في الدراسة أو أصدقاء، وكتبوا رسائل إلى أصدقاء عديدين في أماكن مختلفة.

وكانت فرصة كبيرة لتبادل المعلومات عندما قاموا بزيارة المنازل أثناء العطل، وخصوصاً خلال السنة القمرية الجديدة. كان عليهم أن يجلبوا معهم المعلومات إلى الأماكن التي ينتمون لها ومشاركتها مع بعضهم بعضاً. وعندما ذهبوا إلى القرى، كان من شأن ذلك أن يتيح لهم جلب معلومات جديدة، وكتب ومواد غذائية، والعودة إلى قراهم أو مزارعهم. قاموا باستعارة الكتب من بعضهم بعضاً، وعمدوا إلى نسخها على أجهزة الحاسوب، وأحيانا قاموا بسرقة الأعمال من المكتبات التي كانت مُغلقة خلال الثورة الثقافية».

مضيفاً «يمكنك تتبُّع كيف ظهرت مدارس التجريب الفني والمعارضة الفكرية التي ظهرت في الصين في سبعينات القرن الماضي، وازدهر - لفترة من الوقت بعد وفاة ماو - ما خفي في الثورة الثقافية. الجيل الذي بدأ باعتباره موالياً بشدَّة لماو انتهى بعد 10 سنوات، مُنتجاً هذا السيل من المعارضة، وهي أكبر مفارقة في تاريخ الصين الحديث. لقد كانت عملية تدريجية من استباحة ما كان يعتقد ذات يوم أنه مُقدَّس. أدَّت فئوية الحرس الأحمر إلى لاشيء سوى العنف. شعُر كثير من الناس بأنه تمّت خيانتهم، وكانوا مثل الدُّمى المُستخدمة من قبل نخب السلطة. وبعد أن تم إرسالهم إلى القرى أواخر العام 1967، تعمَّقت خيبة الأمل. رأوا أيضاً الصين التي لا يعرفونها من قبل، الصين السيئة والقاسية للغاية.

ضوء

جوبين يانغ هو أستاذ مساعد في الاتصالات وعلم الاجتماع بكلية أننبرغ للاتصالات وقسم علم الاجتماع في جامعة ولاية بنسلفانيا، عضو هيئة التدريس في مركز دراسات الصين المعاصرة، ومركز دراسات شرق آسيا. تُغطي مساحات أبحاثه وسائل الإعلام الرقمية والنظرية الاجتماعية النقدية، الاتصالات العالمية، والحركات الاجتماعية، وسائل الإعلام الناشطة، ووسائل الإعلام والسياسة في الصين.

تشمل كتب يانغ «سطوة الإنترنت في الصين: فاعلية المواطن عبر الإنترنت» (مطبعة جامعة كولومبيا، العام 2009)، وحاز على جائزة أفضل كتاب من قسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ورابطة علم الاجتماع في العام 2010، وكتاب «جيل الحرس الأحمر والنشاط السياسي في الصين›› (مطبعة جامعة كولومبيا، العام 2016)، و «الإنترنت، وسائل التواصل الاجتماعي، وتغيير الصين»، (بالاشتراك مع جاك ديليزل وأفيري غولدشتاين، وصدر في العام 2016).

شارك يانغ مع زونغدانغ بان في تحرير كتاب «الاتصالات والجمهور». بالإضافة إلى ذلك، يعمل في هيئات تحرير كل من: «الثقافة الشعبية»، و «الإعلام الاجتماعي والمجتمع»، «المجلة الدولية للاتصالات والإعلام العالمي والصين»، و «فصلية الصين»، «المجلة الصينية لعلم الاجتماع». درَّس كأستاذ مساعد في علم الاجتماع بجامعة هاواي في مانوا، وكأستاذ مشارك في الثقافات الآسيوية والشرق أوسطية في كلية بارنارد بجامعة كولومبيا. حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي مع تخصص في الترجمة الأدبية من جامعة بكين للدراسات الأجنبية، وعلى درجة الدكتوراه الثانية في علم الاجتماع من جامعة نيويورك.

جوبين يانغ
جوبين يانغ
جيل الحرس الأحمر
جيل الحرس الأحمر




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً