الكل يعلم أن مجتمعنا البحريني يزخر بالشباب والشابات الذين أنعم الله عليهم بعقول متميزة ونيِّرة ومبتكرة، أنهم يحتاجون إلى فرص حقيقية لاستثمار قدراتهم العقلية، فإذا لم يوجد برنامج وخطط لاستيعاب أفكارهم النيرة، لن يستطيعوا وحدهم تحقيق طموحات الوطن في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية والمهنية، فكيف نطلب من الشاب المتميز عقلياً الذي يمتلك أفكاراً راقية، وليس لديه الإمكانيات اللازمة لتحقيق تلك الأفكار عملياً، أن ينجز ما يطمح إليه الوطن من دون أن نوجد له السبل التي تعينه على تحقيق ما يصبو إليه؟ الكثير من دول العالم نجد فيها الجامعات الرسمية والخاصة تتحمل مسئولية التقاط أفكار الشباب الطموح، والقيام بدراستها دراسة شاملة ودقيقة، وتحديد مدى جدواها الاقتصادية، ثم تدخلهم في ورش عمل وتشجعهم وتعطيهم الفرصة لتوضيح أفكارهم. ثم تقوم بتمويلهم مالياً لكي يتمكنوا من تحقيقها، ووظفت تلك الجامعات القروض الحسنة والميسرة لتكون وسيلة معتمدة لديها لتمويل الشباب وأصحاب الأفكار المتميزة، فإذا نجح الطالب في إنجاز فكرته، تنزله إلى السوق ليحقق ربحاً، والجامعات التي تستفيد منه تعمل على إعفائه من سداد القرض بعد ما يحقق الربح الكبير للجامعة.
فالولايات المتحدة الأميركية منذ أكثر من 25 عاماً قد استفادت من شبابها الطموح، وأن الكثير من الصناعيين المشهورين والمتميزين في العالم انطلقوا إلى سوق العمل وأخذوا مكانتهم في المستويين المحلي والعالمي، وذلك بفضل الحواضن التي استخدمتها الجامعات الأوروبية، وتونس أيضاً استفادت من فكرة احتضان الشباب علمياً ومهنياً، فلهذا حققت بين الدول العربية مكانة علمية وتكنولوجية ومهنية متميزة بنسبة معينة، تفوق الكثير من الدول المجاورة لها، وكثير من ما كتب عن هذه التجارب الناجحة، التي هي مطبقة أيضاً في بريطانيا وتركيا وفرنسا وسلوفاكيا.
لقد نجحت تلك الدول في تسخير جهود طلابها الطموحين في داخل بلدانهم والاستفادة من خبراتهم بدل هجرتهم إلى الخارج، لأنها تعلم أن هجرة تلك العقول النيِّرة هي خسارة لبلدانهم، ولأنها تعلم أن الاستفادة من أعمالهم بالسوق المحلية وعدم الاعتماد على استيراد الكفاءات الصغيرة والكبيرة من خارج بلدانهم، يوفر عليها الكثير في الجانب الاقتصادي.
فالجامعات في البحرين هي أيضا مدعوة إلى العمل بهذا النظام، وإنشاء جهة خاصة لتنظيم ورش عمل متخصصة للشباب المتميزين الذين يمتلكون الأفكار النيرة، التي ستخدم الوطن في مختلف التخصصات أولاً، وتخدم الجامعة التي درسوا فيها ثانياً، فلو تعاملت الجامعات المحلية مع المشروع بجدية، من الممكن أن يدخل الطلاب الذين يثبتون وجودهم علمياً وتكنولوجياً في شراكة مع الجامعة.
فدعم النظام المصرفي في البلد لهذه الفئة من الطلبة والطالبات وتوفير كل السبل لهم ضرورة مُلِحَّة، ليتمكنوا من تحقيق ما يطمحون إليه في الجانبين العلمي والتكنولوجي. لقد أثبتت الدول المتطورة في العالم، أنها لم تحقق التطور في كل المجالات إلا بعد استيعاب كل الطاقات الشبابية المتميزة، فأثبتت تلك الدول أيضاً بالدليل الذي لا يقبل النقاش، أن التعليم الذي يؤسس على معايير وطنية خالصة، يكون هو الميدان الحقيقي الذي يبرز الطاقات والأفكار الشبابية الرائدة، وقالت إن التعليم الذي لم يكترث بالمبادئ القانونية والقيمة، مثل العدالة والمساواة والإنصاف في حال تعامله مع العقول الشبابية النيرة، فإنه لن يستطيع تحقيق أية إنجازات علمية وتكنولوجية معتبرة.
نأمل أن يستفيد التعليم في بلدنا الحبيب من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، ليرتقي بشبابنا ووطننا الغالي في مختلف المجالات، فعدد الطلبة والطالبات المتفوقين في كل عام يوحي إلى أن الوطن يمتلك كل عناصر التطور والنماء، فإذا كان العنصر البشري البحريني يبدي بتفوقه وتميزه دراسياً استعداده الكامل لخدمة وطنه، يبقى على التعليم أن يعمل بكل جد لاستثمار قدرات الشباب والشابات بصورة حقيقية، بعيداً عن كل المؤثرات النفسية والاعتبارات التي لا تحقق للوطن مصالحه المرجوة.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5055 - السبت 09 يوليو 2016م الموافق 04 شوال 1437هـ
القائمون على التعليم .. فهم غير أمينين والكل يعمل وفق تقرير ....
الله كريم