العدد 5055 - السبت 09 يوليو 2016م الموافق 04 شوال 1437هـ

100 روبية فقط للحج من البحرين إلى مكة

حكايات رمضان البحرين قبل 75 عاماً...

إذاعة البحرين 1940
إذاعة البحرين 1940

هل يمكن أن نتصور اليوم ونحن نعيش ظروفاً متباينة من تقلب الأسواق والأسعار صعوداً وليس هبوطاً؛ أن تكون تكاليف السفر لأداء مناسك الحج الأكبر في حدود عشرة دنانير أو 100 روبية فقط؟!

هذا ما حدث فعلاً وليس تخيلاً، في زمن الآباء والأجداد، في شهر رمضان للعام 1359هـ (أكتوبر/ تشرين الأول 1940م). حيث تفاجأ أهل البحرين، وهم صائمون وقائمون، بخبر مفرح يدغدغ أسماعهم. وجاء تحت عنوان «بشرى لقاصدي البيت الحرام... 100 روبية فقط إلى مكة».

وقد بدأ الخبر بمعلومة مهمة جداً لا يعرفها الكثير من جيل اليوم في البحرين، وهي أن السفر إلى حج بيت الله الحرام كان يتم أيضاً عن طريق البحر في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، بسبب ظروف الطريق البري في تلك السنوات بالذات. حيث كانت السفن تنطلق من ميناء المنامة (الفرضة) نحو مضيق هُرمز، ثم ساحل عُمان حتى مضيق باب المندب، ثم تدخل البحر الأحمر وتواصل سيرها حتى تصل إلى ميناء جدة. ومن هناك تبدأ قوافل الجمال، أو بعض السيارات المتوافرة بنقل الركاب كل على حسب قدرته المالية؛ إلى المدينة المنورة ثم مكة المكرمة.

إلا أنه بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية وخوف الناس الراغبين في الحج من الحرب في المياه الإقليمية والدولية؛ فقد تم العودة بشكل أكبر لاستخدام الطريق البري. وهذا ما يوضحه خبر الإعلان المنشور آنذاك: «خدمة للإسلام والمسلمين، وسعياً لصالح العروبة، ونظراً إلى ما قد يداخل بعض الحجاج من الحذر من عبور البحر الأحمر (وإن كان حذراً لا يستند على أساس لأن السيادة هناك للأسطول البريطاني والبحر الأحمر آمن مطمئن)، بناء على ذلك كله؛ - وبعد تدخل بعض المؤمنين من ذوي الإحسان - فقد ورد من الحكومة السعودية خبر يحمل خلاصة أمر ملكي بتخفيض 25 في المئة من الرسوم والعوائد والأجور التي تحتوي على التعريفة، وأن تكون أجرة الحاج الواحد من رأس تنورة - الخبر - إلى مكة 100 روبية فقط».

ويضيف الخبر بأنها فرصة ثمينة، والمسافة من شواطئ الخليج إلى مكة المكرمة أربعة أيام فقط بالسيارات التي أعدتها الشركة العربية، وهي متيسرة في كل حين. وأن هذه الشركة لديها من السيارات الاحتياطية فقط ما يزيد على 400 سيارة. ويختم الخبر بشارته لأهل البحرين حول حج ذاك العام بقوله: «هذه السنة التي ظُن أنها ستكون صعبة السبل إلى الحجاز أصبحت أيسر السنين وأقلها نفقة! والأطعمة في المملكة السعودية متوفرة بكثرة، لا يضاهيها إلا توفر الأمن والسلام.

كما أن هناك طريقاً آخر للحج البري وهو من مشاريع حكومة العراق يستخدمه حجاج الهند والبلاد المجاورة، هو طريق الحج من النجف الأشرف معرجاً على حائل في المملكة السعودية. وقد تم افتتاحه العام 1935م. وهو في الأساس كان من الطرق القديمة جداً والمندرسة أشادتها زبيدة زوجة هارون الرشيد عندما أدت فريضة الحج وأرادت اختصار المسافة بين العراق والحجاز، وتوفير المياه للحجاج (ولها طبعاً) على طول هذا الطريق بمجارٍ هندسية مازالت آثارها باقية حتى اليوم (العام 1940). ويبلغ الطريق من النجف إلى المدينة المنورة 1300 كيلومتر تقريباً ويمكن قطعه في 30 ساعة».

«60 ألف روبية لفقراء الحرب في رمضان»

في مطلع شهر رمضان الكريم في البحرين زمن الحرب العالمية الثانية وهي في أشد أوقاتها ضراوة بين عامي 1940-1941، تم فتح باب التبرعات للفقراء الذين لا يستطيعون تغطية نفقات معيشتهم في شهر رمضان ناهيك عن الشهور الأخرى. وبلغت هذه التبرعات بحسب جريدة البحرين 60 ألف روبية تقريباً، متضمنة المبلغ الذي تبرع به الحاكم الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، وهو 20 ألف روبية. ويضيف الخبر أنه «مع تبرع حاكم البلاد بلغ ما تحصل لدى لجنة الطائفة الشيعية 25 ألف روبية، ولجنة المنامة 18,500 روبية، ولجنة المحرق 16 ألف روبية. وقد باشرت هذه اللجان المشرفة على مساعدة الفقراء في زمن الحرب، بتوزيع كميات من الرز على المستحقين. كما يُنتظر توزيع مقادير من التمر أيضاً. وفي الوقت نفسه باعت الحكومة على كل لجنة من لجان إسعاف الفقراء المذكورة أعلاه، عدد 600 كيس من الرز من الذي تحتفظ به في مخازنها بسعر معتدل للغاية. فمجموع ما تم رصده لفقراء البحرين هو 1800 كيس من الرز فقط، وسوف يتم الترتيب لشراء 8000 «قلة» تمر كذلك».

فهل تصورتم حال الأجداد زمن الحرب في رمضان، ووضعكم اليوم؟

«رمضان وزراعة القمح في البحرين!»

هل تصدقون أن البحرين كانت تزرع الحنطة في الحرب العالمية الثانية! لسد حاجة البلاد محلياً من الطحين. ففي 27 رمضان للعام 1361هـ (8 أكتوبر 1942م)، صدر إعلان من دائرة الزراعة لحكومة البحرين بتوقيع الخبير الزراعي المصري لدى الحكومة، المدعو حسين وهدان، جاء فيه التالي: «تعلن دائرة الزراعة لحكومة البحرين عن رغبة منها في توسيع زراعة الحنطة، وخصوصاً في الظروف الحاضرة، حيث لا يمكن استيراد كميات كبيرة تسد حاجة البلاد من الخارج. وعليه فالدائرة ترغب في زراعة أكبر مساحة ممكنة. وقد عملنا الترتيب لجلب البذور الصالحة للتقاوى (الزراعة) ولدينا كميات كبيرة منها، والدائرة على أتم الاستعداد لإعطاء المزارعين كبيرهم وصغيرهم البذور الكافية لأرضهم بعد معاينة الخبير الزراعي للأرض وتصدير كمية البذور اللازمة.

فنأمل من الآن العمل على خدمة الأرض وتجهيزها للزراعة، حيث إن موسم الزراعة قد اقترب حيث يمكن البدء في الثلث الأخير من شهر شوال».

وتبع هذا الإعلان، قيام الخبير الزراعي حسين وهدان، بتاريخ 27 رمضان للعام 1361هـ، ولتشجيع أهالي القرى الزراعية في البحرين على الإقبال على زراعة القمح؛ بإذاعة تقرير على شكل حديث عن أهمية الحنطة، من إذاعة «هنا البحرين» التي افتتحتها سلطات الحماية البريطانية في البلاد في يوم 4 نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1940.

«حريق في المحرق... ومليون روبية لمدينة سكنية»

ونختم هنا برمضان الأخير، ولكن بعد حوالي عشر سنوات من الحرب العالمية الثانية والبحرين على بعد خطوات من أهم أحداث الساحة المحلية في الخمسينيات من القرن العشرين. ففي 11 رمضان للعام 1373هـ (14 مايو/ أيار 1954م)، نشرت جريدة «القافلة» البحرينية مقالاً بتوقيع اسم مستعار وهو (محروق) بعنوان «بعد الكارثة»، يحدثنا فيه عن الحريق الكبير الذي وقع في المحرق وأتي على حوالي 30 بيتاً قُبيل شهر رمضان في ذلك العام. وهذا الـ (محروق) قام بزيارة موقع الحريق بعد أن «خمدت أنفاسه»، كما يقول، ليرى ماذا خلفت الكارثة وراءها من مآسٍ وآلام. وهناك شاهد خلقاً كثيراً أتى للتفرج على مخلفات الكارثة. وحاول أن يتبين بين المتفرجين مندوباً من سلطة عليا، أو من الحكومة، أو من هيئة البلدية. فلم يجد أحداً جاء لمواساة المنكوبين وتخفيف آلامهم. ويضيف مقترحاً: «إن حادث الحريق في المحرق ليس الأول ولن يكون الأخير ما دامت بيوت السعف قائمة في البحرين. فلو خصصت الحكومة كل سنة في ميزانيتها مبلغاً لا يتعدى المليون روبية لبناء بيوت صغيرة محل بيوت السعف، وتستوفي منحتها من ساكنيها بموجب أقساط شهرية زهيدة لا يشعر دافعها بأي إرهاق؛ إذاً لكنا عملنا شيئاً من أجل الآلاف في هذا البلد».

وتبقى حكايات رمضان وغيره من الشهور في بحرين زمان قابعة في بطون مصادرها هنا وهناك تروي بعض تفاصيل حياة الأجداد والآباء، لتكون عبرة لمن يريد أن يعتبر.

موسم الحصاد في البحرين
موسم الحصاد في البحرين




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:23 ص

      لم يكن الطريق البحري كما قيل من هرمز لباب المندب. بل بحرين بومبي جدة ثم مكة ثم المدينة ثم جدة بومبي بحرين..في رحلة تستغرق نصف عام

    • زائر 4 | 12:41 م

      الزمن تغير

      يقال أن في الزمن السابق راتب موظفين بابكو 25 فلس ( أربع انات ) يعني عندهم بعد الحج يكلف بالنسبة حقهم .

    • زائر 2 | 10:15 م

      الله على ذاك الزمان
      احين ١٠٠ ربية حده تصب لك بترول في السيارة

    • زائر 3 زائر 2 | 2:36 ص

      100 روبية ذاك الزمان عن 1000 دينار هالزمن.
      القدم المربع 10 پيسة يعني 10 فلس.
      اللحيين القدم المربع مو أقل من 30 دينار. يعني 300 روبية.
      كل شىء له زمانه ووقته.
      ما في مقارنة.

    • زائر 1 | 9:28 م

      اهل البحرين منذ القدم حافظو علي هذه الأرض الغاليه زرعو وعمرو وكانت عندهم لحمه وطنيه الكل اساعد ويقف مع الثاني .. اماالان اختلف وتغير كل شي لو يعيد الزمن ادراجه ويري الناس السابقين بماحلا بنا لتمنو الموت علي الحياة أه أه يازمن العجاب

    • زائر 6 زائر 1 | 4:33 ص

      صدقت حياة بسيطة

اقرأ ايضاً