العدد 5054 - الجمعة 08 يوليو 2016م الموافق 03 شوال 1437هـ

الغرباء باختلافهم

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

الذي لا يطمع من بني البشر، يُنظر إليه في كثير من الأحيان، وخصوصاً من مرضى الطمع، على أنه غير سويّ ويعاني من خلل يهدد الذَّوق والسلوك العام!

الذي لا يثير الفتن في أوساط اعتادتها، يُنظر إليه باعتباره متسللاً من إحدى المصحَّات النفسية، وعلى أحدهم أن يقوم بواجبه الوطني للتبليغ عنه.

الذي يحب العالم من حوله وما بعده، يعاني من حرمان عاطفي يعوّضه عما افتقده؛ هكذا ينظر إليه كثيرون. عليه أن يساير الموضة والسائد: أن يساهم ولو بقدر بسيط من الكراهية؛ كي لا تموت وتمضحل، حفاظاً على ما يشبه التراث العالمي!

الذين لا يكذبون في أصعب الظروف التي يتعرضون لها، عليهم أن يخضعوا لفحوص تبدأ بالهيموغلوبين ولا تنتهي بفحص الأعصاب، إذ من المفترض بهم أن يمارسوا الكذب في رفاهية الأوقات، ومن دون أن يتعرضوا لأي نوع من الضغوط.

الذين يقرِّبون بين الناس، ويؤلّفون بين القلوب هم أصحاب مشاريع للفتنة، ولا يمكن غضُّ الطرْف عنهم؛ لأنهم بذلك يمارسون نشاطات مضادَّة للسائد في المحيط وما بعد المحيط، وما هو خارج عن السائد، يظل فتنة في الصميم.

الذين يسرقون تعب وعرق الناس وجهودهم، يجب النظر إليهم باعتبارهم مكافحين وعصاميين على حساب الذين سرقوهم وصادروا ثمرة عرقهم وجهودهم، لا أن يخضعوا للمساءلة والمحاسبة والتشهير والنبذ، فكل ذلك افتئات وتجنٍّ ومحاولة خلط الأوراق والمفاهيم والنظر، وعلى أولئك الاستعانة بأقرب استشاري لأمراض العيون، مع الحرص على مراجعة استشاري لأمراض القلب.

الذين لا يقتنعون بما في أيديهم يحتاجون إلى ما يجعلهم مقتنعين، ولا يهمُّ بعد ذلك الطريقة التي تتم بها عملية الإقناع. المهم ألاّ يُتركوا نهباً للشعور بالحاجة ولو كان على حساب الذين لا يملكون شيئاً أساساً، فالمهم ألا يترك في أيديهم حتى ذلك اللاشيء!

الذين يتبرّمون من ضعف مقامهم يتمنون أن يكون البشر من حولهم في الحال نفسها. وإن حدث ذلك، سيبدّلون قناعاتهم؛ كي يكونوا الأعلى مقاماً، وإن كانوا الأقل قيمة في ذلك المقام المُزيَّف.

لا أحد يقنع بما أوتيه، ولا أحد سيقنع. كل يرى ما في يد غيره، وما وُهب وأُوتي. ولو أُوتي ما أوتوا سيبحث عما يشبع الشيطنة فيه، والطمع، وتمني زوال النعم التي يرى أنها نقمات عليه، ولا يكلف نفسه عناء الالتفات إلى نعم منحها الله إياه، وما يحول بينه وبين ذلك الالتفات هو انشغاله بنعم الله على الآخرين التي قسَمها وفق حكمة وضوابط لا يمكن أن تكون عرضة للعبث أو الهوى.

وعلى الذي يحب العالم من حوله وما بعده، أن يُفرَد له عزل لائق به؛ كي يثوب إلى رشْده، وعلى العالم أن يعيد النظر في تعاطيه مع الذين لا يكذبون في أصعب الظروف التي يتعرضون لها، والذين يقرِّبون بين الناس، ويؤلّفون بين القلوب؛ باعتبارهم أحد المهدّدات لهذا الكوكب، والاعتذار إلى الذين يسرقون تعب وعرق الناس وجهودهم، ومحاولة مد يد العون إليهم. ومنح ما نملك وما لا نملك للذين لا يقنعون بما في أيديهم؛ كي لا يكونوا عرضة لمزيد من الانحراف، باعتبار أنَّ ما يعيشونه ويمارسونه هو الفضيلة.

ومحاولة البحث عن ملاحق ودعامات للذين يتبرّمون من ضعف مقامهم؛ كي لا ينتهي بهم الأمر إلى اضطرار بشر إلى الاستعانة بالمجاهر، ليس لضعف مقامهم الذي يتبرَّمون منه، بل لأنهم وضعوا أنفسهم في مرمى لا وجود لهم فيه، بذلك الاحتجاج على الله قبل أن يكون احتجاجاً على البشر من حولهم.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5054 - الجمعة 08 يوليو 2016م الموافق 03 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:17 م

      ما الغريب الا الشيطان الله يحرس المؤمنين والمؤمنات من شرورهم

اقرأ ايضاً