ركز الشيخ عدنان القطان في خطبته بجامع الفاتح الإسلامي، أمس الجمعة (8 يوليو/ تموز 2016)، على أهمية الأمن في أي مجتمع، مديناً التفجيرات الأخيرة التي وقعت في عدة دول إسلامية، وقال: «إن العُنْف والتطرف والإرهاب لا يَحْمِلُ مشْروعاً غَيْرَ التَّخْريبِ والتفجير والإفْسادِ».
وشدَّد القطان على أن «المسلمين اليوم في أشد الحاجة إلى ترسيخ مفهوم التعايش السلمي فيما بينهم في أوطانهم، حتى مع اختلاف مشاربهم، وتنوع مذاهبهم وطوائفهم، وتعدد رؤاهم».
وتحت عنوان «أهمية الأمن وأحداث التفجيرات»، قال القطان: «الأمنُ مطلبٌ عزيزٌ وكنزٌ ثمينٌ، هو قوام الحياة الإنسانيّة كلّها، وأساس الحضارة المدنيّة أجمعها، تتطلّع إليه المجتمعات، وتتسابق لتحقيقِه السّلطات، وتتنافس في تأمينه الحكومات، تُسخَّر له الإمكانات الماديّة، والوسائلُ العلميّة، والدراسات الاجتماعيّة والنفسيّة، وتُحشَد له الأجهزة الأمنيّة والعسكرية، وتُستنفَر له الطاقات البشريّة... مطلبُ الأمن يسبق طلبَ الغذاء، بغيرِ الأمن لا يُستساغ طعام، ولا يهنَأ عيش، ولا يلذُّ نوم، ولا يُنعَم براحة، قيل لحكيم: أينَ تجِد السّرور؟ قال: في الأمن، فإنّي وجدتُ الخائفَ لا عيشَ له. في ظلِّ الأمن تحفَظ النفوس، وتُصان الأعراض والأموال، وتؤمن السبل، وتُقام الحدود، ويسود العمران، وتنمو الثّروات، وتتوافر الخيرات، ويكثر الحرثُ والنّسل».
وأضاف «في ظلّ الأمن تقوم الدعوة إلى الله، وتُعمَر المساجد، وتُقام الجُمَع والجماعات، ويسود الشّرع، ويفشو المعروف، ويقلُّ المنكَر، ويحصل الاستقرار النفسيّ والاطمئنان الاجتماعيّ... وإذا اضطرب الأمن عياذاً بالله ظهرت الفتَن، وتزلزلت الأمّة، وتخلخَلت أركانُها، وكثُر الخبث، والتبَس الحقّ بالباطل، واستعصى الإصلاح على أهلِ الحقّ.. إذا اختلَّ الأمن عياذاً بالله حكم اللّصوص وقطّاع الطريق، وسادت شريعةُ الغاب، وعمّت الفوضى، وهلك النّاس.. وتأمّلوا رحمكم الله بلداناً من حولِكم اختلَّ فيها الأمن، فهلك فيها الحرث والنّسل، وسُلِبت الأموال، وانتُهكت الأعراض، وانتشر القتل، وفسد المعاش، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله.. ومِن أجل هذا عباد الله فإنّ كل تفجير وكلَّ عملٍ تخريبيّ يستهدف الأمن والآمنين ومعصومي الدّماء والنّفوس، فهو عملٌ إجراميّ محرّم، مخالفٌ لأحكام شرع الله، وهذه الأعمال السيئة الشريرة، تثير الفتنَ، وتولِّد التحزّب الذي يدمّر الطاقات، ويشتِّت الجهود، ويهدر المكتسَبات، ويؤخِّر مسيرةَ الإصلاح، ويخذل الدعوةَ والدعاة، ويفتح أبوابَ الشرّ أمام ألوانٍ من الصّراعات، بل ربّما هيّأ فرَصاً للتّدخّلات الخارجيّة والمحاولات الأجنبيّة، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله».
وذكر القطان أنّ «الموقفَ الصّريح الذي لا لبسَ فيه، ولا يُختَلف عليه، هو إنكارُ أعمال التخريب والتفجير وسفك الدماء، التي تحدث في أوطاننا، واستنكارها ورفضُها وتجريمها وتحريمها، ولْيحذر مَن أراد الخيرَ لنفسه من عمَى البصيرة وتزيين الشيطان، فيرى الحقّ باطلاً، والباطل حقّاً عياذاً بالله.. أين يذهَب هؤلاء الأغرار من قول الله عزّ وجلّ: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً» (النساء: الآية 93)؟! وقوله: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» (المائدة: الآية 32)، وأين يذهبون من قوله صلى الله عليه وسلم: «لَزَوَال الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ من قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»؟ ومن قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً)؟ وأين يفرون من قوله صلى الله عليه وسلم في حق المنتحر وقاتل نفسه: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا أَبَداً)؟».
وأوضح أن «الأحداث المفزعة والغريبة، تتوالى على خليجنا وعلى بلاد العالم الإسلامي، بلداً تلو الآخر، تنشر فيها الفتن، وتحدث فيها الاضطرابات، وتفجر المرافق العامة والمساجد، وتخلف قتلى وجرحى ومصابين، وتصنع إحناً ومحناً، وتفرّق الصفوف، وتنشئ الفوضى. إن يد الغدر تضرب بقوة في بلاد المسلمين، ولا يفتأ الماكرون والحاقدون عن بثّ المكائد، وزرع الأحقاد، ونشر سموم الفتن، غير آبهين بدين ولا حرمة ولا دماء؛ وهناك أيادٍ مجرمة تسعى في خفاء، وتضرب في عمياء، وتنضح حقداً ومكراً، وتخلّف وراءها أهوالاً، وتدع العقلاء في حيرة، وتذهب بصفاء البلاد وهدوئها، وتعكر صفوها، وتبدّد شمل أهلها، وإن مكر أعداء الإسلام والمسلمين يمتلئ لؤماً وحقداً، لا يفترون عن زعزعة الأمن في المجتمعات الآمنة الهادئة، التي لم تكتوِ بنار الفتن بعدُ، فيلجأون في خبث لبث سمومهم وأحقادهم، يريدون أن تعم الفوضى، ويقوّض الأمن، وتضيع مقدرات المسلمين، ويذهب استقرارهم، لتصبح الأمة لقمة سائغة للطامعين والمتربصين... وهذه آثار مكر الأعداء ظاهرة في قلب الأمة الإسلامية في بعض بلاد المسلمين، والمتابع لوسائل الإعلام يقف على أهوال ومصائب كبيرة، وما لا ينشره الإعلام كثير، والله من ورائهم محيط... إن المسلمين اليوم تعمل فيهم آلة هدم جبارة، وآلة تعمل على تمزيق صفّهم، وتشتيت شملهم، وإضعاف كلمتهم، تعمل بأسلوب ماكر خادع يستغل الجهلاء والسذج بدعاوى منحرفة، إلى مستنقع الفتنة والكيد، وهي مزالق متى استسلم لها شعب أهلكته، وما دخلت أي أمة إلا أهلكتها».
وأكد على أن «المسلمين اليوم في أشد الحاجة إلى ترسيخ مفهوم التعايش السلمي فيما بينهم في أوطانهم، حتى مع اختلاف مشاربهم، وتنوع مذاهبهم وطوائفهم، وتعدد رؤاهم، وإن هذا التعايش السلمي والاحترام المتبادل داخل إطار الوطن الواحد، وتحت مظلة الإسلام الواسعة كفيل بأن يوحّد صفهم، ويعلي كلمتهم، ويجمع شملهم، ويقوي بلادهم، ويوفر الأمن والاستقرار لهم، ويحول دون ضياع الدين والدنيا، وتنتظم معايشهم، ويغيظ عدوهم المشترك، ويسد منافذ الخبثاء والمتطرفين والمتربصين ومسالكهم في التفريق بينهم».
وتحدث القطان عن أن «الجرائم المنكرة التي وقعت في مملكة البحرين، وفي بلاد الحرمين الشريفين وفي دولة الكويت، وفي العراق وفي تركيا وما وقع في بعض الدول العربية والإسلامية في الأيام الماضية، من تخريب وتفجير في الأماكن العامة وفي المساجد ودور العبادة، واعتداء على المصلين، ورجال الأمن وقتل للأبرياء والآمنين المطمئنين، جرائم بشعة ومنكرة وغريبة على نسيج مجتمعاتنا المتوافقة المتآلفة، التي يتعايش فيها المسلمون من السنة والشيعة وغيرهم في سلام وأمان منذ عصور طويلة وأزمنة مديدة، ويحرص كل طرف منهم على الوئام مع شركاء الوطن، فضلاً عما يجمع بينهم من روابط الدم والقرابة، وحُسن الجوار».
وأضاف «إن المرء ليتعجب أشد العجب، وتتملكه الحيرة والحزن والأسى: أي دين ومعتقد هذا بل أي عقل سليم يدفع بإنسان مسلم أن يفجر نفسه في الأماكن المقدسة، في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي شهر رمضان المبارك، وفي عشره الأخيرة؟، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ أَحْدَثَ فِي الْمَدِينَة حَدَثًاً، أَوْ آوَى مُحْدِثًاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) كيف يجرؤ مسلم أن يهجم على أناس غافلين صائمين متعبدين في مدينة رسول الله؟! فيعمل فيهم القتل، والتفجير والترويع، وسفك الدماء ونشر الفتن، إن هذا والله إجرام وكبيرة من أعظم كبائر الذنوب، فالحذر الحذر من هؤلاء المجرمين الضالين، الذين يفجرون الأبرياء والآمنين في كل مكان، إن القتل العشوائي، والتفجير والتدمير والتخريب، فضلاً عن حرمته، وأنه من كبائر الذنوب، فإنه عمل خبيث خسيس، يشعل أوار الفتنة بين الآمنين، ويقطع حبال الود وحُسن الجوار بين المسلمين، ويؤدي بهم إلى اقتتال طائفي ونزاع مذهبي، تغرق فيه البلاد في مستنقع الفتن، وتتضرر منه البلاد والعباد... وإننا على ثقة ويقين بأن بلادنا والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت وكل دول مجلس التعاون الخليجي بقادتها وحكوماتها وشعوبها، ستبقى بإذن الله محمية وعصية على مثل هذه الغايات والمؤامرات الخبيثة، وستظل شعوبها على مختلف مكوناتها على وعي وإدراك مما يدبر ويحاك ضدها، ولن تزيدها مثل هذه الأحداث والمصائب، إلا قوة ومنعة وصلابة وتكاتفاً ووحدة وطنية».
وأبدى القطان تأييده لـ «كافة الإجراءات التي تتخذها دولنا ووزارات الداخلية فيها، من أجل الحفاظ على أمن واستقرار أوطاننا ومواطنينا وأرواحهم، ومكافحة المخاطر والتهديدات الإرهابية التي تهدد مصالح البلاد والعباد، وتردع كل من يحاول العبث بأمنها أو إثارة الفرقة والفتنة بين أبنائها».
وشدد القطان في خطبته على أن «التفريطَ في أمن المجتمعات والأوطان، تدميرٌ لها ولمكتسباتها ودعائمها، لذا يجب علينا جميعاً حُكَّاماً ومحكومينَ، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، علماء ومفكرين، أن نسعَى للحفاظ على هذا الأمن بسدِّ الثغراتِ التي يمكن أن تُحدِث شرخاً في المجتمع أو تجعلَ جسدَه مثقَلاً بالجراح،. فهذه البلادُ كغيرها من البلدان المجاورة، تعيش مرحلةً حرجة ومنعطفاً صَعباً، فلا بدّ من تماسُك الصفّ، والالتفاف حول ولاة الأمر، مع بذل النصيحة عن طريق القنوات الصحيحة في المجالس النيابية والشورية والبلدية، وطريق التغيير، الإصلاح والبناء، لا الهدم والتدمير. على الجميع وعلى العلماء خصوصاً وأصحاب المنابر، أن يتقوا الله في بلادهم وأن يُحِسّوا بواجبهم الشرعيّ لرأب الصَّدع في البناء، ومعظَم النار من مستصغَر الشرر، وإنّ فتناً عظيمةً في أُممٍ ماضيةٍ ودُوَلٍ حاضرة كان أولّها شرارةً يسيرة، تساهل الناس وأولو العلم والرأي في إطفائِها، فألهبت الأرض جحيماً لا ينطفئ ودماً لا ينقطع وفتنةً تركت الحليم حيرانًا».
وأشار إلى أن «أمنُ الفردِ عباد الله جزءٌ من أمنِ مجتمعه، وتوطيد الأمن يستلزم أن يؤدّيَ كلّ فردٍ مسئوليتَه في حِفظ الأمن، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلُّكم راع، وكّلكم مسئول عن رعيته)، إنّ الأمّة تعيش مآسيَ وحروباً وكروباً في كثير من مواطنها، فلِمَ ينبري فئامٌ من بني جلدتِنا لإيقاد فتنٍ داخلية واحترابٍ لا مسوِّغ له؟، لن يكونَ فيه كاسبٌ سوى العدوّ المتربِّص، وسنبوء جميعاً بآثارها، ونُلذع بشَررها».
وقال القطان: «إن العُنْفَ والتطرف والإرهاب لا يَحْمِلُ مشْروعاً غَيْرَ التَّخْريبِ والتفجير والإفْسادِ، العُنْفُ يورِّثُ عَكْسَ مقْصودِ أصْحابهِ، فَالمشاعرُ والعقولُ كلُّها تلْتقِي على اسْتنْكارهِ ورفْضهِ والبراءةِ منْه ومن أصْحابهِ، ومن ثَمَّ فإنَّه يبْقى علامةَ شُذوذٍ ودليلَ انْفرادٍ وانْعزاليةٍ».
وخاطب القطان الشباب، بقوله: «أيها الشباب: اتقوا الله تعالى في بلادكم وأنفسكم وأهاليكم، وتبصَّروا في واقعكم، واعلموا عظيمَ نعمة الأمن التي تعيشون فيها، فهي نعمةٌ عظيمة سابغة، تفضَّل الله بها عليكم، فاشكروا الله على نعمته، واسألوه الثبات على الحقّ، وتعوَّذوا بالله من زوال النعم وتحوّل العافية وفجاءة النقم، انظروا واعتبروا حال من فقدوا الأمنَ كيف يعيشون، وكيف حالُهم الآن، تدبَّروا غيْركم لتعرفوا واقعَكم وما أنتم فيه من النعم، فلا يتَّخذكم المحرضون والمستفزون مطايا لهم، ليقضوا بكم أغراضَهم، وينفِّذوا على أيديكم مخطّطاتِهم، لتكونوا على حذر في أموركم كلّها، فإنّ المسئوليةَ عظمى، والجميعَ في سفينةٍ واحدَة، ومَن خرقها أغرقَ الجميع. فالواجب على العلماء والمفكرين وأهل الرأي والإعلاميين، يجب على الجميع تقوى الله في كلّ الأحوال، وطاعة ولاة الأمور في المعروف، والتناصحُ والتعاون وتبصير الجاهلين وتوضيحُ الحقّ لأولئك المغرر بهم، حتى يعلَموا الخطأ الذي هم واقعون فيه، فيجتنبوا باطلَهم، ويكفوا شرهم، ويعودوا إلى رشدهم، وينيبوا إلى ربهم... وعلى الآباءِ والأمهات جميعاً أن يكونوا عونًاً لشبابِهم على الخيرِ، محذِّرين لهم من الشرّ، مراقبين أخلاقَهم وجلساءهم ومن يصاحبهم حتّى ينقِذوا شبابَهم من هذه الغوايات ويخلّصونهم من هذا البلاء، وهذه الأحزاب والجماعات».
العدد 5054 - الجمعة 08 يوليو 2016م الموافق 03 شوال 1437هـ