العدد 5054 - الجمعة 08 يوليو 2016م الموافق 03 شوال 1437هـ

تاريخ مهنة الصفّار وتفرعاتها

تناولنا في الحلقات السابقة مهنة الصفّار وتحولاتها عبر الزمن، ولكن مازالت هناك بعض الأسئلة العالقة، وأهمها، عملية التسلسل التاريخي لمهنة الصفار ومتى بدأت التحولات فيها، وكيف ومتى تحولت إلى مهن فرعية أخرى. يذكر، أن الأصل في مهنة الصفّار هي صنع الأواني المختلفة من مادة النحاس أو الصفْر، الذي يعرف محلياً باسم الماو أيضاً، وبعد صنعها يطليها بمادة الرصاص من الداخل. هذا، وتعتبر صناعة الأدوات من مادة النحاس، من أقدم الصناعات التي قامت في البحرين،

منذ حضارة دلمون؛ وقد اشتهرت دلمون، منذ قرابة 4000 عام بعملية استيراد النحاس وصهره وتصفيته من الشوائب وإعادة تصديره.

هذا، وقد تم العثور على ورش خاصة بصهر النحاس، تعود إلى الحقبة التاريخية 2000 - 1800 ق. م.، وذلك في موقع قلعة البحرين (Hojlund and Andersen 1994 p. 467)، كما عثر في موقع الناصرية في قرية المالكية على غرف صغيرة بها حفر كانت تستخدم كورش لصهر النحاس تعود للحقبة ذاتها (صويلح 2009، ص 319 - 320). وقد سبق أن تناولنا طريقة صهر النحاس في حقبة دلمون بصورة مفصلة في سلسلة مقالات سابقة.

التحولات في مهنة الصفار

مهنة الصفّار من المهن القديمة التي عرفت في الكتب والمعاجم العربية القديمة، إلا أننا لا نعلم بالتحديد تاريخ هذه المهنة في البحرين، إلا أن المرجّح أنها من المهن القديمة في البحرين، فهي مرتبطة بصناعة أواني الطبخ والأدوات المهمة الأخرى. ويرجّح أن مهنة الصفار استمرت في البحرين حتى الحرب العالمية الثانية، وبعد ذلك لم يعد تصنع أي أدوات نحاسية، بل تحول الصفافير إلى تنّاكة أي أنهم بدئوا يتعاملون مع مادة التَنَك بدلاً من الصفر، إلا أن لقبهم بقي كما هو، أي الصفّار، والتي لقب به عدد من العوائل.

هذا، وقد استمر الصفار يمارس مهنة طلي النحاس بالرصاص، التي عرفتها العامة بمهنة التصفير. كما أن بعض الصفافير تخصصوا في صناعة أدوات نحاسية معينة؛ حيث اشتهر بعض الصفافير بصناعة الدلال، والتي تحولت لاحقاً لمهنة قائمة بذاتها.

صناعة دلال القهوة

تعتبر صناعة دلال القهوة من الصناعات القديمة التي عرفتها الجزيرة العربية، إلا أن الدلال في السابق كانت تصنع من الفخار، ومازالت بعض هذه الدلال الفخارية تستعمل في منطقة جازان حتى يومنا هذا وتعرف باسم الجَبَنة. ولا يعرف بالتحديد منذ متى دخلت صناعة الدلال النحاسية للجزيرة العربية. والمرجّح، أن مهنة صناعة الدلال في البحرين حديثة بعض الشيء، ربما لا تزيد على مئة عام، فصانع الدلال يعرف بالصفار، ولم يعط مسمىً آخر. وقد كانت الدلال تجلب من الشام والعراق، منها ما عرف باسم الشامية والبغدادية، ثم ظهرت بعد ذلك القرشية التي تصنع في مكة، ثم ظهرت أنماط مختلفة منها. هذا وقد عمّم اسم رسلان، وهي دلة شامية في الأصل، على أي دلة صفراء بغض النظر عن منشأها. والجدير بالذكر، أن حتى الاسم دلة، وجمعها دلال، هو اسم عامي، لم يُذكر في معاجم وكتب اللغة العربية القديمة، ويقصد به إبريق القهوة الذي كان يصنع من النحاس ويطلى من الداخل بالقصدير.

هذا ولا يعلم بالتحديد كيف ومتى نشأ هذا الاسم. وتسمى الدلة في دمشق دولة، وقد وردت الكلمة في معجم «محيط المحيط»، حيث جاء فيه إن الدولة، في اصطلاح بعض المولدين، إبريق صغير من النحاس ونحوه تغلى فيه القهوة، ومنه قول الشاعر:

قهوة البن قد أتتنا تنادي إذ رأت للمدام أعظم صولة

أنا عند الكرام بنت وجاق ولي الارتفاع في كل دولة

لا نعلم أصل تسمية دلة، فربما هو تحريف من الاسم «الدلاة» وهو وارد في معاجم اللغة بمعنى الدلو الصغير (لسان العرب مادة دلا)، وهو مشتق من الفعل دلا يدلو. قال الراجز (الأمالي للقالي، طبعة الهيئة المصرية 1976، ج2 ص 271)

إنّ دلاتي أيما دلاتي قاتلتي وملؤها حياتي

ويرى بعض الباحثين أن اسم دولة ربما جاء من اللفظة الفارسية «دولا» والتي تعني وعاء للماء ونحوه (عبدالرحيم 2012، ج2 ص 961). واسم دولا قريب من اسم الدلة الذي كان شائعاً في دمشق وهو دولة.

وصف مهنة الصفار

للأسف الشديد لا توجد دراسة تفصيلية حول مهنة الصفّار وأدوات هذه المهنة في البحرين، لكننا نرجّح أنها تتشابه في الطريقة والأدوات في المناطق الأخرى في الخليج العربي. هذا وقد وثق محمد جمال وصفاً دقيقاً لمهنة الصفّار في الكويت، وذلك في كتابه حول المهن القديمة في الكويت. يذكر، أن الأواني النحاسية لا تصنع من صفيحة واحدة من النحاس، بل يتم صنعها على صورة قطع، ومن ثم يتم لحمها مع بعضها البعض. أما عملية اللحام فتبدأ بعمل أسنان أو نتوءات كبيرة في طرفي القطعتين المراد لحمهما لكي يتداخلا معاً ويتماسكا بقوة. وبعد ذلك تتم عملية تسخين مكان تلاقي الطرفين إلى أن يبدأ بالليونة فيتم طرقه بالمطرقة. كما يتم تشكيل الإناء بحسب التصميم المطلوب بالمطرقة وهو لا يزال طرياً من شدة الحرارة. ويستخدم الصفار في عملية تسخين النحاس كوراً بدائياً عبارة عن حفرة في الأرض، ويتم بناء دكة مستطيلة أو مربعة حولها. ويتم مد أنبوب للكور موصل بمنفاخ يدوي مصنوع من الجلد (جمال 2003، ص 192 - 194).

هذا وقد استخدمت قديماً مواد معينة في عملية اللحام، منها التنكار، وهو ملح أبيض شبيه بالشب، كما استخدم الصب وهو نوع من صفائح النحاس والتنك بحيث يذاب كل ذلك ويستخدم كلحام قوي (الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية 2000م، ج3 ص185).

الخلاصة، إن مهنة الصفّار تعتبر من المهن القديمة التي عرفت في البحرين، وقد تعدّدت المهن الثانوية التي نتجت عنها عبر الزمن. فبدأت أصلاً بعمل الأواني النحاسية وتصفيرها. ثم اقتصرت على التصفير فقط. وتحول الصفافير إلى تنّاكة بعد الحرب العالمية الثانية. كما تخصص بعض الصفافير في صناعة دلال القهوة. ومع ذلك احتفظ العديد من العاملين في هذه المهن بلقب الصفار؛ فمصفر القدور، والتنّاك وصانع الدلال، هو صفّار في الأصل، إن كان قد ورث المهنة من أبائه وأجداده.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:29 ص

      رحمك الله يا سيد علي الصفار مؤسس هذه المهنة في البحرين

اقرأ ايضاً