العدد 5054 - الجمعة 08 يوليو 2016م الموافق 03 شوال 1437هـ

تريلين يسترجع 50 سنة من تغطية حياة السُود في أميركا

مارتن لوثر كنغ
مارتن لوثر كنغ

ليست مراجعة دوروثي باتلر غيليام، في صحيفة «نيويورك تايمز»، يوم الجمعة (24 يوينو/ حزيران 2016)، للكاتب الصحافي والمؤرخ الأميركي كالفين تريلين، «جاكسون، 1964»، اتِّكاء على الذاكرة والأرشيف الذي يبدو عليه الكتاب، بقدر ما هو تذكير وطرح لسؤال يبدو وجودياً لا للسود وحدهم، بل للبِيض أيضاً. السؤال الذي يستجوب المرحلة برجالاتها وسياسييها في الداخل الأميركي: ما الذي تغيَّر طوال تلك العقود؟ ربما تكون الممارسات في شكلها الظاهر والسطحي قد تلاشت ولم تعد فاقعة في الزمن والمكان الأميركيين، كما هو الحال في خمسينات وستينات القرن الماضي. يقف على ممارسات رجال الشرطة مع المحتجين، والقتل الذي بات سهلاً كما هو الحال في تلك الفترة المظلمة من التاريخ الأميركي، حيث لا محاسبة لأحد، فثمة ضحية، لكن القاتل يظل مجهولاً. مجهولاً في صورة أو أخرى، بمعنى عدم الإدانة، في كثير من حالات القتل التي حدثت قبل عامين. هنالك أيضاً الأصوات الراديكالية التي لم تكن جديدة، بقدر ما إن الفرص والظروف واتتها في هذا المرحلة المضطربة والمتحولة من تاريخ العالم، وليس التاريخ الأميركي وحده.

المرشح لسباق الرئاسة، دونالد ترامب، قد يكون طيفاً من الحضور الراديكالي الذي بدأ يتصدَّر المشهد، وبات نجماً لوسائل الإعلام التي تريد تسويق بضاعتها، ولا شيء أكثر من الإثارة عاملَ تسويق ناجحاً؛ طالما أن التصريحات تذهب في مباشرتها بشكل فاقع ووقح، وبالطبع لن يكون آخر الأطياف التي ستتحول إلى واقع، وربما تكون بيدها مقاليد تحديد شكل ومضمون جديد للسياسة الأميركية في الداخل والخارج.

بين العام 1964، وصولاً إلى العام 2015، يحرص تريلين على تعزيز كتابه بتحديث مجموعة من الأفكار والوقائع، أشار فيه إلى أن معظم السكَّان البِيض في ميسيسبي فرُّوا إلى الضواحي، و «29 مدرسة فقط من مجموع 188 في دنفر يمكن النظر إليها باعتبارها مدارس مندمجة». الانهماك في الإنجاز الأميركي المعاصر، أضف إلى ذلك الحروب خارج الحدود، تجعل من حقيقة الصورة في هذا الملف غائمة وغير واضحة المعالم؛ على الأقل بالنسبة إلى المراقب للمشهد من خارجه، وكذلك بعض الذين يراقبونه من الداخل. هنا جانب مما ورد في مراجعة غيليام.

عندما كُتبت مقالات عن التمييز في أميركا، على مدى الخمسة عقود الماضية، فقد كانت على صلة باليوم، كما كانت أقرب - من اللحظة الراهنة - من أي وقت آخر قبل نصف قرن من الزمان. بذلك نحن نكتسب نظرة جديدة إلى مدى التقدم الحقيقي الذي تم إحرازه في هذا البلد؛ أو ذلك الذي لم يتحقق. وعلينا ألَّا ننكر التغييرات الإيجابية التي حدثت منذ عهد الفصل العنصري. الآن، الأمة - في حقيقة الأمر - تتراجع في بعض المناطق.

ميسيسبي... معقل الفصل العنصري

يتكوَّن الكتاب الأخير لكالفين تريلين من مجموعة المقالات التي أنجزت ما بين الأعوام 1964 - 2008، يوم أن كان يعمل كاتباً لدى مجلة «نيويوركر». المقال الافتتاحي لـ «جاكسون، 1964»، يسرد الأحداث التي تتحدَّد في توافق الطلاب الجامعيين من البِيض والسود في ولاية ميسيسبي، وهي معقل للفصل العنصري، على تسجيل السُود كي يتمكّنوا من التصويت للمرة الأولى في الانتخابات. تم إنجاز الكتاب بعد مقتل كل من النشطاء: أندرو غودمان، جيمس تشاني ومايكل شويرنر. وفي الكتاب، يبدو تفوُّق تريلين الراوي على المُراسل. ويكتفي هنا بشكل عابر بالإشارة إلى «قتل ثلاثة من العاملين في مجال الحقوق المدنية». يسلِّط المقال الافتتاحي الضوء على الاستراتيجي الرائع روبرت باريس موزس، من ولاية ميسيسبي، من خلال مشروعه الصيفي في الجامعة.

ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى ويلمنغتون، دل «فترة الأسبوع الثالث والثلاثين من دوريات الحرس الوطني». هنا يكتب تريلين عن احتلال مدينة جماعات السود في العام 1968، في أعقاب اغتيال مارتن لوثر كينغ الابن، بعد أن أطلق السكَّان السود في المدن في مختلف أنحاء البلاد عنان عقود من الإحباط المكبوت والغضب جاءت في شكل اضطرابات وقلاقل مدنية واسعة النطاق. يقع تريلين هنا في حال من التناقض بين عجز جماعات السُود عن الاطاحة بالحرس، وقوة البيض للحفاظ على وجود حرسه الثوري، ويتحدد ذلك التناقض في حديثه عن «أطول احتلال عسكري لمدينة أميركية منذ الحرب الأهلية».

تريلين، مؤلف 29 كتاباً آخر، يُعرف عنه حس الفكاهة والسخرية في الكتابة، ما خلا بضع فقرات في مقال تقريري عن ماردي غراس؛ حيث يكون على بعد خطوات من الفكاهة، بحكم ما تتطلّبه تغطية الأمور الخطيرة والجادَّة التي بين يديه. يكشف هذا الكتاب عن كيف أن أيامه الأولى كصحافي في الجنوب، أشعلت اهتمامه بموضوعات وقضايا العِرق، ودفعته إلى التحرُّك في جميع أنحاء أميركا كي يُقدِّم تقارير عن العلاقات العِرقية في العقود التي تلت.

الحب معيَّة العدالة

في وقت سابق من هذا العام، تعرض تريلين إلى انتقادات بسبب قصيدة هجائية نُشرت في مجلة «نيويوركر»، وكتبت بصوت غارق في الحزن، من جانب، واستحوذ عليه المطبخ الصيني، من جانب آخر، مع الإشارة هنا إلى أن الذين سارعوا إلى مهاجمته، قد يرغبون في قراءة هذا الكتاب موضوع المراجعة.

في العام 1964، رصد تريلين حواراً متبادلاً مع مارتن لوثر كنغ، كان في صميم اللحظة السياسية الراهنة، من حيث توجُّهه. كان كنغ في طريقه إلى ولاية مسيسبي، عندما شق رجل أبيض طريقه نحوه «وبتشدُّق مُفرط» عرَّف نفسه بأنه مسيحي، منحنياً عبر الممر، متسائلاً عمَّا إذا كان تحرُّك كنغ هو من أجل تعليم المحبة المسيحية أو التحريض على العنف. أوضح له كنغ وقتها بالقول إنه «الحب معية العدالة». كل ذلك كان أحد الركائز الأساسية لحركة الحقوق المدنية السلمية. وسأله كنغ عن رأيه في القانون الجديد للحقوق المدنية. ليرد الرجل، بأنه لم يقرأ القانون المذكور، مضيفاً «أعتقد أن أجزاء من القانون فقط تحمل على الاتجاه نحو الدكتاتورية الاتحادية». سأله كنغ في وقت لاحق إذا ما كان سيصوِّت للمرشح الجمهوري غولدووتر. أجاب الرجل «نعم، أتوقع أنني سأصوّت له». وهز كنغ رأسه قائلاً: «لقد صوَّتتُ للخاسرين من قبل». وبحسب تريلين «كانت دخيلته متحرِّرة وغير مكترثة ولوقت طويل. لا يوجد شيء يمكن أن ينال منه».

في المناخ السياسي المُعادي اليوم، عندما يبدو جو من الاستياء الجبْري منبثقاً من أنصار دونالد ترامب، مع تغيير الأسماء، يمكن لتلك المحادثة أن تحصل اليوم وبسهولة.

ما يدل على أن العنصرية تتجاوز الجنوب بكثير، كتب تريلين عن معركة للبِيض ناجحة تم خوضها ضد الاندماج في مدارس دنفر في العام 1969. وفي «القيام بالصائب من الأمور ليس سهلاً دائماً»، كشف بأناة زيف اللغة المُغمَّضة، تلك التي تتعلق بسيادة الرجل الأبيض؛ حيث تستخدم التفرقة للتحذير من «الإلزامية في أرجاء المدينة التي جعلتهم منهمكين على نطاق واسع». وبحلول العام 2015، كتب تريلين تحديثاً لمجموعة من الأفكار والوقائع، أشار فيه إلى أن معظم السكَّان البِيض في المدينة فرُّوا إلى الضواحي، و «29 مدرسة فقط من مجموع 188 في دنفر يمكن النظر إليها باعتبارها مدارس مندمجة».

30 عاماً... لفافة ماريجوانا

قدَّم تريلين لمحة عن الناس الذين قاموا بردود أفعال قبالة الاعتقال، والوحشية المتنامية لشرطة أميركا. زار ولاية تكساس في العام 1970 ليكتب عن «واحد من أكثر الأشخاص إثارة للضوضاء، متشدِّد أسود في هيوستن» والذي حكم عليه بالسجن لمدة 30 عاماً في تهمة تتعلَّق بلفافة ماريجوانا. وفي العام 1975، سافر إلى سياتل للكتابة عن رجل أسود قُتل على يد شرطي أبيض، والذي لم توجَّه إليه أية تهمة.

في العديد من مقالاته يُقدِّم تريلين تقارير تشتمل على نظرة ثاقبة ممزوجة بالخوف والاستحقاق والقلق والإحساس بالتفوُّق الذي يشعر به كثير من الأميركيين البِيض. وكما كتب في العام 1964 «ليست هنالك حاجة إلى دراسة مُتطوِّرة عن الرأي العام لإثبات واقعة أن في الولايات المتحدة، في الشمال أو الجنوب، تعتبر حياة الأبيض أكثر قيمة من حياة الزنجي». يُقدِّم هذا الكتاب السياق التاريخي لقضايا العِرق، والعنصرية، وقمع الناخبين، وعدم المساواة في الدخل، الذي تقوم عليه الانتخابات الرئاسية الحالية. طريقة تريلين الأنيقة في سرده القصة، وحرصه على تدوين الملاحظات التي تبدو غير ذات أهمية، يتمخض عنها تبرُّم من جانبي بسبب البطء الشديد فيما تم إحرازه من تقدم في هذا المجال؛ فموضوعات العنصرية والفقر، بالنسبة لي ولملايين من الأفارقة الأميركيين، لها تأثيرها السلبي على العقل والروح، كما يعترف تريلين، وهي ليست قضايا نظرية؛ بل هي قضايا شخصية.

كتب في المقدمة: «لقد ولدت في الجنوب، وبلغت مبلغ الرجال هناك في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. التغييرات يمكن أن تبدو مدهشة حقاً». ولكن - كما يتضح من حالات الاعتقال، وعسكرة قوات الشرطة، وإعادة الفصل في المدارس الأميركية - «كثير من تلك القضايا في الواقع، لايزال أمراً مفروغاً منه، من حيث تكريسه».

دونالد ترامب-كالفين تريلين
دونالد ترامب-كالفين تريلين




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً