تمكنت وزيرة الداخلية البريطانية، تريزا ماي من الفوز بالجولة الأولى لانتخابات زعامة حزب المحافظين. وسيتواصل التصويت بين أعضاء البرلمان من حزب المحافظين حتى تنحسر المنافسة بين شخصين فقط. ومن المقرر أن يخوض المرشحون الثلاثة ماي وأندريا لدسم ومايكل غوف جولة أخرى من المنافسة اليوم الخميس (7 يوليو/ تموز 2016) يصوت فيها أعضاء البرلمان من حزب المحافظين. وبعدها تجري جولة أخيرة من التصويت يوم الثلثاء المقبل، ما لم ينسحب أحد المرشحين. وبعد تحديد المرشح الفائز، تصوت قواعد الحزب في الـ 9 من أيلول/ سبتمبر.
الطريق للفوز بزعامة الحزب لن يكون سهلا أمام ماي، التي كانت نسبيا من دعاة بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، ولكنها تملك من المقومات ما يجعلها قادرة على مواجهة هذا التحدي، لتصبح رئيسة الوزراء القادمة. ومباشرة بعد إعلان النتائج وفوزها بالعدد الأكبر من الأصوات، قالت ماي إن هناك "مهمة كبيرة" تمثل في توحيد الحزب والبلاد، بعد الاستفتاء، و"التفاوض" من أجل التوصل إلى أفضل اتفاق لمغادرة الاتحاد الأوروبي "ولجعل بريطانيا قادرة على تحقيق تطلعات الجميع".
وشددت ماي، على أنها المرشحة الوحيدة القادرة على تحقيق هذه الأهداف الثلاثة كرئيسة للوزراء، وأيضا الوحيدة القادرة على الحصول على تأييد أعضاء حزب المحافظين، على حد تعبيرها. فمن هي هذه المرأة التي قد تحكم بريطانيا في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد؟
تريزا ماي تبلغ من العمر 59 عاماً وتحب الأحذية الباهظة الثمن والفريدة. وهو ما يجعلها مراراً وتكراراً في عناوين الصحف البريطانية. وفي أحد المواعيد الرسمية حضرت ماي بحذاء أسود مزين بالمسامير المعدنية.
تريزا ماي تختلف بشكل مطلق عن معظم السياسيين البريطانيين وتعتبر النسخة البريطانية من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. فهي تتصف بالصلابة والنزاهة، تعمل باجتهاد كبير وردود فعلها تتسم بالواقعية والبرغماتية. هكذا يصفها، ليس فقط العديد من الزملاء في الحزب المحافظ، بل أيضا أولئك الذين يعرفونها شخصيا، كامرأة متزوجة، ليس لديها أطفال وابنة لرجل دين في الكنيسة الأنجليكانية.
صاحبة النفس الطويل
تريزا ماي، تلقت تعليمها في جامعة أكسفورد، بعدها عملت لمدة ست سنوات في بنك إنجلترا، وتشغل منذ سنة 2010 منصب وزيرة الداخلية. وهو ما يثير إعجاب الكثير من المتتبعين، فلمدة 100 سنة لم تستطع أي شخصية بريطانية الحفاظ على هذا المنصب لهذه الفترة الطويلة. وهو من بين الأسباب، الذي يجعلها تقارن بـ "المرأة الحديدية" مارغريت تاتشر.
تصوراتها للبريكسيت
المصالحة أو التعصب؟ هذا السؤال يشغل بال الكثير من البريطانيين الذين يأسفون على نتائج الاستفتاء حول عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي. ما الذي يمكن انتظاره من ماي، كخليفة محتملة لديفيد كاميرون؟
تريزا ماي كانت حذرة بعض الشيء أثناء الحملة الانتخابية قبل التصويت على استفتاء عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، ولكنها أبدت انفتاحها أمام إمكانية انتقاد الاتحاد الأوربي. وعلى رغم أنها دعمت ديفيد كاميرون في حملة "بقاء بريطانيا"، إلا أنها أعربت في عدة مناسبات عن مواقف منتقدة للاتحاد الأوروبي. فقد اشتكت مثلا عدة مرات من نقص في نقاط التفتيش الأمنية على الحدود الأوروبية. وآخر هذه التصريحات كان في مايو/ أيار الماضي لصحيفة "إنديبندنت".
سياسة هجرة صارمة
وخلال الإعلان الرسمي عن ترشحها لزعامة الحزب قالت ماي بشكل واضح إنه لن يكون هناك استفتاء ثانٍ، مضيفة أنها، إذا أصبحت رئيسة وزراء، فستعمل على تقديم طلب الانسحاب الرسمي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي في غضون أشهر قليلة. ولكن تفعيل المادة 50 من معاهدات الاتحاد الأوروبي، وبالتاي الخروج الرسمي لن يكون قبل نهاية السنة، على حد تعبير ماي.
وعلاوة على ذلك قالت تريزا ماي في مقابلة مع التلفزيون البريطاني، بأن تصويت البريطانيين لمغادرة الاتحاد الأوروبي، كان رسالة قوية ضد حرية التنقل المعمول بها داخل الاتحاد. ولهذا تخطط ماي، بعد إتمام إجراءات المغادرة، الحد من الهجرة إلى بريطانيا. وهو ما يتناسب مع مواقفها كوزيرة للداخلية، حيث أظهرت ماي دائما صرامتها، خاصة بشأن ملف الهجرة. وهو ما قد يكون لصالحها خلال المنافسة الحزبية الداخلية، فكثير من المحافظين يدعون إلى إصلاح قوانين الهجرة.
ومن بين تصريحاتها الأكثر صرامة في هذا الشأن قولها: "عندما يكون هناك هجرة، من المستحيل بناء مجتمع متماسك". وقد دعت ماي في وقت سابق إلى الحد من برامج للطلبة الأجانب في الجامعات البريطانية والزيادة في المساهمات المادية الصحية للعمال من باقي دول الاتحاد الأوروبي.
قاعدة شعبية كبيرة
كانت تيريزا ماي تبلغ أقل من 30 سنة عندما بدأت مسيرتها في السياسة المحلية. وفي 1990 تمكنت في وقت مبكر من الوصول إلى مجلس العموم البريطاني. ووفق مسح أجرته مؤسسة الاستطلاع "ICM"، فإن أكثر من 60 في المئة داخل الحزب يساندونها. وهي بذلك في الصدارة بفارق كبير عن أبرز منافسيها في الحزب: أندريا ليدسم، ستيفن كراب، مايكل غوف وليام فوكس. وأحد الأسباب في ذلك هو شوق المحافظين للاستقرار والموثوقية.
وقبل سنوات وصفت تيريزا ماي حزبها باسم "الحزب الشرير". ولكن يبدو أن طريقتها الصريحة، لم تؤثر على شعبيتها في الحزب.
كاميرون يدعمها
ساندت تريزا ماي كاميرون للوصول إلى منصب رئيس الوزراء. ولذلك، فإن كاميرون يدعمها كخلف له في زعامة الحزب ومنصب رئيس الوزراء. وحسب مؤسسة استطلاع الرأي "ICM" فإن تيريزا ماي، تحظى بشعبية كبيرة لدى المواطنين أيضا. من جهتها ذكرت صحيفة "ذا صن أون صنداي"، استنادا إلى اقتباس من مؤسسة ICM مع عبارة: ".. ومن الواضح أن الغالبية الساحقة تعتبرها المرشحة الأكثر كفاءة، سواء عند الرجال أو النساء، في كل منطقة من مناطق البلاد، وبين مؤيدين وأعضاء من جميع الأحزاب".
بالإضافة إلى ذلك، فإن غالبية الصحف البريطانية "تمجد" تيريزا ماي كمرشحة "العقل" خلفا لديفيد كاميرون. ومن جهتها وصفت صحيفة "تلغراف" تيريزا ماي بـ "النجم الصاعد".