ذكر مراسل الشؤون الدولية في موقع قناة "سي ان ان العربية" اليوم الاربعاء (6 يوليو / تموز 2016)، بن ويدمان في مقالً إنه عاش وعمل في الشرق الأوسط منذ العقد السابع من القرن الماضي كما غطى الشأن العراقي بكثافة منذ التسعينيات.
رسالة إلى الشعب العراقي: "جيوشنا لم تدخل مدنكم وأرضكم بصفتها قوات غازية بل باعتبارها قوات تحرير". كان من الممكن أن تكون هذه الجملة قد جاءت على جاءت على لسان الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، أو رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، طوني بلير، ولكنها في الواقع تعود إلى الجنرال ستانلي مود، قائد القوات البريطانية التي دخلت العراق عام 1917.
الاحتلال البريطاني الذي أعقب التدخل العسكري عام 1917 كان فوضويا، لكنه لم يكن بالسوء الذي كان عليه الغزو الأمريكي بعد ذلك. لقد ثار العراقيون بشكل عنيف ضد البريطانيين الذين يقال إنهم استخدموا الغازات السامة ضد مجموعات سكانية بينها الأكراد في الشمال.
لو أن بلير كان قارئا جيدا للتاريخ لنظر إلى التجربة البريطانية السابقة بالعراق كعبرة له، ولكنه عوضا عن فعل ذلك اندفع إلى جانب بوش في المعمعة التي باتت لاحقا رمالا متحركة.
التحقيق البريطاني الرسمي حول حرب العراق الذي طال انتظاره، قد يلقي بعض الضوء على قرار بلير وظروف اتخاذه لقرار الغزو. التقرير الذي يحمل اسم رئيس لجنة التحقيق، السير جون تشيلكوت، لن يكون مفيدا الآن للعراقيين. ففي الشرق الأوسط تبدو الخطة التي فرّختها الدول الكبرى للشرق الأوسط في حالة متعثرة، والعراق ليس استثناء.
مدى التعثر هذا كان ظاهرا بوضوح في وسط بغداد قبل أيام. فمن ركام الهجوم الدموي الأخير في المدينة الذي نفذه تنظيم داعش انتشل المسعفون رفات 250 ضحية على الأقل. منظر العراقيين الذين كانوا يبحثون عن أحبائهم الذين احترقوا أو تحولوا إلى أشلاء نتيجة الانفجار لا يرتبط بصلة بالخطة التي كان بلير وبوش يضعانها للعراق.
خديعة تحرير العراق
أدت الحرب على تنظيم داعش إلى تشريد ملايين العراقيين. وقد اضطر الكثير من العراقيين للنزوح من مناطق سكنهم أو العيش في المهاجر بسبب الفوضى التي أعقبت سنوات الاحتلال وليس لديهم بالتالي أي سبب للاحتفال بـ"الشرق الأوسط الجديد."
مئات الآلاف قتلوا خلال غزو العراق عام 2003. فكرة "التحرير" لم تخدم كثيرا الخديعة المزيفة التي حاول بوش وبلير ترويجها والتي اتضح زيفها. قد لا نعرف أبدا ما إذا كنا أمام عملية كذب أم أنها مجرد أخطاء في الحكم ولكن الأكيد أن النتائج واضحة للجميع.
لم يكن هناك أسلحة دمار شامل وليس هناك اليوم في العراق سلام ولا ازدهار. ما نتج عن الديمقراطية الممتزجة بالاحتلال الأمريكي عرضة للزعزعة الشديدة وعديم الاستقرار بشكل خطير.
لقد فتح غزو العراق صندوق الشرور الذي تدفعت منه المذهبية والإرهاب والعنف ولم ينجح أحد حتى الآن في إعادة احتوائها داخله حتى الآن. العراقيون، سنة وشيعة، قاتلوا قوات التحالف الذي قادته أمريكا وقتلوا بعضهم أيضا. التفجيرات الانتحارية وفرق الموت نشرت الإرهاب في الأرض.
تركة بوش وبلير
قبل 13 عاما، وفي عشية الغزو، قال بلير: "إذا لم نواجه الخطر المزدوج المتمثل في الإرهاب والأنظمة المارقة المسلحة بأسلحة دمار شامل فإن هذا الخطر سيبقى حاضرا ولن يزول." ويبدو أن هذا النوع من المخاطر لم يزل فعليا، فالإرهاب الذي ظهر على شكل داعش تمكن من تأسيس دولته المارقة الخاصة ضمن سعيه لتأسيس نوع جديد من الإرهاب كان وحشيا إلى الدرجة التي دفعت تنظيم القاعدة إلى إدانته باعتباره متشددا للغاية.
الكيان الذي ساهم بلير وبوش بتشكيله اليوم في العراق هو أحد الدول الأكثر فسادا على وجه الأرض، البلاد تعوم على بحر من النفط ولكن القليل من الثروة تصل إلى الناس العاديين ومازالت الانقطاعات في الكهرباء والمياه أمورا اعتيادية.
خلال العام الماضي، وعند تغطيتي لمحاولات النازحين والمهاجرين الوصول إلى أوروبا، قابلت عشرات العراقيين الذين كانوا يشعرون باليأس من بلادهم. حسين، وهو تلميذ حقوق من مدينة كربلاء، كان عالقا عند الحدود المجرية، وقد تحدث إلي قائلا: "لم يبق ما نخسره.. العودة إلى العراق لم تعد خيارا."
هل كان الأمر يستحق ذلك؟ ليس هناك من جدل هنا. العديد من أصدقائي العراقيين يتحدثون بحنين عن الأيام الذهبية القديمة لصدام حسين عندما كانت التفجيرات الإرهابية نادرة وكان بإمكان المرء التجول أينما يريد في بغداد والعراق دون خوف من إمكانية التعرض للاختطاف أو قطع الرأس أو القنص.
لم يكن هناك من ديمقراطية أو حرية رأي، فقد حكم صدام حسين بغطاء من الرعب، ولكن على الأقل كان هناك حكم قائم. وفي الواقع فإن الديكتاتورية قد لا تبدو سيئة كثيرا بالنسبة لأولئك الذين تذوقوا طعم الفوضى من النوع الذي سقط فيه العراق. وكما كان يقول لي صديقي محمد: "ليت صدام حسين ينهض من قبره."
كيف ساعد بوش وبلير الأكراد
هناك بالمقابل من يعشق الإرث الذي تركه بلير وبوش خلفهما. في مطلع هذا العام كنت في جلسة بشمال العراق مع عدد من قادة القوات الكردية في الميدان في موقع لا يبعد كثيرا عن الخطوط الأمامية بمواجهة داعش وكان النقاش يدور حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وخلال الحوار، صرّح أحد القادة بالقول: "نحن نحن جورج بوش.. أتمنى لو أن بإمكانية أن يعود ليتولى الرئاسة" بينما قال قائد آخر: "أجل ونتمنى لو كان بإمكان بلير أن يعود للسلطة أيضا".
شعبية بلير وبوش بين الأكراد ليست أمرا جديدا. لقد كنت في أربيل بالتاسع من أبريل/نيسان عام 2003 عندما أسقطت القوات الأمريكية تمثال صدام في ساحة الفردوس ببغداد، وعندما انتشرت هذه الأخبار في المدينة سارع الآلاف إلى الشوارع للاحتفال حاملين الأعلام الأمريكية، وربما كانت الأعلام البريطانية حاضرة أيضا، لكن الذاكرة لا تسعفني. أحد الشبان كان يصرخ بحماس آنذاك: "يسقط صدام.. نعم لأمريكا نعم لبوش."
لقد ساعد بوش وبلير على تقوية وضع الحكم الذاتي للأكراد بشكل سمح بتأسيس منطقة منفصلة بشكل غير رسمي عن سائر العراق، وأتاح ذلك للأكراد تجاهل ما يحصل في سائر أرجاء البلاد
الحياة مع العواقب... والموت معها
ربما كان بلير يرغب بدعوة بعض الأكراد للشهادة أمام لجنة تشيلكوت لأنه خارج تلك الزاوية في العراق فإن الأمور ليست لطيفة. اليوم بوش تحول إلى رسام هاو، أما بلير فهو الآن – لسخرية القدر – يجني المال من تقديم خبراته وتجاربه وتوصياته في الشرق الأوسط.
بعيدا عن الإحراج الذي قد ينجم عن لجنة تشيلكوت للتحقيق في حرب العراق فإن بلير لن يكون عليه التعامل مع تبعات الفوضى التي ساعد على خلقها بالعراق. لكن سكان تلك الأرض الحزينة سيكون عليهم بالمقابل الحياة والموت بسبب تلك التبعات.