كان ومازال لـ«آمين» الجماعية التي تنطلق في خشوعٍ من حناجر المصلين في المسجد الصغير بحيّ الفاضل في المنامة، وقع السلام والطمأنينة والانتماء في قلبي، استلّها بدون جهدٍ من ذاكرتي كلما اشتقت لذلك الشعور. كنت، حينها، لاأزال طفلةً لم أكمل العاشرة، وكنت البنت الوحيدة بين أقربائي وجيراننا الأولاد، من بين الأولاد أيضاً كان جارنا (الهندي) دليب ذو الشعر الكثيف والنقطة الحمراء التي تزيّن بها والدته جبينه في بعض المناسبات. أحياناً نلحق جميعاً بجدّي وهو ذاهبٌ للصلاة في المسجد فيصطفّ الجميع، وأجلس بانتظارهم في جانبٍ من باحة المسجد الصغيرة. وأحياناً كان جدّي يشفق عليّ فيدعوني بحنو عفوي، بعد اكتمال الصفوف لأقف بجانبه، بينما دليب يصطف مع المصلين.
ظلّ للصلاة في المسجد مكانتها التي تجدّدت بإفساح مساحاتٍ للنساء للصلاة في المساجد لصلاة الجمعة والتراويح وقيام ليل رمضان في الثمانينيات، لكن كانت المرة الأخيرة التي ذهبت فيها للصلاة في المسجد قبل 10 سنوات. والسبب في ذلك أنني لم أحتمل في حينها الصوت الغاضب، القريب من الصراخ، الذي ينطلق من حنجرة الإمام بالدعاء ليس لخير العالم وصلاح البشر فيه، وإنّما لإفناء من نختلف معهم في الدين أو المذهب أو الفكر.
هذا العام أخرجني من هذه القطيعة، الرغبة في استكشاف الجيل الجديد من أئمة المساجد وخطبائها في ظلّ المجريات الكثيرة التي تمرّ بها الأمة. فاخترت الإمام قبل المسجد ووفقت إلى ساعة روحانية رائعة في ليلة تحرّي «ليلة القدر».
بعد الانتهاء من صلاة القيام، المتبوعة بدعاء الذي هز القلوب الخاشعة للمصلين والمصليات الذين وقفوا في صفوف متراصة تفيض عن طاقة المكان، انطلق برنامج ليلة القدر بالمحاضرات ومشاهدة الحرم الشريف على شاشات كبيرة. وفي حين بقي البعض لحضور ما بقي من البرنامج حتى آذان الفجر، كنت انتظر في طابور الخروج من المسجد عندما سمعت صوت الإمام الرخيم يبدأ محاضرته بالتحية والسلام على أشرف المرسلين ومن بعدها بدأ يخاطب الحضور. وفي مطلع خطابه وجّه أول القول للمرأة غير المتحجبة وناداها بـ«العاصية»، وفي كلمات أشبه بتوجيه الاتهام وصفها بـ«التي تضع الحجاب في رمضان وتخلعه في غير رمضان بحجة عدم الاقتناع»! بطلّةٍ سريعةٍ على معنى صفة العاصي، فهو يعرف بأنه الخارج عن طاعة الشرع المخالف لأمره، ويتفاوت حاله بحسب كبر المعصية وصغرها، وقد يصل إلى درجة الفسق وقد لا يصل، إلا أنه لا يخرج من الملة، والمعصية قد تكون فسقاً أو كفراً ..(مركز الفتوى-إسلام ويب.كوم).
ما لفت في الجزء القصير الذي تسنّى لي سماعه في مطلع الخطبة ليس موضوع الحجاب نفسه، وصحة التحريم من عدمه، ولا التساؤل عن سبب اختيار الخطيب للمرأة غير المتحجبة ليبدأ بها خطبة الليلة العظيمة في إيمان المئات الذين جاءوا إلى المسجد في تلك الليلة للإعتكاف وللتقرّب إلى الله بالدعاء من أجل نيل بركاتها.
ولم آتِ بذكر تلك الخطبة للنقاش أو الجدل في أمر الحجاب الذي تقدّم أولويات الخطيب بين كثيرٍ مما ثبت في اليقين أنها من الكبائر التي لا يقتصر الضرر من إتيانها على من يأتي بها، ولا فرق أن كان ذكراً أم أنثى، كالسارق والسارقة، والمرتشي والمرتشية، والزاني والزانية، وغيرهم كثيرون، بل يمتد ضررها للآخرين وللمجتمع بأكمله. إنما ما لفتني في الأمر هو لغة الخطاب المستخدمة والتي لا يفهم منها إن كانت للدعوة والترغيب أم أنها كما بدت، لتشنج اللهجة، كرأي شخصي أو اجتماعي حاد بحدية سلبية الصفات التي أطلقت بغير اعتبار للذائقة السويّة، ومقاييس الاحترام للآخر المختلف، وبعيدة كل البعد عن تعريف الخطابة على مر التاريخ بـ «أنها قوة تتكلّف الإقناع الممكن، وبأنها فن مشافهة الحضور للتأثير عليهم واستمالتهم».
يتحمل الخطباء وهم يعتلون منابر المساجد، مسئولية كبيرة في تشكيل فكر واعتقاد المتحلّقين حولهم، خصوصاً في مجتمعاتنا التي تربّت على الطاعة التامة وإلغاء الفكر، وأصوات العقل والمنطق والقلب. يبدأ الأمر بإصدار الأحكام على الآخرين وتصنيفهم في فئة الصواب والخطأ، ويتم التمادي حتى يتطوّر هذا التصنيف إلى فئات الفائزين بالجنة والذاهبين إلى النار، وكأن الحجب قد كُشفت لقراءة صحف الغيب، ويتراكم الشحن ضد الآخر المختلف، حتى لا يطيق المشحونون أن يعيشوا في كوكب واحد مع المختلفين عنهم. فلا نستغرب أن يأتي فيما بعد من يقطف هذا النتاج البشري الجاهز والمشحون ليس فقط كل من يخالفه العقيدة والرأي، وإنما بالاعتقاد بصواب تخطيئه أيضاً وإباحة القضاء عليه. فالآن، وأكثر من أي وقتٍ مضى، نحن بحاجةٍ إلى خطابٍ راقٍ يرتقي بجمهور السامعين والمستمعين، لدعوة كل من «ربّى» جيلاً من «المشحونين» أساء لأمة بأكملها في عين نفسها وأعين الآخرين، أن يتحمل مسئولية إقناع هذه الأمة للتنازل عن الاعتقاد بأنها، منفردة، صاحبة الحق في العيش، و«تعييش» الآخرين كما تعتقد أنه الحق والصواب.
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 5051 - الثلثاء 05 يوليو 2016م الموافق 30 رمضان 1437هـ
الاسلام ليس بالحجاب... ولا باللباس
الاسلام ب القلب والأعمال ... وفقك الله يا رااااائعة
جميل يا ياصديقتي. ان البوح في الكتابة يعامل الواقع بروح اكثر وضوحاً. مشكلتنا مع اامة البلاط. هؤلاء هم يباركون الشحن ويعممون الوهن في الأركان الخاوية. ينفرون من شذى ال....ومن جمال الصالح منها. لبقاءهم. لا لإعلاء كلمة الخالق. روعة مقالك. كعادتك.
اه يا اختي، وصفت وصف جميل جدا اعتدناه في فريق الحطب/فريق الفاضل، الكل يحب الكل والكل يهتم للكل، والروح بسيطة وسهله وجميلة . ماكان فيه شيوخ تزأر بالعذاب والنار وتكفر الاولي والتالي. ولا كان فيه سني وشيعي القصيبي وكانو وحميدان والعلوي والعوجان وضبيب، كلهم بيوت صف واحد والكل يحب الكل، اخ على هالزمن الجميل
كل عام وانتي بمليون خير..
ما فائده هناك منقبات يفجرون انفسهم لا يحكم الانسان في المظهر ويكفر ... ان الله لا يرى الى صوركم يرى الى قلوبكم ... كم بنت غير متححبة ايمانه يزن جبل واكثر من المتدينه ... التعصب لا يعجبني مع العلم كل اهلي متحجبات و زوجتي سعوديه و اما بحريني اقول لها لا نريد تتنقبي لكن هيه متمسكه بالنقاب و هذا حريه شخصية و ايضا الغير متحجبة حره و اللعمال بالنيات