تعد الطائفية أخطر أمراض العصر التي تؤدي إلى تدمير نسيج اللحمة الوطنية كما تدمّر الخلايا السرطانية جسم الإنسان وتفتك به. ومن المدهش حقاً هذا الاتجاه الغريب الذي عصف ولا يزال يعصف بالأمة الإسلامية وازداد شراسةً خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، والذي يفترض فيه انتشار العلم والثقافة وروح المدنية والتحضر والتسامح بين الناس في المجتمعات الإسلامية والعربية.
ومن الظواهر الغريبة التي ساهمت في إشعال نار الطائفية في العالمين العربي والإسلامي، الانحراف الشديد في استخدام وسائل الإعلام المرئي والمسموع والتي من بينها الصحافة، وكذلك سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبخاصة «الفيسبوك» و»التويتر» وغيرهما، حيث أخذ البعض يستغل هذه الوسائط من أجل بث سموم الطائفية دون وازع من ضمير، الأمر الذي يؤدي إلى شحن عقول الشباب بمفاهيم خاطئة تكون حصيلتها إشعال نارٍ تحرق الأخضر واليابس ولا تستثني أحداً.
إننا نشعر جميعاً في الوطن العربي، من محيطه إلى خليجه، بأن داء الطائفية أخذ يطلّ علينا، وقد جرف هذا الداء بعض الأقلام لتنشر مقالات تفوح منها نوازع طائفية، كما استغل البعض وسائل التواصل الاجتماعي ليستخدم عبارات طائفية تؤجّج في النفوس الحقد والكراهية، وهو الأمر الذي يؤدّي إلى تفتيت النسيج الوطني ويشعل نار الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
لقد تفهمت قيادتنا الحكيمة ممثلة في حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد إلى خطورة انتشار داء التفرقة، فأخذ جلالته يحثّ على الاتحاد والترابط بين أبناء المجتمع البحريني، كما طالب جلالته بأن تسود قيم التسامح بين الجميع. ففي لقاء جلالته مساء يوم الأحد 26 يونيو/ حزيران 2016 بالعلماء، قال جلالته: «إننا نعتز بعلمائنا الأجلاء وبخطابهم الوسطي الذي ينفع الناس في دينهم ودنياهم ويعزز اللحمة الوطنية والأخوة الإنسانية». كما أكد جلالته أثناء استقباله عدداً من العوائل البحرينية في يوم الثلثاء 28 يونيو 2016 على أهمية الوحدة والأخوة والتعاون بين جميع فئات المجتمع بقوله: «ونحن إذ نلتقي بكم في هذه الليلة المباركة، لنؤكّد على وحدتنا وأخوتنا وأهمية تعاوننا».
إن الحل الوحيد لمقاومة الطائفية والقضاء عليها هو تطبيق ما قاله جلالة الملك من أهمية وجود الخطاب الوسطي الذي يعزّز اللحمة الوطنية والأخوة الإنسانية. ومن هذا المنطلق فإن رجال الدين الذين يرتقون المنابر تقع على عاتقهم مهمة لمّ الصف والمحافظة على وحدة المجتمع من خلال خطاباتهم المتزنة.
إننا نناشد جميع خطباء المنابر من الطائفتين الكريمتين التصدي لداء الطائفية ونشر قيم التسامح والوحدة بين أبناء المجتمع. وإن الخطيب الذي سينادي في خطابه الوسطي بالوحدة ولمّ الشمل ونبذ الاصطفاف الطائفي سيلقى ترحيباً واسعاً من جميع أبناء المجتمع البحريني، وإن الألسن ستلهج بشكره والثناء عليه.
وإذا كان ذلك دور خطباء المنابر فإن دور الصحافيين لا يقل أهميةً عن دور خطباء المنابر. وسيجد الصحافي الذي يسخر قلمه من أجل وحدة الصف ونبذ الطائفية بأن مقالته ستنال انتشاراً واسعاً بين الناس، وسيكون محل تقدير واحترام الجميع، بل إن مقالته ستتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي وستنتشر بصورة واسعة تعميماً للفائدة.
لقد كانت صحافتنا التي صدرت في الثلاثينيات والخمسينيات من القرن العشرين، وهي البدايات الأولى لصحافتنا المحلية، تمقت الطائفية بشكل مشرّف لدرجة أنها لم تنشر أية مقالة يشم منها رائحة الطائفية، بل على العكس من ذلك كانت تطالب بوحدة المجتمع والاعتصام بحبل الله، الأمر الذي جعلها مثالاً يحتذى به.
علينا أن نعتز ونفخر بكبار أدبائنا وصحافيينا وكتابنا ومفكرينا الذين كان همّهم الوطن ونشر قيم التسامح ونبذ الطائفية من أمثال: إبراهيم العريض، وأحمد محمد آل خليفة، وحسن جواد الجشي، وعلي سيار، والمفكر العربي الكبير محمد جابر الأنصاري، وتقي البحارنة، وأحمد سلمان كمال، الذين يمثلون ذاكرة الوطن بصورة جلية. فقد كانت إبداعاتهم في الشعر والأدب والفكر والصحافة محل اهتمام النخب المثقفة على المستويين المحلي والعربي. وإنني اعتز كثيراً بهؤلاء الكبار حيث كان لي شرف إصدار كتاب عن كل واحد منهم عرفاناً بدورهم الكبير والمؤثر على الساحة الفكرية والأدبية في الوطن العربي.
هؤلاء نشروا نتاجاتهم الفكرية المتنوعة والمتنورة في صحافتنا المحلية بدءاً من صحافة خمسينيات القرن العشرين وحتى العقد الأول من الألفية الثالثة، وقد وظّفوا أقلامهم لخدمة الوطن والمواطن، ونشر قيم التسامح والألفة والمودة بين الجميع حفاظاً على اللحمة الوطنية. فقد ساهموا مساهمةً فاعلةً في بناء الوطن، فكانت مقالاتهم النيرة تزيّن صفحات جرائدنا في الماضي. فعلى سبيل المثال لا الحصر كتب الأستاذ حسن جواد الجشي مقالة رائعة في محاربة الطائفية نشرتها مجلة «صوت البحرين» في عددها الثاني الصادر في ذي الحجة 1369هـ/ 1951م، أي منذ 65 سنة، بعنوان «الطائفية علتنا الكبرى». كما كتب الأستاذ علي سيار والأستاذ محمود المردي عدة افتتاحيات في صحافة الخمسينيات والستينيات هاجما من خلالها الطائفية والتطرّف والتعصب الأعمى.
ولربط صدر الكلام بعجزه، فإن محاربة الطائفية وبناء اللحمة الوطنية والمحافظة على النسيج الوطني، يحتاج إلى تضافر جهود جميع أبناء المجتمع، إلا أن العلماء وخاصة رجال الدين من خطباء المنابر وكذلك الصحافيين وبخاصة كتاب الأعمدة والمقالات وجميع نخب المجتمع المثقفة، الذين يكتبون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تقع على عاتقهم المسئولية الكبرى في تنوير أفراد المجتمع بأهمية الاتحاد ونبذ التفرقة ومن ثم القضاء على الطائفية لتبقى مملكتنا العزيزة دار المحبة والألفة والسلام في ظل قيادة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد الذي تبنّى مشروعاً إصلاحياً نتج عنه ميثاق العمل الوطني الذي شدّد على وحدة المجتمع ورص الصفوف والتحلي بقيم التسامح والوسطية والاعتدال للمحافظة على اللحمة الوطنية. وبهذا يكون التمسك بميثاق العمل الوطني من قبل أبناء البحرين هو سفينة نجاة المجتمع البحريني، وهو مصدر عزتنا وكرامتنا، وأهم وسيلةٍ لوحدة كلمتنا ورص صفوفنا.
اختم مقالي بأبيات للإمام الشافعي رضوان الله عليه هي في الواقع خلاصة ما أصبو إليه:
إذا نحن فضّلنا علياً فإننا
روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل
وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته
رُميت بنصبٍ عند ذكري للفضل
فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما
بحبيهما حتى أوسد في الرمل.
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 5049 - الأحد 03 يوليو 2016م الموافق 28 رمضان 1437هـ
للاسف حين صمت المبدأيون تصدر في المجتمع أنصاف المثقفين، ولو تساوت فرصة الطرح لكل الاطراف لاظهرت كم من العورات في الكلمات المركبة اعلاه
رجال الدين هم السبب في نشر الطائفية لذلك لا يمكن لهم حل هذه المشكلة الحل هو بمنع رجال الدين من التدخل في الشأن العام و السياسة و الاقتصاد بشكل خاص
اللهم اقطع كل يد تزرع بذور الطائفية ، وكل لسان ينطق بالطائفية ، وكل من يسعى للتفريق بين بني البشر .
إنها الأيدي الخبيثة الذاكرة والمستشارة والهدامة والمنافقة عودوا إلى الله وعافنا المعاد.
ليس هناك مشكل طائفي في العالم الأسلامي وأنما هو مشكل سياسي بحت والمثال على ذلك التعايش بين السنة والشيعة في الدول الغربية من دون أية مشاكل ولكن في الوطن العربي يكون الصراع على المصالح والمناصب ...