تحت رعاية عميدة كلية الآداب بجامعة البحرين هيا بنت علي النعيمي نظمت اللجنة الثقافية بكلية الآداب محاضرة بعنوان «نقد النقد، حوارية حول مناهج النقد الحديث» تحدث فيها أستاذ النقد والنظرية بجامعة الملك سعود عبدالله الغذامي، والناقد والمستشار الإعلامي محمد البنكي.
وتحدث الغذامي عن حال النقد ووصفه بأنه مختلف عما كان في السنوات الماضية، فاختلفت معه طرق البشر، وتحولت مقولة (الحاجة أم الاختراع) إلى (الحاجة أم المخترعات)، مستشهدا بمثال الهاتف النقال الذي أصبح يستبدله الناس بين عام وآخر دونما احتياج اضطراري، متسائلا إن كانت النظرية دخلت في سياق الاختراع أم الحاجة، على اعتبار أن النظرية الصالحة التي تؤدي دورها في السابق ما عادت تصلح في وقتنا الحاضر.
ويعتقد الغذامي أن النقطة الفاصلة كانت في اكتشاف (البنية) وهي معروفة منذ زمن بعيد، وفي حياة البشر كلهم لن يستقيم لإنسان أمر إلا إذا عمل ببنية ذهنية، وأشار إلى أنواع البنيويات التي يعتمد عليها في كل شي، وأخذت البنيوية دورا كبيرا بحيث تشبع الكون كله من هذا المصطلح، وتحول عالم النقد كله من عالم الرومانسية والسريالية والتحليل والرمزية إلى البنيوية، لكن كحال أي أمر إذا بلغ مبلغا عاليا في مفعوليته يبدأ يقارب حال التشبع، وأن أي نظرية تلامس التشبع تبدأ حينئذ في الذوبان، وتبدأ بإعطاء نتائج مماثلة لما كانت تعطي في السابق، فتبدأ بتضعيف وهجية الجديد، ويرجع بذلك إلى عقلية الموضة التي تسيطر على مسار تفكير البشر ومن هنا جاءت ضرورة ما بعد البنيوية التي هي نقيض البنيوية.
وأوضح الغذامي أن نقض البنيوية يقوم على كشف البنيوية، فبالتالي النقيض عزز من مفهوم البنية في حين أنهم ينقضون البنية، وصارت هناك مدرستان، واحدة لنقض البنية والأخرى تنقضها من أجل إعادة بنائها مرة أخرى وهي الأكثر فاعلية وأكثر إيجابية، وظل الأمر يسير على هذا المسار لكن مع الزمن جرت اكتشافات أخرى تفتح مجالات أوسع وأكثر تحديا، وهي نصوص لعلامات ثقافية، فلم تعد النصوص تلك المتعارف عليها بصيغتها التقليدية من شعر ونثر وحكاية وغيرها، بل أصبح الكون كله نصوصا بدءا من اللباس والخطاب السياسي وأحلام اليقظة والمنام والاستجابات للأحداث التاريخية.
وبين الغذامي أن كل أفعال البشر تقوم على البنية ولابد أن هناك شيء ما يحركها ومن هنا جاء مفهوم النسق وهو أن الحياة البشرية كأفراد أو جماعات أو تاريخ تخضع إلى نوعين من الأنساق، نسق واعٍ يؤلفه الإنسان ويشتغل على مستوى العقل وينتجه ويستقبله ونبني خططنا عليه وتصرفاتنا، وهناك نسق مغمور تؤلفه الثقافة وهو مصاحب للنسق الواعي ولا يمكن السيطرة عليه وهو حس موروث متوارث على مدى السنين والثقافات، والإشكال أن النسقين لا يمكن أن يسيرا في مسار واحد وكلاهما ينقض الآخر. وبين أن الإنسان، بما أنه إنسان، ففي كثير من حالاته لا يفهم نفسه ويتصرف تصرفات ويكتشف بعد زمن أنها غريبة على نفسه وإن كانت صادرة منه، والسبب أن الذي يجري فيه هو نتاج النسقين (الواعي والمغمور)، وأن الثقافات تحمل فيروسات قديمة داخل الكلمات والصور وداخل الرؤى والعواطف المتوارثه كما نتوارث الألفاظ، والأخطر توارثنا للمعاني والنسق، ولا جدال في أننا نتوارثها وأنها لا تنتمي إلينا، وبذلك جرت إحالتنا إلى لفظ قديم ورثناه ومعنى قديم فهمناه وتصور بلاغي اسمه كناية أغلق فهم المجاز، فعلم البلاغة قائم على ذلك، ودخل العلم في نظرياته وأفكاره وتطوراته إلى النسق الثقافي العصري وهو نسق قصيرالمدى.
بعدها تحدث الناقد والمستشار الإعلامي محمد البنكي عن نقد النقد في الساحة العربية، موضحا أن الناقد في السابق كان هو الحد الفاصل في الأمر، وجاء نقد النقد لأن سلطة الناقد سلطة نسبية. وأشار البنكي إلى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التي قامت قبل سنوات بتدشين مشروع لإنشاء موسوعة أعلام العرب والمسلمين جميعا، وبعد البحث ظهر أن عدد النقاد العرب على امتداد القرون أقل مما توقعوا، موضحا أن نسبة 25 في المئة من مجموع هؤلاء النقاد كانوا في القرن الرابع الهجري، وفي المقابل 25 في المئة من هؤلاء النقاد كانوا في نهاية القرن العشرين، والـ50 في المئة الباقية تتوزع بين القرن الرابع الهجري والقرن العشرين الميلادي. كذلك وجدوا أن هناك علاقة جدلية بين النقد والإبداع، فحيثما يزدهر النقد يزدهر الإبداع، وأن فترة ازدهار النقد المشار إليها في الدراسة (القرن الرابع الهجري ونهاية القرن العشرين) كانت أكثر القرون في تاريخ الحضارة العربية اتصالا بالثقافة الأجنبية. وبين البنكي أنه حينما يتحدث عن نقاد القرن العشرين فليس بالضرورة أن يكونوا من مواليد هذا القرن، متطرقا إلى الكوكبات التي شملت تلك الأجيال مقسما إياها إلى أقسام ثلاثة، موضحا أن الجيل الأول في القرن العشرين انطلق من منظور جديد في الأدب والثقافة من إعادة صياغة التراث القديم في ضوء مناهج جديدة، ووضعوا مخططات أولى لتواريخ الأدب العربي وأبرزها في الأدب العربي، ومع هذا الجيل بدأت تتضح الأجناس الأدبية مثل القصة والمسرح، بعدها جاء جيل الخمسينيات الذي بدأ يعمل بصورة أغزر على هذا التخصص وانقسموا إلى قسمين، قسم النقد المحترف الذي تخصص في الصحافة، وقسم أساتذة جامعة تخصصوا في السياسة، وفي جيل السبعينيات تمحورت كثير من قضاياه على المناهج الجديدة ومناقشة البنيوية والذي نشأ فيها الغذامي.
العدد 2470 - الأربعاء 10 يونيو 2009م الموافق 16 جمادى الآخرة 1430هـ
شكرا
شكرا أستاذي الفاضل