دعونا نرجع بالذاكرة قليلاً. ففي الـ 22 من أكتوبر/ تشرين الأول 2008م بثت قنوات تلفزيونية هندية مشاهد فرح عارمة من داخل قاعة كبيرة مليئة بشاشات ضخمة وأجهزة بث دقيقة. تلك المشاهد تعود إلى علماء فضاء هنود وهم يُصفقون مبتهجون أثناء رَمقِهِم صاروخاً عملاقاً يحمل مركبة فضائية أطلقوها توّاً في ذلك التاريخ. وقد كَتَبَتْ إحدى تلك القنوات على شاشتها عبارة لافتة: «الوجهة القمر.. يوم تاريخي للهند». وهو فعلاً يومٌ هام في تاريخ الهند التي ما زال البعض يعتقد خطأً أنها فقط تُنتج 1100 فيلم سينمائي في العام، أو أنها تُصدِّر 70 في المئة من بهارات العالَم.
أذكر هذا وقد قرأنا قبل أسابيع خبر إطلاق الهند 20 قمراً اصطناعياً دفعة واحدة ليصبح مجموع ما أطلقته حتى الآن 113 قمراً اصطناعياً. وقد وصف رئيس المنظمة الهندية لأبحاث الفضاء كيران كومار تلك المهمّة بأنها أشبه «بتحرير سرب من الطيور في الفضاء». لكن ما يُلفِت في الأمر أن 74 قمراً من تلك الأقمار هي لصالح جهات غير هندية، بل إن أغلبهم أميركيين، أي أن المسألة لها بُعد تجاري. والهند تعلم أن صناعة الفضاء تُشكِّل سوقاً مُربحة حيث بات حجمها 300 مليار دولار.
قبل 7 سنوات، كَشَفَتْ الهند للعالم أمراً مهماً بعيداً عن لحظة انبهار الصورة التي أشرنا إليها، وهو اكتشافهم ثلوجاً موجودة على سطح القمر. فقد ذكرت إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) أن جهازها M3 والمعني بكشف المعادن قد وجَدَ جزيئات من الماء في كل أنحاء سطح القمر، لكن المهم من كل ذلك هو معرفة أن الذي صنع ونقل ذلك الجهاز هم الهنود وعبر مركبة فضاء هندية اسمها «شاندرايان» وهي تتبع منظمة بحوث الفضاء الهندية. كانت صناعة هندية خالصة أثارت الإعجاب.
وفي الوقت الذي كان فيه جيم جرين وهو مدير إدارة علوم الكواكب في وكالة ناسا يقول بأن: «ثلوج المياه على القمر أصبحت شيئاً من الكأس المقدسة بالنسبة للعلماء المعنيين بشؤون القمر»، نرى أن الهند في الجهة الأخرى قد تجاوزت معرفة وجود ذلك الماء أو وجود هيدروكسيل في القمر، أو استخدام جهاز اسبكتروميتر لكسر الموجات الضوئية وتحليل العناصر والمواد الكيميائية المنعكسة للتعرف على المياه (كما قيل) إلى شيء أكبر! تُرى ما هو؟
لقد كانوا يبحثون ومنذ نوفمبر 2008م عندما أرسلوا (وبنجاح) مجسّاً للقطب الجنوبي للقمر عن أحد أهم النظائر النادرة للغاية في كوكب الأرض وهو (هيليوم ثري) والمستخدَم في عملية الاندماج النووي. لقد ظهر للهنود أن جميع الأبحاث العلمية تشير إلى أن القمر يضم كميات أكبر مما هو موجود في الأرض، لكن تبقى عملية الحصول عليه واستخراجه معقدة وتحتاج إلى تجارب مُعمَّقة.
واليوم، عندما تُطلق نيودلهي عشرين قمراً اصطناعياً قبل أيام، فهو ليس بغريب عليها، لأنها كانت وقبل سبعة أعوام قد أرسلت عشرة أقمار اصطناعية في مدار بصاروخ واحد، حيث بقيت عامين وهي تبحث عن الماء والمعادن النفيسة. وللعلم فإنهم (أي الهنود) وقبل عامين أطلقوا مسباراً في مدار حول كوكب المريخ ونجحوا في ذلك من المرة الأولى، وبتكلفة «تعادل نحو عُشْر تكلفة أحدث مهمة أميركية للمريخ» وهو ما يعني أنهم باتوا في منافسة قوية مع الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا، ما جعلها الدولة «الأصلح» والأكثر «زخماً» كي تَلِجَ النادي الثلاثي: أميركا وأوروبا وروسيا.
الحقيقة وأمام هذه الحقائق في بلد متطور وفي منطقة وسيطة من عالمنا العربي يدفعنا بالضرورة كعرب للتفكير في العلاقة معه جيداً. فالهند بلد ضخم وبه عمالة كبيرة وسوقه كبيرة. وقد أظهرت الاحصائيات أن الشعب الهندي يُشكِّل 17.5 في المئة من سكان العالم. وهو قطبٌ وازن في قارة آسيا، ويحظى باحترام أغلب الدول في العالم، وبالتحديد الدول الأساسية في التكتلات الاقتصادية، وهو ما يجعله مؤهلٌ لأن يُستَفادُ منه من قِبَلنا كعرب.
تاريخياً كان بين الهند وبيننا وشائج قوية، مُدَّت عبر جنوب الجزيرة العربية منذ آلاف السنين. فالصلات العربية الهندية جذَّرها التبادل التجاريّ والثقافي منذ ما قبل الإسلام، وتوطّدت بعد ظهوره ودخول الدين إلى ذلك البلد. وقد كتب في ذلك السيد سليمان الندوي بحثاً جيداً ومفصلاً. وللعلم فإن عدد المسلمين في الهند يصل إلى 170 مليوناً و400 ألف نسمة. ما يعني أن للعرب عمقاً ثقافياً مشتركاً مع ذلك البلد. وهو أمر «قد» يكون غائباً عن الكثيرين مع الأسف.
نعم، قد تكون مسألة تجسير العلاقة مع الهند تعني أشياء أخرى بالنسبة لبقية العلاقات الأخرى في آسيا، سواء مع الصين أو اليابان أو باكستان بل وحتى روسيا ومنطقة النمور، لكن ما يجب أن يُفهَم لدى كل تلك الدول، أن المصالح التي قد تجمع العرب والهنود لكنها لا تعني أبداً أنها خصومة مع أحد، بل ربما تصبح عاملاً مساعداً لتسوية مشكلات أخرى يكون العرب وسيطاً فيها.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5047 - الجمعة 01 يوليو 2016م الموافق 26 رمضان 1437هـ
إلى الكاتب العزيز: جميع الرحلات الفضائية إلى القمر بواسطة الأمريكان أو غيرهم غير ممكنة وكلها أكاذيب، والهنود أيضاً لا يستطيعون ذلك.
هل هذا تعليق صحيح ...
يتبع
اقرأ عن تاريخ المسلمين في الهند وكيف الاوربيين و الانجلينز بالذات فعلوا فعلتهم لتحويل الهند هذه القوة الاسلامية الى الالاف المذاهب والملل وخربوا البلد واول ما فعلوه عند الاستعمار خربوا اكبر اسطول بحري للتجارة والحرب والدفاع عن بلدهم لدى الهنود في وقته ، وقصة الملك المسلم وبناء تاج محل شاهد عيان عن اصالة الاسلام في الهند .
والان حاضرا نلاحظ ان آباء واجداد اوباما الرئيس الحالي كانوا مسلمين وفيلم الجذور الموثق كشف ان غالبية الامريكان السود كانوا مسلمين والكثير و.... .
اصلا الهند والفلبين ونيجريا و.... وكثير من الدول كانوا اغلبهم مسلمين
لكن الحملات التنصرية واستغلال الفقر والعوز وعدم اكتراث ......في ذلك الوقت فقط كانوا يجمعون الغنائم والقينات ويتركون حاجة الناس لذلك ترك التنصير اثره في الدول الاسلامية وتحولت الي التنصير والمذاهب الاخرى غير الاسلامية وراجع التاريخ تجد العجب العجاب من المصائب وما فعله والاوربين من اغراءات لتحويلهم عن الاسلام القوي والوعي ولاغراض سياسية،
شكراً
ثقافة الهنود في عدة مجالات متطوره كالطب والدراسه في جامعاتهممن زمن الستينات وهي دوله ديمقراطيه ومنفتحه