تنتظر محمية رأس سند توفير موازنة، واتخاذ إجراءات عاجلة وجادَّة، وتكاتف جميع الأطراف المعنية، الرسمية والشعبية، من أجل إنقاذ المحمية من الاحتضار.
كانت هذه خلاصة جولة قامت بها «الوسط»، الأسبوع الماضي، بمشاركة مجموعة من مسئولي «المجلس الأعلى للبيئة»، و«جمعية البحرين للبيئة»، من أجل الوقوف على أوضاع هذه المنطقة الحيوية التي تشكّل جيباً بيئيّاً مهمّاً داخل خليج توبلي الشهير.
سند - قاسم حسين
تنتظر محمية رأس سند توفير موازنة، واتخاذ إجراءات عاجلة وجادَّة، وتكاتف جميع الأطراف المعنية، الرسمية والشعبية، من أجل إنقاذ المحمية من الاحتضار.
كانت هذه خلاصة جولة قامت بها «الوسط»، الأسبوع الماضي، بمشاركة مجموعة من مسئولي «المجلس الأعلى للبيئة»، و«جمعية البحرين للبيئة»، من أجل الوقوف على أوضاع هذه المنطقة الحيوية التي تشكّل جيباً بيئيّاً مهمّاً داخل خليج توبلي الشهير. وتم الترتيب لهذه الرحلة بعد أسبوعين من المتابعة مع إدارة الأرصاد الجوية، لمعرفة حركة المد والجزر، لتحديد الوقت المناسب للإبحار، نظراً إلى انخفاض مستوى الماء في الأوقات العادية وتعذر الوصول إلى عمق المحمية.
في استطلاع سابق، ألقينا الضوء على أوضاع المحمية، كما تبدو من الساحل، حيث تتعرّض أطرافها لزحف عمليات الدفن، نتيجة تمدّد مشروع إسكاني، بالإضافة إلى إلقاء كميات كبيرة من النفايات ومخلفات البناء والأخشاب والأكياس والقناني البلاستيكية. وقد تبنى المجلس الأعلى للبيئة موضوع إزالتها فخاطب الجهات المختصة، فشرعت بإزالة الكثير من هذه المخلفات.
في الجولة الجديدة، تمت زيارة موقعين للمحمية، من جهة البر، حيث وقفت عدسة «الوسط» على الوضع البيئي المتدهور في المنطقة، إذ تتعرض لإلقاء كميات من النفايات ومخلفات البناء، وأشار مفتشو المجلس الأعلى المرافقون لنا، إلى شحنةٍ من المخلفات والأنقاض، تم إخراجها من مجرى الماء. وأكّدوا في حديثهم ضرورة التزام الوعي لدى الأهالي للحفاظ على نظافة البيئة، بالإضافة إلى ضرورة رصد ومحاسبة سيارات تفريغ المجاري التي لا يتورع بعضهم في إفراغها في هذا المصب، فتزيد من تلوث المياه وتبعث على نشر الروائح والأمراض.
الوصول إلى هذا الممر الذي لا يتسع لأكثر من سيارة، يمر عبر أراضٍ ترابيةٍ غير ممهدة، كثيرة المطبات، وتعبر بجانب قنوات زراعية قديمة، متصلة ببعض بقايا المزارع حاليّاً. وكانت المياه راكدة خضراء، تحتاج إلى جهد كبير لتنظيف مجاريها لضمان تدفق المياه.
بعد الانتهاء من الجولة البرية، انتقلنا من قرية سند إلى جزيرة النبيه صالح، حيث كان ينتظرنا طرّاد، أقلَّ المجموعة المكونة من عشرة أشخاص، ناحية المحمية، للاطلاع على واقع المنطقة من الداخل.
مع الاقتراب من مدخل المحمية، خفف السائق السرعة، وكانت تنتصب شجرتان على الجانب الأيمن، ووجّه مقود الطراد ليمرق داخل هذه المنطقة الغنية بأشجار القرم.
المنطقة التي زرناها قبل عشرة أعوام، اكتشفنا أن لها مدخلين، الأول على اليمين، ويمتد إلى مسافة تصل إلى كيلومتر واحد، وكلما توغلنا ازدادت كثافة الأشجار، وزاد ارتفاعها، حيث يبلغ بعضها قرابة الأربعة أمتار، بينما تغوص جذورها في الماء مترين آخرين، وقد أثمر الكثير منها أزهاراً صفراء، ذات رائحة زكية طيبة، يعبق بها المكان.
المنطقة أكبر مما تبدو للناظر من الوهلة الأولى، فبينما تمتد القناة حوالي كيلومتر طولاً، فإن عمقها يقارب 500 متر، حيث تتوالى صفوف الأشجار وراء بعضها بعضاً.
مع الاقتراب من نهاية الممر الأول، يعود القارب مرةً أخرى، ليدخل الممر الثاني، وكانت القناة أقصر طولاً، وأكثر ازدحاماً بالأشجار، فلم يوغل فيه القارب كثيراً، لكنه كشف الحاجة إلى ضرورة عملية التنظيف للمنطقة الواقعة على شكل حرف (S)، من أجل ضمان تدفق المياه وتجديد الحياة للقناة، وإعادة تأهيلها، وتعميق المنطقة الجنوبية، لضمان عدم تحوّلها إلى مستنقعٍ آسن وبؤرة تجمع للكلاب الضالة والقوارض والفئران والحشرات الضارة.
رئيس المجلس الأعلى للبيئة محمد بن دينة، الذي رافقنا في الجولة، أكّد حرصه على العمل على إنقاذ المحمية، وأشار إلى أن الخطوة الأولى هي تعيين حدودها على الأرض، ليمكن إقامة حاجز شبكي حديدي لحمايتها من التعديات، مع التنسيق مع الجهات الرسمية الأخرى كالبلديات والزراعة والإسكان، فضلاً عن الداخلية لتأمين الرقابة المطلوبة لحمايتها. وأكد أهمية عمليات التنظيف وتأهيل القنوات ومواصلة الاستزراع، وخصوصاً أنها منطقة واعدة وذات إمكانيات بيئية وسياحية واعدة.
المنطقة من أجمل المناطق الطبيعية المحمية رسميّاً في البحرين، وحين تزور الوفود البيئية البحرين، يحرص المجلس الأعلى للبيئة على اصطحابهم إليها، حيث يعبّرون عن اندهاشهم لوجود هذه المنطقة الجميلة كأنها قطعة من الغابات. وفيها طرق فرعية داخلية، بعضها كان سالكاً لكنه الآن أصبح مسدوداً نتيجة عدم الاهتمام أو عدم توافر الإمكانات.
وأشار بن دينة إلى وجود مشتل أعد لاستنبات نبات القرم لإعادة زراعته في المنطقة أو مناطق أخرى، بدل استيراده من دول أخرى كما حدث سابقاً. لافتاً إلى تجارب ناجحة في إعادة زرع أشجار القرم في دوحة عراد بالمحرق، ، وعند نادي الضباط في جزيرة النبيه صالح والأخير لم يستكمل النجاح.
وأكد بن دينة ضرورة توافر موازنة ومساندة من قبل الجهات الرسمية الأخرى، «فالمسئولية مشتركة، وإمكانياتنا محدودة، وبالتالي نحتاج إلى تعاون الجميع، إلى جانب دور المجتمع المدني، من أجل النجاح في هذا المشروع الوطني للحفاظ على محمية رأس سند».
الفلامنجو وأعشاش الطيور
بينما يمر القارب مجتازاً القناة ومن حوله الأشجار الخضراء، تتردد صيحات الطيور البحرية والحمام والفلامنجو، التي اتخذتها ملاذاًً، وأقامت فيها أعشاشها. وتشاهد بين فترة وأخرى يقفز أحد هذه الطيور المهاجرة من فوق أغصان شجرة ليحط فوق غصون أخرى.
المفتش بالمجلس الأعلى للبيئة علي شعيب، تحدث عن أهمية تعاون الأهالي أيضاً، وخصوصاً في المناطق القريبة من الساحل، وضرورة المحافظة على هذه الثروة، التي تتعرض للهدر، واستشهد بالتعاون مع وزارة الداخلية، بعد تلقي بلاغات من الأهالي بوجود مجموعة تقوم بصيد طيور الفلامنجو، فتصدى لهم خفر السواحل بالملاحقة. كما تتم متابعة الطيور المعروضة للبيع بطرق غير شرعية في وسائل التواصل الاجتماعي، ومتابعتها مع قسم الجرائم الالكترونية.
وأشار شعيب إلى إزالة كميات من المخلفات والأوساخ من إحدى القنوات مؤخراً، ووجود خطة لإعادة تأهيلها، باستنبات ألف شتلة وإعادة زراعتها لتستبدل بها النباتات الميتة، مشيراً إلى الاستفادة من تجربة الأشقاء في سلطنة عمان، الذين عملوا بدأب على زيادة انتشار نبات القرم، مؤكداً أن تجاربنا في البحرين مشجّعة.
الأخصائي الأول بالمجلس علي عبدالله، تحدّث عن فكرة المشتل التي بدأت بإمكانيات بسيطة، بالتعاون مع البلديات، بحيث يكون صغير الحجم ويمكن نقله من مكان إلى آخر. وذكر أن هناك 80 نوعاً من أشجار القرم، والموجود في البحرين والخليج هو القرم الأسود (Avicennia marina).
وأضاف «تبنّت قرينة عاهل البلاد الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة المشروع بعد الاطلاع على إنتاجنا في المعرض الزراعي، وقدّمت لنا دعماً معنويّاً وماديّاً مهماًّ، بعدما قدمنا اقتراحاً بمشروع عمره ثلاث سنوات.
وطرح فكرة الشراكة مع الشركات في موضوع الاستزراع، كأحد المخارج والحلول للمشاكل التي تعاني منها المحمية، فضلاً عن تأهيل قنوات الصرف الزراعي، بالتعاون مع البلديات والطرق والمجاري والتخطيط العمراني.
المحمية تحتاج إلى جهودٍ كبيرةٍ للحفاظ على وجودها، ورغم وضعها الحالي إلا أن هناك عوائل وسياحاً بحرينيين وأجانب يقصدون زيارتها، وهو أمر يحتاج إلى معرفة أوقات المد التي تساعد على الوصول الآمن إلى أعماق هذه البقعة الجميلة الواقعة في خليج توبلي المعلق على صدر البحرين.
العدد 5047 - الجمعة 01 يوليو 2016م الموافق 26 رمضان 1437هـ
ويش ليكم تذكرونا بالارض ترى مساحة كبيرة و متوسط ٢٦.٥ للقدم في سند!!!