توفي في وقت متأخر من يوم الاثنين الماضي (28 يونيو/ حزيران 2016) المفكر آلفين توفلر Alvin Toffler، مؤلف كتابَيّ «صدمة المستقبل» الذي صدر في 1970، و «الموجة الثالثة» الذي صدر في العام 1980، والعديد من الكتب الأخرى، عن عمر ناهز 87 عاماً في منزله بلوس أنجليس بالولايات المتحدة الأميركية. وكما أشارت «بي بي سي» في تقرير لها، فإنّ توفلر يُعتبَر واحداً من أبرز المستشرفين للمستقبل في العصر الحديث، وكان كبار القادة العالميين والأثرياء يسعون للاستفادة من مشورته، وذلك بفضل كتاب «صدمة المستقبل» الذي بحث فيه موضوع التغيير الاجتماعي المستقبلي في دول العالم المتحضر تحديداً، وكتبه الأخرى التي كتبها بالاشتراك مع زوجته هايدي.
وأضاف تقرير «بي بي سي»: توفلر تنبّأ بدرجة كبيرة من الدقة بالتطورات الاقتصادية والتكنولوجية الحديثة - بما فيها بزوغ ونمُوّ علم الاستنساخ والحاسوب الشخصي والإنترنت - إضافة إلى التأثيرات الاجتماعية التي ساعدت هذه التطورات في ظهورها ومن ضمنها العزلة الاجتماعية وانهيار دور الأسرة البيولوجية وزيادة معدلات الجريمة واستخدام المخدرات، وتغيير القيم الاجتماعية والأخلاقية السائدة. وألهمَت كتابات توفلر العديد من القادة والزعماء ومنهم آخر رؤساء الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف ورئيس الحكومة الصينية الأسبق زهاو زيانغ، ورئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد. كما يعترف بفضله الملياردير المكسيكي كارلوس سليم في مساعدته على التنبُّؤ بالفرص التجارية المستقبلية والتعرُّف إليها.
استخدم توفلر تعبير «صدمة المستقبل» في مقال كتبه العام 1965، وقال إن الشعور المتزايد من القلق الناجم عن وتيرة محيّرة ومتسارعة تشير إلى أن الحياة ستتغيّر بصورة جذرية. لقد شخص توفلر الاتجاهات المستقبلية، وانعكاسها على الأحداث التي مرّت في ستينات القرن العشرين، من الاحتجاجات إلى الحروب إلى ارتفاع مُعدَّل الطلاق، واعتبرها أعراضاً لتغيُّر الدورة التاريخية التي تؤثر على كل جانب من جوانب الحياة. بعد ذلك أصدر في 1970 كتابه الذي حمل عنوان «صدمة المستقبل».
وفي كتابه «الموجة الثالثة»، الذي صدر العام 1980 أشار توفلر إلى ثلاثة أنواع من «الموجات»، وكُلُّ موجة تدفع نحو تكوين نمط مُعيَّن من المجتمعات والثقافات، وعندما تحدث الموجة تزيح الثقافة القديمة جانباً. وقال إنّ «الموجة الأولى» كانت تلك التي جاءت بالمجتمع الزراعي (امتدت فترته آلاف السنين حتى القرن السابع عشر الميلادي)، وكيف استبدلت الحياة الزراعية مجتمع الصيد والثقافات البدائية التي سبقتها.
ثم بعد ذلك جاءت «الموجة الثانية» وجاءت بالمجتمع الذي أنتجته الثورة الصناعية من أواخر القرن السابع عشر إلى منتصف القرن العشرين. وقال توفلر إنّ المكونات الرئيسية للمجتمع في الموجة الثانية هي الأسرة البيولوجية، ونظام التعليم الموجّه، وبروز دور «الشركة» بصورتها الحديثة. توفلر قال إنّ الموجة الثانية اعتمدت على تضخيم الإنتاج الذي يصل للجميع mass production، تضخيم التوزيع mass distribution، تضخيم الاستهلاك mass consumption، تضخيم التعليم mass education، تضخيم وسائل الإعلام mass media، وُصولاً إلى إنتاج أسلحة الدمار الشامل mass destruction. وقال إنّ هذا التضخيم للوصول إلى الجميع mass احتاج إلى وضع المعايير والمقاييس الموحَّدة، واحتاج إلى الصرامة والمركزية في التنظيم، وأدى الى بروز «البيروقراطية» التي تحكمت في المجتمع الصناعي بصورة قد لا تكون مناسبة.
بعدها، بحسب توفلر، جاءت «الموجة الثالثة»، وهي مستمرة منذ أواخر خمسينات القرن العشرين، وهذه الموجة حدثت عندما بدأ المجتمع الصناعي يتحوّل إلى «مجتمع ما بعد الصناعة»، وهو مجتمع يعتمد على «المعرفة» كمورد أساسي، وهذا هو المجتمع الذي أطلق عصر المعلومات، وعصر الفضاء، والقرية العالمية، وهو عصرٌ لا يؤمن بالتضخيم في الإنتاج والتوزيع وغيرها، وإنما يركز على التنوُّع والجودة والذوق، والإنتاج المعرفي، والقدرة على التجاوب مع تسارع التغيير «غير الخطي»، ويقصد بذلك التغيير الذي يمكن أن يعود بالإنسان إلى الوراء، أو يدفعه إلى الأمام، أو يأخذ به يميناً ويساراً.
وقد أشار توفلر إلى أنّ في «مجتمع ما بعد الصناعة» تنتشر مجموعة متنوعة وواسعة من أنماط الحياة و «الثقافات الفرعية»، وأنّ المؤسسات تتجه نحو المرونة والتخصص Adhocracy وذلك من أجل التكيُّف بسرعة مع التغيُّرات. كما قال إنّ المعلومات يمكن أن تكون بديلاً عن الموارد المادية، وأنّ «طبقة الأيدي العاملة»، أو البروليتاريا، تم إستبدالها بطبقة أخرى تتكوّن من ما أسماه بـcognitarian، أي «طبقة العقول العاملة»، وهو مصطلح استخدمه للتعبير عن العامل الذي يستخدم المعرفة cognition، وهو مصطلح مشابه لما طرحه دراكر بشأن عمّال المعرفة knowledge worker.
وقال توفلر إنّ المنتج سيصبح أيضاً مستهلكاً، ودمَج الكلمتين في مصطلح جديد أسماه «Prosumers»، وذلك لأنّ التكنولوجيات الجديدة ستُحدث انصهاراً جذريّاً بين المنتج والمستهلك، وأحياناً فإنّ هذا سينطوي على توكيل العمل للآخرين outsourcing، أو الاعتماد على الأتمتة automation بحيث يستطيع المستهلك القيام بالعمل بنفسه... كما لو أنّ الفرد (المستهلك) ذهب إلى الصرّاف الآلي بدلاً من الذهاب إلى الموظف في المصرف، أو تتبّع أين وصل الطرد البريدي عبر الإنترنت بدلاً من التواصل مع موظف جالس في مكتب.
توفلر تحدّث أيضاً عن متطلبات مناهج التعليم في مجتمع الموجة الثالثة (مجتمع ما بعد الصناعة)، وكيف أن هذه المناهج يجب أن تُعلِّم الفرد كيفية تصنيف وإعادة تصنيف المعلومات، وكيفية تقييم صحّتها، وكيفية تغيير التصنيفات عند الضرورة، وكيفية الانتقال من الأشياء الملموسة إلى الأفكار المجرَّدة، والعكس كذلك، وكيفية النظر إلى المشاكل من زاوية جديدة، وكيفية قيام الفرد بتعليم نفسه، أو بإلغاء ما تعلّمه سابقاً واستقاء تعليم جديد يتناسب مع التغييرات المتسارعة.
كان توفلر هو من تنبّأ بالعديد من مظاهر الحياة اليومية حاليّاً، قبل أن تحدث، من بينها أنه توقع أنّ الرسائل الإلكترونية ستستبدل الرسائل الورقية التي تُرسَل عبر ساعي البريد، وتنبّأ بأنّ الإنسان سيعاني من الحمل الزائد للمعلومات information overload، إضافة إلى تنبُّؤات أخرى ثبتت صحّتها لاحقاً.
تقارن آثار توفلر وأفكاره وتوقعاته بما قدمه الأب الروحي لعلم الإدارة بيتر دراكر، ولذلك كان يعتبر من أهم مفكري علم الإدارة والذي تخصص في إستشراف المستقبل.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 5046 - الخميس 30 يونيو 2016م الموافق 25 رمضان 1437هـ
تسلم يادكتور
تسلم على هالمقاﻻت
مقال جميل