قد يستغرق الأمر سنوات لمعرفة المدة التي يبقى فيها الرجال المصابون بفيروس زيكا حاضنين للفيروس مما يعني احتمال انتقاله عن طريق ممارسة الجنس والتسبب في ولادة أطفال مشوهين خلقيا ومصابين باضطرابات عصبية أخرى خطيرة.
في الوقت نفسه نصح مسؤولو الصحة المتزوجين بالكف عن ممارسة الجنس غير الآمن لمدة ستة أشهر في حالة إصابة الرجل بالفيروس. ويمكن أن تؤثر هذه التوصية غير المعتادة على ملايين الأشخاص رغم اعتمادها على تقرير واحد خلص إلى أن فيروس زيكا بقي في مني أحد الرجال لمدة 62 يوما.
وتدفع المخاطر الكبيرة المصاحبة لفيروس زيكا واحتمال انتشاره السلطات الصحية الأمريكية إلى مواصلة الأبحاث رغم تعثر سبل عملية التمويل. وتمثل دراسة عن مخاطر انتقال الفيروس عن طريق ممارسة الجنس مثالا على ما يقدمه العلم الذي يقول مسؤولو الصحة إنه لا يمكن أن ينتظر المشاحنات السياسية.
ومن خلال اقتراض أموال مخصصة لبرامج أخرى بدأ المعهد القومي الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية إجراء دراسة شملت العديد من الرجال المصابين بفيروس زيكا من البرازيل وكولومبيا لتحديد مدة بقاء الفيروس نشطا في مني الرجال. وقد يستغرق الانتهاء من هذه الدراسة سنوات إلا أن النتائج الأولية يمكن أن تساعد مسؤولي الصحة العامة في إصدار التوصيات الملائمة بشأن ممارسة الجنس.
وقال الطبيب أنتوني فوسي مدير المعهد الأميركي في مقابلة "نسير على ضوء مصباح لكن علينا أن نمضي قدما. لا يمكن أن نقول أننا سننتظر حتى نحصل على كل الأموال التي نريدها."
ويبدي مسؤولو الصحة العامة انزعاجهم من انتقال فيروس زيكا بسهولة مما يهدد باتساع نطاقه. وينتقل الفيروس أساسا عن طريق بعوضة "الزاعجة المصرية" التي تنقل أيضا فيروسي الدنج والشيكونغونيا.
لكن عشر دول على الأقل بينها الولايات المتحدة وفرنسا أبلغت عن إصابات بزيكا في أشخاص لم يسافروا لمنطقة بها تفشي للفيروس لكن شركائهم في الحياة الزوجية هم الذين سافروا. وهذه القدرة على الانتشار عن طريق ممارسة الجنس يمكن أن تساعد زيكا على الانتشار في مناطق أوسع خارج المناطق الدافئة الحاضنة لأكبر عنصر مؤثر في انتقاله وهو البعوض.
*الحرص بدلا من الإجابات
وفي سبيل حماية النساء الحوامل أو اللاتي يسعين لذلك أوصت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها المتزوجين بالابتعاد عن ممارسة الجنس غير الآمن لمدة ستة أشهر وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف مدة 62 يوما التي بقي خلالها الفيروس في المني مثلما حدث في الحالة البريطانية التي شملتها الدراسة. وأصدرت منظمة الصحة العالمية مؤخرا توصية مشابهة.
لكن مثل هذه النصيحة الصارمة ليست مثالية بحسب ما قالت الطبيبة آن شوشات نائبة مدير المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في مقابلة.
وقالت "إبلاغ الناس بالتوقف عن ممارسة الجنس لحين التوصل إلى شيء ليست بالتوصية المرضية. سيطلبون مزيدا من الفهم بشأن الخطر الجنسي."
وفي بويرتوريكو التابعة للولايات المتحدة حيث سجلت 2100 حالة إصابة منذ بداية العام يوزع مسؤولو الصحة أدوات حماية من زيكا تشمل رذاذ لمكافحة البعوض والواقي الذكري إلى جانب العمل بالتوصية الطبية.
لكن الطبيبة كريس برو عالمة السلوكيات بالمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها والتي درست رد الفعل على هذه التوصية تقول إن التحذير من ممارسة الجنس غير الآمن لا يسير بشكل جيد.
وقالت "الواقي الذكري ليس شائعا في كثير من الأماكن. هناك أسباب دينية وشخصية وكثير من العوامل المؤثرة على ذلك."
واختلف المشرعون الأمريكيون بشأن تمويل مكافحة فيروس زيكا يوم الثلثاء إذ تصدى الديمقراطيون في مجلس الشيوخ لمقترح جمهوري قالوا إنه لا يرقى للتحدي الذي يمثله المرض ويؤثر على أولويات صحية أخرى. ولم يتضح بعد موعد إعادة نظر الكونجرس في الطلب الذي قدمه الرئيس باراك أوباما بتوفير 1.9 مليار دولار.
*أولويات التمويل
في الوقت ذاته وجه البيت الأبيض أكثر من 500 مليون دولار كانت مخصصة لمشروعات أخرى إلى مبادرات طارئة لمكافحة فيروس زيكا.
وستتابع إحدى هذه الدراسات الأطفال المولودين لنساء أصبن بزيكا للتعرف على تطور أي إعاقات يمكن رصدها عند الولادة. ومن المشروعات الأخرى المدرجة بقمة الأولويات تصنيع لقاح والقضاء على البعوض.
وستعمل إحدى الدراسات على تقييم إذا كان خطر انتقال الفيروس لدى الرجال الذين اصيبوا بأعراض زيكا مثل الحمى والطفح الجلدي أكبر من هؤلاء الذين لم تظهر عليهم الأعراض. وتعد هذه المعلومات حيوية في ظل عدم ظهور الأعراض على معظم المصابين.
ويختفي فيروس زيكا من الدم خلال أسبوع بعد الإصابة لكن أمكن رصده في البول لوقت يمثل ضعف هذه المدة. وحفز بقاؤه في المني بالحالة البريطانية بعض الباحثين لإجراء مقارنات مع فيروسات أخرى.
وقال الباحثون إن فيروس اتش.آي.في يمكن أن يبقى في الدم والمني لمدة غير معروفة بينما يكمن فيروس غرب النيل الذي ينتقل عن طريق البعوض في الكلى والبول لسنوات. وثبت من خلال مريض نجا من تفشي إيبولا القاتل إن الفيروس ظل في منيه لمدة 18 شهرا.
وقال الطبيب بيتر هوتيز عميد قسم الطب الاستوائي بكلية بايلور للطب "فوجئنا بقدرة إيبولا على البقاء كل هذه المدة. أحد أكبر الأسئلة التي يجب أن نسألها هي ما إذا كان زيكا أيضا له ذات القدرة على الكمون؟."