في يوم الخميس (22 يونيو/ حزيران 2016)، أجري في بريطانيا استفتاء عام على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو انسحابها منه، وكانت نتيجة الاستفتاء صادمة للحكومة البريطانية، التي لم تكن تتوقع أن الداعين للانسحاب من الاتحاد الأوروبي سينجحون في إقناع 52 في المئة من الشعب البريطاني برؤيتهم، فرئيس وزراء بريطانيا عندما لجأ إلى فكرة الاستفتاء لم يكن يشك أن البريطانيين سيصوتون لصالح البقاء في الاتحاد، ولم يخطر بباله أن يكون تصويتهم مع الانفصال عن الاتحاد، ولم يخطر ببال الدول الأوروبية الـ 28 أن تأتي النتيجة مؤيدة للانسحاب من الاتحاد، ولكن كما يقولون تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
لأن الحكومات الأوروبية التي تنضم دولها للاتحاد الأوروبي ما كانت تعتقد أن الاتحاد الذي تأسس سنة 1993م بمعاهدة ماستريخت التي حلت مكان السوق الأوروبي المشترك، والذي تطور في العام 2007 كوحدة اقتصادية متكاملة من خلال تطبيق قوانين موحدة على كل الدول الأعضاء، التي تضمن حرية الحركة لمواطنيها وللبضائع والخدمات ولرأس المال، والتي تبنت 17 دولة من أعضائه من أصل 28 دولة العملة الموحدة للاتحاد (اليورو)، وبعد استطاعته عمل مجموعة سياسات للتجارة المشتركة وسياسات للزراعة ولصيد الأسماك، وعمل لنفسه دوراً موحداً في السياسة الخارجية وله تمثيل في منظمة التجارة العالمية، ومجموعة الثمانية والأمم المتحدة، له دور أيضاً في القضاء، والقوانين الداخلية في الدول الأعضاء، وعمل نظام موحد لجوازات السفر وألغاء التأشيرة بين أعضاء الاتحاد (معاهدة شينجين)، وانضمام 21 دولة من الاتحاد إلى حلف الناتو، وجعل مؤسسات تعمل على دعم الاتحاد، كمحكمة العدل الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، والمجلس الأوروبي، ومجلس الاتحاد الأوروبي، أن يأتي اليوم الذي تنسحب منه أي دولة من دوله الأعضاء، للامتيازات الكثيرة التي يحصل عليها مواطنوها من انضمامها للاتحاد، وقد تكون بريطانيا آخر الدول الأعضاء التي يتوقعون انسحابها من الاتحاد، لما تتمتع فيه بدور بارز في اتخاذ قراراته السياسية والاقتصادية.
وعلى رغم كل الامتيازات التي حصلت عليها طوال السنوات التي قضتها في الاتحاد الأوروبي إلا أنها أخذت بنتيجة الاستفتاء التي أجرته حتى ولو كانت النسبة ضئيلة بين الموافقين على بقاء بلدهم في الاتحاد الأوروبي والرافضين على البقاء فيه، وعلى رغم معرفتها أن ذلك سيكلفها كثيراً وأن الذهاب فيه يفقدها الكثير من الامتيازات، ويجعلها تعيد كل اتفاقياتها الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، بينها وبين الـ 27 دولة، ومراجعة وتصحيح وجود مئات الألوف من البريطانيين في الكثير من الدول الأوروبية، لم تتردد من المضي في تنفيذ إجراءات انسحابها من الاتحاد الأوروبي، ورئيس وزراء بريطانيا دافيد كاميرون، الذي كان مع بقاء دولته في الاتحاد، من أول الذين أعلنوا نتيجة الاستفتاء التي تخالف تماماً طموحاته السياسية.
فإرجاع موقعها إلى ما قبل 1993م، بالتأكيد أن للقرار تداعيات اقتصادية وسياسية كبيرة، ولكن الذين صوتوا خلاف إرادة حكومتهم كانوا يعتقدون أن تصويتهم للانسحاب من الاتحاد هو تصويتهم لاستقلالية بلدهم سياسياً واقتصادياً، ويتصورون أن الانسحاب منه سيحقق لبلدهم الخير الوفير في كل المجالات، وهو بالتالي سيرجعها إلى قوتها ومكانتها العالمية في الجوانب الاقتصادية والسياسية والعسكرية، فقيل إن الخيار الذي ستذهب إليه بريطانيا لاشك أن فيه خسائر اقتصادية فادحة، التي بدأت منذ إعلان نتيجة الانسحاب من الاتحاد بانخفاض الجنيه الإسترليني أمام الدولار الأميركي لم يسبق له مثيل في الثلاثين سنة الماضية.
على كل حال كل ما سيحدث من إيجابيات أو سلبيات اقتصادية وسياسية بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيتحمله الشعب البريطاني بالدرجة الأولى، فالشعب البريطاني يعلم بمدلولات قراره السياسية والاقتصادية، ويعلم أنه بهذا القرار الصعب ستحدث تغيرات استراتيجية، سياسية واقتصادية في قارة أوروبا والعالم أجمع، ويعلم أن هناك شعوباً في الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي سيذهبون إلى طلب الإنسحاب منه كالذي فعله الشعب البريطاني، ويعلم أن آثار وتداعيات هذه الخطوة، سواء كانت الإيجابية أو السلبية لن تظهر بوضوح إلا بعد ثلاث سنوات على أقل تقدير، والأشهر القادمة ستبرز بعض المؤشرات التي تدل بوضوح على التغيرات والانعكاسات السياسية والاقتصادية التي ستحدث مستقبلاً في الدول الأوروبية.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5045 - الأربعاء 29 يونيو 2016م الموافق 24 رمضان 1437هـ