أخبار الانفجارات والقتل الإرهابي في تركيا أصبحت متكرّرة بصورة مأساوية، ولو رجعنا إلى الوضع التركي قبل 2011، فسنرى أنَّها كانت مشعلاً مشرقاً في المنطقة، وكان رئيس وزرائها السابق أحمد داود أوغلو من المفكِّرين القلائل الذين استطاعوا طرح وتنفيذ سياسات نوعيَّة (عندما كان وزيراً للخارجية)، حتى أنَّ البعض كان يشبّهه بقوة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر. ومن تلك الأفكار التي طرحها أوغلو هي «تصفير المشاكل مع الجيران»، وتمكَّنت بذلك تركيا من أن تطرح نفسها قوة إقليميَّة من الوزن الثقيل، وأنَّها الجسر بين الغرب والشرق، والجسر بين الديمقراطيّة والإسلام، وبين العرب وإسرائيل (مع انحياز إلى الفلسطينيين)، وجسر لمرور إمدادات الطاقة بين مناطق استراتيجيَّة تربط العالم.
كان ذلك قبل أن تتخلَّى تركيا عن كلّ تلك السياسات، وتتحوَّل من نهج «القوَّة الناعمة»، إلى نهج «القوَّة الصلبة»، وبينما يبدو أنَّ استخدام القوَّة ممكن بالنَّظر إلى إمكانات الجيش التركي، العضو في حلف الناتو، فإنَّ واقع الحال يحكي قصة أخرى. فالقوَّة الصلبة لا يمكن أنْ تستغني عن القوَّة الناعمة التي تعتمد على الدبلوماسيّة والثقافة والاقتصاد، بل إنَّ القوة الصلبة قد تقضي على ما يتوافر من إمكانات استراتيجيّة، وتضغط على الاقتصاد؛ لأنَّ القوة الصلبة تحتاج إلى دعمٍ ماديٍّ يعادل عشرات وربما مئات أو آلاف الأضعاف من الجهود التي تحتاجها القوة الناعمة.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ القوَّة الصلبة تخلق المشاكل أكثر مما تقضي عليها... فالأميركان، مثلاً، استخدموا قوَّتهم الصلبة واحتلُّوا العراق بسهولة، لكن بعد ذلك انفلتت الأمور، ولم تتمكَّن أيَّة قوة صلبة أخرى من لمِّها، بل على العكس من ذلك. إنَّ السعي إلى تصفير المشاكل يتطلب تفكيراً واسعاً ومنطقيّاً، ومترابطاً مع كل القضايا المُعقَّدة الأخرى.
لقد دخلت تركيا في عدة ملفَّات ومشاكل جديدة منذ 2011، وانقلبت سياساتها السابقة، ووصل الأمر إلى إسقاط طائرة روسيّة على الحدود مع سوريّة، والاستخدام المُتكرّر للطيران والقوَّات التركيَّة في العراق، إضافة إلى عدم إحكام الحدود لمنع الإرهابيّين من دخول سوريَّة، ومن ثمَّ هجرة السوريّين عبر تركيا، وتدهور العلاقات مع أميركا بشأن مساندة الأكراد، وغيرها من الملفَّات المعقَّدة التي تنفتح يوميّاً، إنَّ أملنا هو إحياء مبدأ «تصفير المشاكل» بدلاً من تعظيمها.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 5045 - الأربعاء 29 يونيو 2016م الموافق 24 رمضان 1437هـ
أي مشكلة في الحياة تتطلب عقل حكيم ورزين لحلها وأما أسلوب التصعيد في سقف المشكلة يسهم في خلق مشاكل أصعب من المشكلة الأساسية ودفع تكاليف باهظة الثمن
العامل النفسي له أهمية. هناك توازن بين العقل و حوافز الطموح. عندما يضعف التوازن و من خلال التمسك بالقوة يقاد الفرد الي ما لا يحمد عقباه. العقل كعضو بشري آخر خارج عن سيطرة صاحبه. لكن درك هذا الواقع صعب جدا و كل منا يتصور عقله كاملا و تحت ارادته التامة. ألي حين معرفة الحقيقة و الاعتراف بها يظل البشر أسيرا لكل مآسيه.
إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى