الأدوار والوظائف المنوطة بالصحافة والإعلام الحر والهادف أدوار محددة ومقررة في أدبيات علم الإعلام بفروعه المختلفة، وأبرزها حسبما يعرف أي دارس للإعلام أو مزاول مبتدئ له: الوظيفة الإخبارية، والتوجيه وتكوين المواقف والاتجاهات، وزيادة الثقافة والمعلومات وتنمية العلاقات الإنسانية، وزيادة التماسك الاجتماعي، والترفيه والتسلية، وربما أضيف لها الإعلان والدعاية.
وللدور الرقابي الكبير الذي تمارسه الصحافة والإعلام بات يطلق عليها واقعاً لا مجازاً: «السلطة الرابعة»، أمّا الصحافة والإعلام المكبَّل بقيود البيئة وإكراهاتها، خصوصاً في هذه الأيام الحالكة التي نعيشها على كل المستويات؛ فإنّ أدوار الإعلام مهما تنوّعت وتعدّدت فإنها لا تبتعد عن الانتقائية التي تنحرف إلى مستوى تشويه الحقائق، وتأجيج الفتن وبثّ الفرقة بين أبناء المجتمع بما يجعل من الطرح التأزيمي لها «أجندة عمل» و «خبزاً يومياً» تقفز من خلاله على المشتركات الدينية والتاريخية واللغوية متجردةً بذلك من أبسط القيم التي يحتكم إليها الإعلام الرصين.
الأسابيع الأخيرة الماضية جلبت معها أخباراً سيّئة كان وقعها أليماً على البحرينيين وهم من يفترض بهم أن يعيشوا تلك الأجواء التي ينثرها شهر السلام والصفاء الروحي والتواصل والتلاحم المجتمعي والوطني. ولعلّ أبرز الأحداث التي أحدثت تحوُّلاً خطيراً في المشهد المحلي والإقليمي فيما يخص موضوع البحرين موضوع إغلاق جمعية الوفاق وثم إسقاط جنسية الشيخ عيسى أحمد قاسم في 20 يونيو/ حزيران 2016.
ما يسترعي النظر ويستدعي العجب نوعية التعاطي مع كل هذه التطورات، إذ يضغط البعض باتجاه التحشيد الذي يتضمن عبارات للكراهية، وهو دور لا ينسجم مع ما يفترض أن تقوم به «السلطة الرابعة» من صيانة للمكتسبات الوطنية والحرص على اللحمة الوطنية والتماسك الاجتماعي في البلد، ولا ينسجم مع أخلاقيات المهنة، ولا مع وقارها ودورها المفترض.
إن المجتمعات التي يسكنها الخوف تجد نفسها مرغمة إلى التعامل مع أوضاع سريعة التحوُّل وشديدة التبدُّل والشيء الوحيد الثابت هو الرأي الواحد والثقافة الواحدة والمنطق الواحد والوحيد والذي يُراد له أن يشيع ويسود. التعددية غير مسموح بها في بيئة الكراهية؛ لأنّ خطاب الكراهية يسعى إلى تكريس انقسام المجتمع، بل يصبح الحديث عن الحقوق مدخلاً لاتهام المتحدث بـ «الطائفية»، والحديث عن العدالة الاجتماعية يصبح هرطقة، بل وربما تجديف في الدين.
في رائعته «اسم الوردة» يتحدث الفيلسوف الإيطالي أمبرتو إيكو (ت 2016) عن قصة تدور أحداثها في العصور الوسطى حين قرر حارس المكتبة تحريم قراءة كتب بعينها، حتى لا تفسد عقيدة رهبان الدير، فتنحرف عقولهم، ويهتزّ تديُّنهم الذي يفترض فيه أن يكون راسخاً. ولذلك نثر سُمّاً قاتلاً على صفحات تلك الكتب، ولذلك كان الموت مصير المتسلل في ظلمة الليل البهيم ليشبع نهم فضوله المعرفي، فتوالت الجثث المكتشفة في الدير، وكان لابد للبطل من البحث عن سر موتها، كي يكتشف الجريمة الكامنة وراء هذا الموت الذي تحوَّل إلى جريمة قتل، كانت نوعاً من القمع المعرفي الذي مارسه مَن تصوَّر في نفسه الوصاية على عقل أقرانه، متوَهِّماً أنه يحميهم حتى اضطره هوسه الديني إلى قتلهم.
لا يختلف الهوس الديني كثيراً عن الهوس بتنميط الآخر، والتعامل مع الآخر بوصفه خصماً وليس شريكاً، فالنتيجة في الحالتين واحدة: عقلية إقصائية تغذيها الأنانية وحُبُّ الاستئثار والضيق بالآخر ومحاولة التخلص منه بأيِّ ثمن.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 5043 - الإثنين 27 يونيو 2016م الموافق 22 رمضان 1437هـ
تنميط الاخر اعتقد هذا المقال موازيا وعطفا على مقال الدكتور منصور قبل ايام ، حقيقة هناك تنوع في طرح المقالات والاعمدة كل يوم من افكار ووجهات نظر وأراء تختلف لكنها تلتقي في بث ونقل المعرفة واحترام القارئ من كافة الاطياف ....
شكرا للصحيفة المميزة