قضية المهاجرين كانت الهم الأكبر الذي دفع الطبقة العاملة «البيضاء» في بريطانيا للتصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وذلك في استفتاء تاريخي جرى في 23 يونيو/ حزيران 2016. لقد استفاد اليمينيون الشعبويون والمتطرفون من الخوف المستشري في أوساط البريطانيين في كل من انجلترا وويلز، لإثارة الحماس نحو التصويت بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
خوف الطبقة العاملة البيضاء في بريطانيا من أخذ المهاجرين لأعمالهم خاصةً القادمين من شرق أوروبا، وفي المستقبل القريب القادمين من الشرق الأوسط، دفعهم للتصويت لخروج المملكة المتحدة عن أوروبا، وهذا الخروج يعادل في قيمته السياسية ما حصل بعد انهيار جدار برلين، ولكن في الاتجاه المعاكس.
هذا التصويت – بحسب التقارير الصحافية- لم يخرج من فراغ، خاصة أن القلق والتخوّف من أخذ أعمال البريطانيين من قبل المهاجرين، جعل الشرائح الأكبر سناً تؤيد تصويت الانفصال، مقارنةً بفئة الشباب التي كانت رافضةً لفكرة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي خاصة في لندن.
وكان من بين أول من يهنئ بريطانيا على «يوم الاستقلال» عن الاتحاد الأوروبي، السياسي المعارض، زعيم حزب الحرية المناهض للهجرة والمعادي للإسلام خيرت فيلدرز. ووعد فيلدرز إذا جرى انتخابه، بأن يُجري استفتاءً على خروج هولندا من الاتحاد الأوروبي. وتتردّد مخاوف من انتقال العدوى من انجلترا إلى هولندا.
القيادية بالجبهة الوطنية لأقصى اليمين في فرنسا مارين لوبان، أطلقت «صيحة النصر للحرية»، كما كتبت على حسابها على موقع «تويتر»: «لقد حان الوقت لإجراء استفتاء في فرنسا وغيرها من دول أوروبا». وقالت ماريون مارشال لوبان، ابنة شقيقها وزميلتها في الجبهة، إن هذا سيكون «الموضوع الرئيسي» للإنتخابات الرئاسية العام المقبل.
إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمر في غاية الخطورة على كيان الإتحاد؛ لأنه سيشغل اهتمام الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد. الرئيس الفرنسي ألقى بياناً، قبيل التصويت البريطاني، تضمّن تحذيراً شديد اللهجة من التبعات الخطيرة التي ستتعرض لها بريطانيا حال الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولكن نداءاته لم تلق آذاناً صاغية.
الاسكتلنديون الذي يطالبون باستقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، وكانوا قد خسروا في استفتاءٍ عامٍ في العام المضي، أعلنوا أنهم سيطالبون باستفتاءٍ آخر؛ لأنه لا يرغبون في الخروج من الاتحاد الأوروبي.
أما الحكومة الأيرلندية، التي بقيت على الحياد في استفتاء استقلال اسكتلندا، وشجّعت بحماس المواطنين الأيرلنديين المقيمين في المملكة المتحدة للتصويت على البقاء في الاتحاد الأوروبي، فإنها رأت أن هناك انعكاسات على كلٍّ من ايرلندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي جراء التصويت على خروج بريطانيا.
وفي ظل حالة عدم اليقين بشأن ما سيحدث بعد ذلك، وكم ستستغرق عملية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن هناك قلقاً في دبلن بشأن مغزى التصويت فيما يتعلق بالحدود مع أيرلندا الشمالية، وأثر ضعف الجنيه الأسترليني والتأثير على التجارة، التي يقدّر حجمها بأكثر من مليار يورو بين البلدين كل أسبوع.
وقد دعا حزب «شين فين»، (لديه نواب على كلا الجانبين من الحدود)، إلى التصويت على ما إذا كان ينبغي على أيرلندا الشمالية أن تظل جزءًا من المملكة المتحدة أو أن تصبح جزءًا من أيرلندا موحّدة. ولكن من غير المرجح أن يكون ذلك من أولويات الحكومة الأيرلندية، التي لا تعتقد بأن تصويتاً لصالح أيرلندا موحّدة من المرجح أن يحصل على ما يكفي من الدعم.
أما منطقة جبل طارق فقد يكون لديها أمور أخرى تقلق بشأنها، إذ أنه وبعد التصويت بشكل حاسم للبقاء في الاتحاد الأوروبي من قبل سكان منطقة جبل طارق التابعة لبريطانيا، قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأسباني خوسيه مانويل غارسيا مارغايو إن قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي فتح «إمكانيات جديدة» بشأن وضع هذه المنطقة. واعتبر مارغايو أن احتمال رفع العلم الأسباني على جبل طارق أصبح «قريباً جداً» الآن.
إن موجة الصدمات التي ضربت دول أوروبا مع خروج بريطانيا مازالت مطروحة في الشارع والصحافة ووسائل الإعلام، والجميع يدرك أن المستقبل سيكون مختلفاً، وقد تكون له تبعاته، وقد يكون هاجس المهاجرين أكثر ما شجّع البريطانيين على موضوع الخروج من الاتحاد. بروكسل وألمانيا وصفت ما حدث بأنه انتكاسة لفكرة الوحدة الأوروبية وهو ما يجعل من الصعب تحمل هذه الصدمة الكبرى. إذ يتوقع أن تعم الفوضى في منطقة اليورو مباشرةً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، والضبابية التي ستلازم مستقبلها على المدى الطويل. كما أن أغلب العواصم الأوروبية ليس لديها استعداد لتقديم معروف إلى بريطانيا. وذلك لأن منهجية «الشكوك في الوحدة الأوروبية» تشهد انتشاراً في دول الاتحاد على مدار السنوات القليلة الماضية، في الوقت الذي يحاول القادة السياسيون في القارة العجوز إظهار أن الخروج من الاتحاد الأوروبي ليس سهلاً. لكن من دون شك ستكون هناك مساحة أكبر لليمين الشعبوي الذي أيد خروج المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، إذ سيستغل مشاعر من صوّت في التأثير على مجرى السياسة في أوروبا، وذلك بعد تزايد دعوات مناهضة للمهاجرين في أوروبا، والخوف من الغزو الشرق أوسطي على بلدان القارة العجوز، وأيضاً الدعوات المطالبة بالانفصال عن الحكومة المركزية، مثل دعوات الكتالونيين في أسبانيا وهو ما يعطي دافعاً آخر لكثير من الكتالونيين، والأمل كما ذكرت إحدى أنصار الانفصال في تحقيق ذلك بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل ديمقراطي بحت... فهل تقبل أوروبا على مرحلة مغايرة عمّا كانت عليه؟
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 5041 - السبت 25 يونيو 2016م الموافق 20 رمضان 1437هـ
مقال رائع شكراً عليه
تحليل مبسط وجميل
ريم ...أبدعتي في هذا المقال