قالت الباحثة الاجتماعية في النيابة العامة فاطمة فقيهي، إن قضايا التحرُّشات الجنسيّة تتصدر القضايا التي تمر على نيابة الأحداث، تليها قضايا التجمهر والشغب التي قلّت كثيراً في الوقت الحالي، وفقاً لها.

وخلال لقاء مع «الوسط»، أكدت فقيهي أن الطفل يتعرض للتحرُّشات الجنسيّة في الأماكن التي من المفترض أن تكون آمنة بالنسبة له؛ لأن الطفل في العادة لا يخرج لوحده، وإنما يكون دائماً متواجداً في الأماكن القريبة من أقربائه.

وأكدت فقيهي أن أكثر ضحايا التحرُّشات الجنسيّة هم من الذكور في المرحلة الابتدائية، بينما أكثر الجناة يكونون عادةً في الفئة العمرية ما بين 12 و15 عاماً.

باحثة اجتماعية بـ «النيابة»: التحرشات الجنسية تتصدَّر قضايا الأطفال... و«لغة الجسد» أصدق تعبير

المنامة - أماني المسقطي

قالت الباحثة الاجتماعية في النيابة العامة فاطمة فقيهي، إن قضايا التحرشات الجنسية تتصدر القضايا التي تمر على نيابة الأحداث، تليها قضايا التجمهر والشغب التي قلَّت كثيراً في الوقت الحالي، وفقاً لها.

وفقيهي التي صدر لها كتاب بعنوان: «المعاني الخفية للإيماءات الحركية»، أكدت خلال لقاء مع «الوسط»، أن لغة الجسد دائمًا مَّا تكون أصدق من اللغة التعبيرية المنطوقة، وخصوصًا أثناء التعامل مع الأطفال، وأن العين هي أصدق أجزاء الوجه تعبيرًا عن حقيقة ما يفكر فيه أو يقوله أي شخص، وتكشف ما إذا كان الشخص يتذكر أو يتخيل.

وفيما يأتي نص اللقاء مع فقيهي:

صدر لكِ كتاب بعنوان «المعاني الخفية للإيماءات الحركية»، فهل تخاطبين من خلاله فئة معينة؟

- الكتاب هو دليل إرشادي للغة الجسد عموماً وخلال جلسات التحقيق خصوصاً، وهو كتاب موجه إلى الجميع، إذ إن تفسير لغة الجسد لا ينحصر في مكان أو زمان معينين، وهو كسائر العلوم الأخرى يضيف إلى الثقافة الشخصية ويتناول شرح إيماءات الجسد بالتفصيل، ويمكن الاستفادة من تطبيقاته في طريقة التعامل مع الزوج أو الزوجة أو الوالدين وغيرهم على سبيل المثال لا الحصر.

فدراسة لغة الجسد تمكننا من فهم أعمق لأنفسنا وبالتالي الآخرين. وكذلك فإن المهارة في لغة الجسد تجعل كل مواجهة مع الشخص الآخر بمثابة تجربة مثيرة، علماً بأن الاختلافات الثقافية كثيرة، لكن إشارات الجسد الأساسية واحدة في كل مكان، والتغيرات في لون الجسم، وفي تحركات الوجه، وفي أوضاع الجسم، وتحركات الرأس والذراعين والساقين والقدمين، كلها تعبر عن تصريح الشخص دون النطق.

لا يمكن أن ننكر أن الإنسان استطاع أن يغزو الفضاء ويكتشف أعماق البحار، لكنه عجز عن اكتشاف وسبر أغوار نفسه والمحيطين به، وما هذا الكتاب إلا دليل مختصر ووافٍ لإلقاء الضوء على زاوية جديدة في عالم الإنسان بأسلوب يفهمه ويستفيد منه كل قارئ، وأنا بصدد إصدار النسخة الثانية من الكتاب، ونسخة أخرى باللغة الإنجليزية لاحقاً.

كيف تساعدكم لغة الجسد في التعامل مع القضايا المعروضة على النيابة العامة؟

- في عملنا، فإن أية قضية يكون أحد أطرافها طفل، يتم عرضه علينا قبل دخوله على عضو النيابة، وذلك من أجل إعداد تقرير اجتماعي لدراسة حالته من كافة الجوانب، وبذلك يمكن أن نستشفَّ من أقواله وحركات جسده الصدق أم الخيال، وتتم غالبا الاستعانة بولي الأمر لبعض التفاصيل.

وفي دراسة قام بها عالم النفس الأميركي ألبرت ميهرابيان، اكتشف أن 7 في المئة فقط من الاتصال يكون بالكلمات، و38 في المئة بنبرة الصوت، و55 في المئة بلغة الجسد.

لذلك، فإنَّ لغة الجسد دائما ما تكون أصدق من اللغة التعبيرية المنطوقة، وأبلغ ما تكون عند الأطفال، إذ إنهم أنقياء وعفويون فطريًّا، ولا يملكون أسلوب اللف والدوران أو الخداع.

وأنا على قناعة بأنه مهما تطورت التكنولوجيا ووسائل الاتصالات التقنية الحديثة في حياتنا، فإن المواجهة وجهاً لوجه تبقى هي أفضل طريقة للاتصال.

وما هو الجزء الأكثر تعبيراً في جسم الشخص عن حقيقة ما يفكر به؟

- العين هي أصدق أجزاء الوجه تعبيراً عن حقيقة ما يفكر فيه أو يقوله أي شخص، وتكشف ما إذا كان الشخص يتذكر أو يتخيل باعتبار أن العين هي مرآة العقل والروح.

وما هي أكثر القضايا المتعلقة بالأطفال التي ترد إليكم؟

- التحرشات الجنسية، وهي قضايا حساسة، وأحياناً كثيرة يصعب أخذ التفاصيل من الأطفال بشأنها، وخصوصاً إذا كانوا مجنٍيّا عليهم، إذ يشعرون حينها بالذنب وتأنيب الضمير.

كما تردنا قضايا التجمهر والشغب التي يتورط فيها أطفال، إلا أنها قلت كثيرا عن السابق.

وكيف يتم التعامل مع الأطفال في مثل هذه القضايا الحساسة؟

- هنا تبرز أهمية لغة الجسد، والتي تبدأ بدورنا كباحثات اجتماعيات من خلال اختيار الطريقة الصحيحة للجلوس أثناء مقابلة هؤلاء الأطفال، والصحيح ألا يتم الجلوس معهم بأسلوب رسمي أو بأسلوب المواجهة وجهاً لوجه، وإنما بأخذ زاوية في وضعية الجلوس، حتى يشعر الطفل بأمان وبأريحية أثناء حديثه.

ويفضل أن نجلس خارج المنطقة الشخصية للطفل التي تمثل مسافة نحو متر واحد من موقعه، حتى لا نتسبب بإرباكه. بالإضافة إلى تجنب النظر في عين الطفل بصورة مباشرة لإعطائه مساحة من الحرية للإدلاء بمعلومات صحيحة صادقة من دون أن يشعر بالتهديد أو الضغط النفسي.

وهل تواجهون صعوبات في الحصول على المعلومات من الأطفال أثناء التعامل معهم أو معاملتهم؟

- أحياناً نواجه صعوبات في قضايا التحرش الجنسي، إذ غالباً يتعذر علينا الحصول على المعلومات من الطفل ما لم تتحقق الألفة أو العلاقة المهنية الإيجابية، وتتم هذه الأخيرة من خلال التواصل الجسدي والفكري وصولاً إلى الألفة المبتغاة عن طريق تحقيق التوافق الفكري والحركي وبالتالي تسلم زمام السيطرة وقيادة المقابلة.

ولدينا في النيابة العامة غرف مقابلة خاصة بالأطفال مهيأة تماماً لهم وتبعث على الهدوء والراحة بعيدة عن أجواء التحقيق الرسمية يتم الاستعانة بها أحيانا.

وهل يقتصر دوركم على مقابلة الطفل قبل التحقيق؟

- لا، بل نرافق الطفل خلال جلسات التحقيق مع عضو النيابة مع الحالات التي يتعذر على عضو النيابة التواصل معها، ولا ينتهي دورنا بمجرد انتهاء سير إجراءات القضية في النيابة العامة، بل يتعدى ذلك ليشمل متابعة الطفل من خلال مناقشة حالته في الاجتماع الأسبوعي للجنة حماية الطفل؛ كوننا أعضاء في اللجنة، بالإضافة إلى عضوية مختصين من وزارات العمل والتنمية الاجتماعية، والتربية والتعليم، والصحة وكل جهة تنظر إلى الحالة بمنظورها وتقوم بواجبها تجاهه. كذلك لنا دور توعوي بالمدارس ورياض الأطفال والمراكز الاجتماعية.

وما هي أكثر الفئات العمرية التي ينتمي إليها الأطفال من ضحايا الاعتداءات الجنسية؟

- أكثر الضحايا هم من الذكور في المرحلة الابتدائية، بينما أكثر الجناة يكونون عادةً في الفئة العمرية ما بين 12 و15 عاماً.

وما هي أكثر الأماكن التي يتعرض فيها الأطفال للاعتداءات الجنسية؟

- الأماكن التي من المفترض أن تكون آمنة للطفل؛ لأن الطفل في العادة لا يخرج لوحده، وإنما يكون دائما متواجدا في الأماكن القريبة من أقربائه، على سبيل المثال، تحدث الاعتداءات من قبل أبناء الحي الواحد أو من قبل الأهل، الذين يكونون في العادة من نفس الفئة العمرية أو أكبر منهم بفارق عمري بسيط.

وهل ينسى الطفل المتعرض للاعتداء الجنسي ما تعرض له مع مرور الوقت؟

- أجزم بصعوبة نسيان الواقعة، لكن يمكن العمل على تمكين الطفل من تعديل إدراكه ومشاعره وخبرته بشأنها.

وهل يدرك الطفل معنى كلمة الاعتداء؟

- بشكل عام، الطفل لا يتحدث عن الاعتداء أو يعطي تفاصيل بشأنه، إلا إذا كان قد مر بتجربة حقيقية أو شاهد فيديوّاً أو صوراً، عدا ذلك من المستحيل أن يدرك الطفل تفاصيل أي علاقة جنسية.

وما هو دور الأهل لتجنيب تعريض أبنائهم الاعتداءات الجنسية؟

- من المؤسف أن يستنكر بعض الأهالي فكرة التوعية الجنسية لأطفالهم منذ نعومة أظفارهم، في حين أن هذه التوعية يجب أن تبدأ منذ مرحلة الرضاعة، إذ يجب الامتناع عن تغيير ملابس الطفل أو حفّاظه أمام الآخرين حتى وإن كان هؤلاء الآخرون أخوته، وإفهامه مع بداية السنة الأولى أن بعض أجزاء جسمه يجب ألا يراها أو يلمسها إلا والداه، كما لا يمكنه أن يرى هذه الأجزاء من أجسام الآخرين فهي محظورة، وهناك لمسات جيدة وأخرى سيئة.

كما يجب على الوالدين أن يبتعدا عن ممارسة العلاقة الحميمية أمام أطفالهم؛ لأن هذه المشاهد تنطبع في العقل الباطن للطفل، حتى وإن كان رضيعاً.

ما هي أسباب تحول الطفل إلى معتدٍ جنسيّاً؟

- السبب الأول أن يكون ضحية لاعتداء جنسي أو مروره بخبرة جنسية سابقة سواء بالمشاهدة أو شخصيّاً، كذلك لا ننسى مرور الطفل بمرحلة المراهقة، وهي الفترة التي تكون فيها الغريزة الجنسية في أوجها، ناهيك عن الفراغ الذي قد يعاني منه الطفل في هذه المرحلة؛ لذاك وجب إشغالهم بالمفيد، وكما يقال: «وقتك إن لم تشغله بالإيجاب شغلك بالسلب»، بالإضافة إلى الفضول وحب الاستكشاف، ومحاولة تجربة أمور جديدة، وأيضا ضعف الوازع الديني، وقلة التوعية من جانب الأهل الذين يتجنبون التعاطي مع أبنائهم المراهقين عن الموضوعات الجنسية، وبالتالي يسعى هؤلاء إلى البحث عنها من مصادر خاطئة تزودهم بمعلومات مشوهة قد تؤثر حتى على علاقاتهم الزوجية مستقبلاً.