الأكيد أن كثيرين يتساءلون: كيف صَمَدَ ويصمد الطوارق وكذلك بوكو حرام والـ بي كي كي والكاشين وفارك وغيرها من الجماعات المسلحة؟ بل ويحملون السلاح ضد خصومهم والعيش دون الخشية من نفاد متطلبات ذلك البقاء، سواء في كفافه أو كفايته، في ظل حصار يُفرَض عليهم؟ نعم قد تكون هناك دول تُسهِّل لهم لأغراض معينة، لكن المسألة أعقد من هذا الدعم حتماً، وخصوصاً أن التجارب دلّت على ذلك، وأثبتت أن هناك سلّة من وسائل الإسناد الذاتي لتلك الجماعات.
أقول هذا الكلام وأنا أستحضر ما كتبته صحيفة الـ «غارديان» البريطانية قبل فترة قصيرة عن طريقة تمويل حركة طالبان الأفغانية لنفسها. مراسل الصحيفة في إسلام أباد، جون بون كتب أن طالبان تُموِّل نشاطها من خلال عائدات ضخمة من «التنقيب عن حجر اللاَّزوَرْد»، أحد أهم الأحجار الكريمة في أفغانستان، والذي وفَّر 20 مليون دولار للجماعات المسلحة هناك في العام 2013 وحده.
واللاَّزْوَرْد هو أحد الأحجار الفيروزية الزرقاء المستخدمة في الزينة، حيث تعتبر الأنواع الصافية منه مع اخضرارها أو احمرارها أحد أجود أنواع اللاَّزْوَرْد. واعتُبِرَ هذا الحجر واحداً من أهم استخدامات الزينة والحُلِي في حضارات آسيا القديمة منذ 9 آلاف سنة. كما استخدمه السومريون والبابليون والمصريون. وتُنافِس أفغانستان في استخراج وتجارة هذا الحجر الثمين مناطق في القوقاز وأقصى غرب القارة الإفريقية من الجهة الشمالية حيث موريتانيا.
وعندما كنت أقرأ في سيرة الكيميائي والطبيب البارز إبراهيم بن عبداللّه الخلاطي الذي سكن مدينة حلب السورية وتوفي فيها العام 799 هـ ظهر أنه كان ماهراً في صناعة وتحصيل حجر اللاَّزْوَرْد وأنه جنى منه مالاً وفيراً جعله صاحب جاه وحظوة اجتماعية وسياسية، إلى الحد الذي دفع السلطات إلى أن تمنع الناس بعد وفاة الخلاطي من تعلّم حرفته كي لا يَصِلُوا إلى سره.
أعود إلى مسألة «كنز» حركة «طالبان» عبر هيمنتها على هذا الحجر الكريم المنتشر تحديداً في محافظة بدخشان شمال شرق أفغانستان على الحدود مع طاجيكستان. وهي منطقة تشهد تردياً في الأمن، ما يجعل الأمر أسهل بالنسبة إلى الحركة، سواء عبر التنقيب أو أخذ الأتاوات على مَنْ تحميهم من تجار المعادن والأحجار الكريمة. وقد حاولت الحكومة الأفغانية عبثاً فرض سيطرتها على تلك المناطق لكنها بدت عاجزة عن تحقيق ذلك.
وربما جاء التفجير في سوق مديرية كيشم «البداخشانية» قبل أيام، والذي نفت «طالبان» مسئوليتها عنه؛ بل ونددت به ضمن الصراع الدائم بين الحركة ومنافسيها على هذه المنطقة المهمة في أفغانستان والتي تضم مناجم اللاَّزْوَرْد.
لقد غطت المآسي والحروب ومعدلات الفقر في هذا البلد إلى اعتقاد الكثيرين إلى أن أفغانستان هي بلد كئيب لا يملك شيئاً في حين أن الأمر مختلف جدّاً، حيث قُدّرت الثروة المعدنية في أفغانستان بـ 1000 مليار دولار، نتيجة المكامن الهائلة من النحاس والذهب والحديد الخام والليثيوم ومعادن نادرة تستخدم في الصناعات المتطورة بحسب «رويترز»؛ بل وحتى النفط الذي تمتلك منه كابل مخزوناً كبيراً، وهو ما يجعل مثل هذه الموارد متاحة للجماعات المهيمنة على الأرض سواء طالبان أو بقية الفصائل المسلحة في ذلك البلد المنكوب.
وقبل عامين أصدرت الأمم المتحدة تقريراً حذرت فيه من تحوّل «طالبان» من جماعة ذات «عقيدة دينية إلى تشكيل إجرامي جشع» بحسب وصفها. فـ «بالإضافة إلى التبرعات الطوعية أو الإجبارية من شركات أجنبية في الخارج وتبرعات طوعية نتيجة قناعات دينية وإيديولوجية أسست طالبان نظاماً معقداً إلى حد مَّا لجمع موارد داخل البلاد» بحسب المنظمة الدولية فضلاً عن الفِدى التي تحصل عليها نتيجة اختطافها رجالاً أثرياء في أفغانستان، وإطلاق سراحهم مقابل ذلك.
وكانت الأرقام تشير إلى أن نشاط الحركة في قندهار يُدرّ عليها ما بين 7 و8 ملايين دولار شهريّاً. وهي تعتمد على ما يشبه «التمويل الفيدرالي» الذي يترك للمناطق التي تسيطر عليها الحركة حرية التصرف في جني العوائد من بينها التعدين الذي لا يقتصر على اللازَوَرْد فقط بل على أحجار كريمة أخرى.
وفي جانب آخر من عملية الإسناد الذاتي تدّعي جهات إقليمية ودولية مختلفة اعتماد الحركة على زراعة الخشخاش الهلمندي الذي قد يُوفِّر لها قرابة 50 مليون دولار عبر ضرائب تفرضها الحركة على المزارعين في تلك المنطقة.
ووفقاً لتقارير كتبها صحافيون فإن «طالبان» لا تتعامل مباشرة في زراعة وبيع هذه النوع من المخدِّر بقدر ما تقوم بتأمين ممرات عبور القوافل والتجار المتعاملين مع تلك النبتة مقابل حصولها (أي الحركة) على ضرائب وأتعاب قدّرها البعض بـ 250 مليون دولار سنويّاً، لكن تبقى هذه التقارير بحاجة إلى إثبات؛ لأنها قد تكون كيدية وهو ما أشار إليه الملا آغا جان معتصم الذي ترأس اللجنة السياسية التابعة إلى حركة طالبان قبل سبع سنوات وهو أيضاً صهر الملا عمر الذي توفي قبل عامين سرّاً.
في المحصلة، فإن ثروات الدول يجب أن تُوجّه نحو البناء وتكريس العدالة ورفاهية المواطن ضمن مؤسسات مُحوكَمة بدل استهلاكها في تمويل الصراعات. ومثال أفغانستان حيٌّ أمامنا.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5040 - الجمعة 24 يونيو 2016م الموافق 19 رمضان 1437هـ
حجر اللازورد الفيروز لانه لبسه يجلب للرزق وايضا متوفر واحسن الانواع في ايران ويقال له الفيروز او الفيروزج يعني الانتصار