لنترك تاريخاً طويلاً من الفشل المستمر للعرب، حكومات وقوى سياسية وقوى مجتمعية في التوصل إلى حلول عقلانية لنزاعات وحروب وخلافات بمختلف درجاتها سواء فيما بين دول عربية مشتبكة في نزاعات أو داخل الوطن الواحد فيما بين الحكومة مثلاً وقوى المعارضة، أو فيما بين قوى سياسية متخاصمة، ولنركز على تجربة السنوات الأخيرة وخصوصاً بعد اندلاع حراك الربيع العربي. والآن وعندما نتمعن في مجريات الأمور، ألا يفترض أن نعتقد أن الأمور ما كانت لتتخذ هذه المسارات الدموية والتنازعية المكلفة، لو أنه ساد العقل والمنطق وجرى تفاوض بناء فيما بين الأطراف المتنازعة، كما جرى في أوروبا الشرقية في حقبة التسعينيات والتي انتقلت من نظام مركزي تسلطي إلى نظام ديمقراطي تعددي على علاته.
إثر هبوب رياح الربيع العربي، تمسكت الأنظمة العربية بموقف الناكر للتغيير أصلاً، و «إن المحتجين بضعة جرذان» على حد تعبير زعيم عربي، لكنه مع توسع وتجذر الاحتجاجات، فقد بذلت أطراف وطنية ودولية أحياناً محاولات لجمع ممثلي السلطة مع ممثلي المحتجين أو قوى المعارضة السياسية المجتمعية، حدث هذا في تونس ومصر واليمن وسورية والبحرين بشكل واضح وجلي، وبشكل غير مباشر في بلدان أخرى والملاحظ أنه وباستثناء تونس حيث نجح رباعي الوساطة المتمثل في الاتحاد التونسي للشغل واتحاد أرباب العمل، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، واتحاد المحامين، في لعب دور حاسم في المفاوضات بين السلطة الانتقالية وحركة الأحزاب المعارضة بحيث تجنبت تونس حمام دم، وعبرت إلى النظام الجديد بأقل الكلف، لكنه وفي البلدان الأخرى لم تتحلَ الجهات الرسمية بالمسئولية ولم تتحلَ المعارضة أو الحركة الاحتجاجية بالواقعية، كما أن الوسطاء لم يدركوا حجم المشكلة وقدموا حلولاً تلفيقية.
ففي مصر، قاد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، فريق الوساطة ما بين الحكم العسكري الانتقالي من ناحية والمحتجين في ميدان التحرير والأحزاب من جهة أخرى، لكن ذلك لم يتمخض عن خطة لانتقال سلمي للسلطة، بل تم فرض الأمر الواقع من قبل الحكم العسكري، بإطلاق عملية الانتقال عبر انتخابات نيابية ثم رئاسية في ظل ظروف الغلبة، وهكذا فاز «الإخوان المسلمين» الأكثر تنظيماً ومالاً، أمام تشتت قوى الاحتجاج وتشرذمها لتعود سلطة الجيش، لتفرض عملياً إقصاء «الإخوان المسلمين» وتتسلم السلطة. أما في اليمن فقد كان مجلس التعاون هو الوسيط بين نظام علي عبدالله صالح مع أحزاب اللقاء المشترك المعارضة، مع استبعاد ممثلي الحركة الاحتجاجية، وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة، وقمع متقطع، وأدت كما نعرف إلى حوار وطني، تمخضت عنه مخرجات الحل وانتخاب رئيس بالتوافق، عبدربه منصور وتشكيل حكومة باسندوة الائتلافية، في ظل شلل الدولة في ظل المحاصصة، لينتج عنها فراغ أمني وسياسي، استغله الحوثيون وصالح، للانقضاض على السلطة، ليدشن بذلك حرباً أهلية وإقليمية مازالت مستمرة. أما في سورية، فلقد اندلعت الحرب الأهلية بسرعة بحيث تدخل المجتمع الدولي أخيراً بعد أن تدفق ملايين اللاجئين السوريين إلى الجوار، وخصوصاً إلى أوروبا في طوفان بشري لا سابق له.
وفي البحرين جرت حوارات متقطعة بين ممثلي الحكومة والموالاة والمعارضة بدءاً بمبادرة ولي العهد في مارس/ آذار 2011 حتى 2014 من دون أن تتمخض عن أية نتيجة.
هناك حالتان حيث مازالت المفاوضات مستمرة بوساطة دولية بين النظام والمعارضة، الحالة السورية، حيث تعاقب على تمثيل الأمم المتحدة في المفاوضات الأخضر الإبراهيمي (الجزائري) ثم كوفي عنان (الأمين العام السابق للأمم المتحدة) وأخيراً ميستورا الموظف الإيطالي الكبير في الأمم المتحدة، وقد عقدت جولات متقطعة من المفاوضات في جنيف بموازاة اجتماعات للدول المعنية بما في ذلك الدول العظمى، وحتى الآن فإن كل ما أنجزته هذه المفاوضات هو الاتفاق على هدنة غير فاعلة للأعمال العدائية، وليس وقف إطلاق نار شامل ودخول بعض المساعدات الإنسانية لمناطق منكوبة، وإجلاء جرحى وتبادل أسرى، وفي حال اليمن فقد تداول عدة ممثلين للأمم المتحدة مهمات رئاسة وفد الوساطة بين نظام عبدربه منصور هادي المقيم في الرياض وحكومته في عدن، وسلطة الأمر الواقع للحوثيين وصالح في صنعاء، آخرهم إسماعيل ولد الشيخ، حيث تعثر عقد جولة مفاوضات في جنيف، يجرى نقل المفاوضات إلى الكويت منذ أشهر لتدور المفاوضات في حلقة مفرغة حول أولويات تنفيذ قرارات مجلس الأمن 1226، وكل ما تمخض عنها هو وقف إطلاق نار لم يصمد طويلاً لتستأنف الحرب بضراوة.
الحقيقة أن هناك أسباباً وراء اجترار المفاوضات بين طرفين عربيين متنازعين أو في حال حرب، والمماطلة، وتقديم مطالب مستحيلة، وعدم التحلي بالواقعية من قبل الأطراف المتنازعة بحيث تكون هذه المفاوضات جدية وتؤدي إلى وضع خطة فاعلة للانتقال من وضعية الحرب أو النزاع والاستقطاب، إلى حالة السلم في ظل سلطة توافقية تؤسس لوضع مستقر ينقل البلاد من حال إلى حال، كما حدث في العديد من حالات النزاع في بلدان أخرى، هناك ثقافة عربية متأصلة وهي ثقافة الغلبة عبر عنها الشاعر العربي:
ونحن أناس لا توسط عندنا **** لنا الصدر دون العالمين أو القبر.
العرب يميلون في حروبهم مع بعضهم بعضاً وليس مع الأجنبي إلى الحسم القاطع بحيث تستمر الحروب والنزاعات سنين طويلة، وعلى رغم إدراك الأطراف المتحاربة في بعض الدول باستحالة نصر عسكري أو انتصار سياسي، فإن هناك إصراراً على الانتصار الكاسح على الخصم وإلحاق الهزيمة به والإذلال به، والذي يؤسس لنزاع أو حرب قادمة. وعلى رغم كثرة الحديث عن التسامح تجاه الخصم المهزوم والحفاظ على كرامته، وعدم المس بالمدنيين وخصوصاً النساء والأطفال والأسر إلا أننا نشهد عكس ذلك تماماً في الحروب والنزاعات العربية العربية، أما العامل الثاني فهو انعدام الواقعية فيما بين الأطراف المتنازعة، فكل طرف يقلل تماماً من وجاهة مطالب الطرف الآخر، وقوته وماذا يمثل، وتصطدم التسويات بتمسك الجهات الرسمية بكامل السلطة من دون استعداد للمشاركة مع الخصم، وكذلك طموح المعارض للغنم بكامل السلطة، من دون أية مشاركة من النظام القائم كما هو الحال في سورية.
أما العامل الثالث فهو استناد الأطراف المتنازعة إلى قوى إقليمية ودولية، بحيث تصبح رهينة لمصالح واستراتيجيات هذه الأطراف حيث نلحظ أن الحروب العربية العربية هي حروب بالوكالة.
العامل الرابع هو تحويل الصراع من صراع سياسي أو صراع على تقاسم السلطة إلى صراع ايديولوجي عقائدي أو ديني أو مذهبي أو عرقي إلى حد تحويله إلى صراع بين الحق والباطل، كما هو حاصل في العراق وسورية وغيرها. الحديث يطول لكني أكتفي هاهنا ونستأنف العرض.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 5040 - الجمعة 24 يونيو 2016م الموافق 19 رمضان 1437هـ
الله يفرج عن البحرين وشعبها
العرب انكرو حق دولة اسرائيل في الوجود و سلطو كل وسائل اعلامهم منذ اجيال لكره اليهود و تشبه الاسرائلين بلقردة و الخنازير و انهم لايستحقون الحياة حتى كونو جيل غارق بلحقد و الكراهية على اسرائيل و لو تسآله ماسبب كرهك لاسرائيل بيقول لك لانهم يهود ولا احد يعرف ماهي القضية الفلسطينيه ، العرب لا يوجد بهم حكيم في السياسيه دائما يعملون بسياسية التكبر و التعالي و العظمة لهم دون البشر ، انظر الحال الان اسرائيل اين وصلت من تقدم وانظر لدول العرب وحالهم البائس .