العدد 5040 - الجمعة 24 يونيو 2016م الموافق 19 رمضان 1437هـ

«الوسط» تسيح في قلالي: حيث الفنون وذكرى القومية... والثروات المتوارية

«دولة» سالم بن درويش... هنا أثر المؤسس لقرية قلالي
«دولة» سالم بن درويش... هنا أثر المؤسس لقرية قلالي

على أرض قلالي المرتفعة، وهي إحدى الإشارات التي يذكرها الأهالي لسبب تسمية القرية، حلت «الوسط» ضيفةً على أسرة المهتم بالتراث الحاج عبدالرحمن المناعي. في البيت الذي لم يبرحه الكرم، والضيافة، والروح القومية.

هناك، حيث الذكرى العصية على الزوال للقومية العربية، كان المناعي رفيق الجولة السياحية والاستكشافية، بما يملك من تجربة ممتدة وشهادة مباشرة على محطات من تاريخ القرية. يتحدث ومن خلفه صورة الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر، «الشخصية التي قل أن يجود بها الزمان»، يقول المناعي، ويضيف «في الخمسينات من القرن الفائت، لن تجد بيتاً هنا يخلو من صورة عبدالناصر، أمّا قلالي، فهواها عروبي بامتياز».


حكاية الحوت القاتل... وزعامة العلان وحسين بن علي في الغناء والوطنية

«الوسط» تسيح في قلالي: حيث الفنون وذكرى القومية... والثروات المتوارية

قلالي - محمد العلوي

على أرض قلالي المرتفعة، وهي إحدى الإشارات التي يذكرها الأهالي لسبب تسمية القرية، حلت «الوسط» ضيفةً على أسرة المهتم بالتراث الحاج عبدالرحمن المناعي. في البيت الذي لم يبرحه الكرم، والضيافة، والروح القومية.

هناك، حيث الذكرى العصية على الزوال للقومية العربية، كان المناعي رفيق الجولة السياحية والاستكشافية، بما يملك من تجربة ممتدة وشهادة مباشرة على محطات من تاريخ القرية. يتحدث ومن خلفه صورة الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر، «الشخصية التي قل أن يجود بها الزمان»، يقول المناعي، ويضيف «في الخمسينات من القرن الفائت، لن تجد بيتاً هنا يخلو من صورة عبدالناصر، أما قلالي، فهواها عروبي بامتياز».

وحيث النهار الرمضاني القائظ، كان أبوطارق يسير بلا كلل، متحدياً عناء العقود الثمانية، ومتجولاً بين «فرجان» قلالي، يقوده الى ذلك حنينه الى الماضي الذي أتت عليه «عوامل الحداثة»، في إشارة للجزر المستحدثة المجاورة لقلالي، والتي حلت محل ساحلها الممتد، بعد أن كان في يوم من الأيام يلاطم بأمواجه بيوت الأهالي، في مشهد لفظ أنفاسه الأخيرة من بعد العام 2000.

ذلك، ما يعتبره الأهالي «كارثة بحرية صمت عنها الجميع رغم تدميرها للمراعي البحرية الممتدة من الحد مروراً بقلالي وسماهيج والدير وصولاً للبسيتين، فطمست «الجواجب» البحرية والمراعي البحرية بطحالبها وأعشابها، الى جانب «الحظور» التي كانت مصدر رزق لمئات الصيادين، ممن أخرجوا من بحرهم عنوة ودون تعويض»، فيما النداءات الأهلية هناك لاتزال تنادي بالعدالة ومقاضاة من دمر البحر.

وبرفقة أبوطارق، انطلقت الجولة على بحر من فوقه اسفلت، بدءاً من العين الجنوبية، أولى العيون الثلاث التي اختفت جميعها بحلول السبعينات، يجاورها بيت الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة (والد الشخصية الرياضية الشهيرة الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة)، والذي اختار قلالي مصيفاً له، ومنه تبدأ (البلوط) الصخور كبيرة الحجم والتي كانت تمتد على ساحل قلالي، ولتستذكر الجولة ملامح القرية القديمة قبل موجات الدفان المتلاحقة، بما في ذلك بيوت الأهالي المبني غالبها من سعف النخيل.

تسير الجولة في الشارع المحاذي لمدرسة قلالي الابتدائية للبنات، وعلى الطرف الثاني من الشارع، يقع مجلس المرحوم ابراهيم بن احمد المناعي. المجلس الذي يصل عمره الى 90 عاماً كما يؤكد عبدالرحمن المناعي، معلقاً على مشهد البراحة القريبة من المجلس «هنا كنا نستمع عبر الراديو لخطابات جمال عبدالناصر، بمعية الشباب في النادي وكبار السن من الأهالي».

يعود المناعي بذاكرته لـ 60 عاماً مضت، «في 1956، العام الذي شهد اندلاع حرب السويس، كان الغضب الشعبي على بريطانيا يعم قرية قلالي»، مستذكراً في هذا الصدد الوحدة التي كانت عنوان الشعوب العربية بغض النظر عن انتماءاتها الدينية والمذهبية.

حكاية الحوت القاتل

في موقع مدرسة قلالي الابتدائية للبنات كان لزاماً على الجولة، التوقف لتدوين تفاصيل الحكاية الأكثر إثارة في قلالي. حكاية الحوت القاتل والتي تعود للخمسينات ولايزال الأهالي يرددون تفاصيلها المثيرة.

يحكيها المناعي بالقول «في ليلة قمرية كانت الساعة تشير للعاشرة مساء، وحيث الماء «قراح»، توجه عدد من رجالات القرية للحظور، من بينهم والدي، حتى تناهى لأسماعهم صوت قادم من البحر، بدا لهم للوهلة الاولى كالصوت الصادر عن سفينة من سفن الغوص، غير ان المفاجأة كانت مع اكتشافهم الحوت العالق والبالغ طوله 10 أمتار تقريباً».

ويضيف «بدأوا بقص ذيل الحوت قليلاً لمنعه عن الحركة، وربطوه بالحبال وتركوه على هذا الحال حتى صباح اليوم التالي، ومع حلول الصباح ذهبت نحو (5 هواري) فسحبوه وتركوه في موقع المدرسة الحالي».

ويتابع «انتشر الخبر على مستوى البحرين، وظن البحرينيون ان الحوت هو حوت عنبر فيما كان حوتاً قاتلاً، وجاءت الشرطة لفتح بطنه فكانت المفاجأة حين ظهر «العوعو» وهي نجمة البحر، بدل «العنبر». وقتها كنا صغاراً، نلهو بخياشيمه عبر وضع علب فارغة عليها لتصعد مع نفخ الحوت للماء. ظل الحوت على حاله لمدة 12 يوماً حتى «خاس ومات»! فيما تم نقله من قبل الاهالي لمسافة بعيدة في البحر، حتى استقر في منطقة في شمال قطر، أما ذيل الحوت فأبعد لشمال قلالي لتتغذى عليه الطيور».

وفي شعر منسوب لسيدة بحرينية من الحد، يوثق الحادثة، تقول فيه «ذكر عنبر في قلالي... من كبره ضاعت أفكاري... كلٍ ركب في موتره... حتى الريال والمرة... كلٍ لبس بشته... صارت قلالي كشته».

حسين بن علي... زعامة وطنية

في أحد «فرجان» قلالي، تقع بيوت عائلة الحاج حسين بن علي المناعي.

وحسين بن علي، هو الجد لعبدالرحمن المناعي، والذي يعرفه بالقول «ضمت قلالي شخصيات تركت بصماتها في تاريخ النضال الوطني في البحرين، من بينها رجالات يتصدرهم المناضل الوطني والشخصية الدينية المرحوم حسين بن علي المناعي، والذي توفي في ثلاثينيات القرن الماضي».

يضيف لحظة المرور بمنطقة سكن حسين بن علي «هنا مجلسه وذاك مسجده الذي يمتد لـ 80 عاماً وقد جدد بالكامل ليحمل اسم (المسجد الشمالي)، وذلك بعد رفض إدارة الاوقاف السنية، تسميته باسم حسين بن علي».

يتحدث الحفيد عبدالرحمن المناعي، عن جده بتفاصيل أكثر «كان ذا شخصية قوية وكلمة نافذة، هو من بين الموقعين على عريضة العام 1925 المرفوعة للمعتمد السياسي الميجر ديلي، والمطالبة بإصلاحات تشمل انشاء مجلس تشريعي ومحاكم. كان خصماً لدوداً لديلي».

أما الشاب طارق عبدالرحمن المناعي، فيتحدث عنه بالقول «بجانب ذلك كان له دور اجتماعي بارز، من ضمن ما ينقل في هذا الصدد مساعدته لاهالي الدير وسماهيج ضد شكوى من احد اللصوص. لحظتها جاءه الاهالي شاكين. أما نشاطه السياسي فحين امر ديلي بنفيه بسبب نشاطه السياسي كانت فزعة اهالي الدير وسماهيج لمناصرته، لحظتها احاطوا قلالي براً وبحراً، فتراجع ديلي عن قراره».

وفي الحديث عن التاريخ النضالي لقلالي، تبدو القرية محطة منسية، رغم حضورها المؤثر في تاريخ هيئة الاتحاد الوطني، ومساهمتها في انجاح الاضراب الشهير واظهار قوة الهيئة، حتى كان من مثقفيها ومن رجالاتها العامة، أحمد بوجسوم، أحد الأعضاء الـ 120 للهيئة.

دموع الجولة

تستكشف الجولة «فرجان» قلالي القديمة، فتكون الزيارة لما تبقى من احد البيوت التراثية المهدد بعمره الممتد لقرن من الزمان، بالإزالة. بيت محمد بن عبدالله المناعي، المشيد من الحجارة، والذي عاينته «الوسط» من الداخل، حيث السقف المكون من الدنجل، والحال المزري والمهمل.

يتحدث المناعي وعيناه تغرورقان بالدموع «لا أتمالك نفسي ورجلاي تطآن هذه «الفرجان» التي كانت في يوم من الأيام مساحة لهو ومتعة لنا، فهناك العين الصغيرة (الغرفة) التي تغذي العين الوسطية (المسبح) والتي حفرها بن هندي لتحمل اسمه، ومن «سيبانها» كان الماء يفيض».

وإلى العين الشمالية، التي اختفت هي الأخرى بعد أن حلت محلها صالة تابعة لأحد مساجد القرية، فيما يقع بالقرب منها منزل آخر غواويص قلالي، المرحوم أحمد بن عيسى الجودر الذي توفي في حادثة غرق لم تكشف كل أسرارها بعد.

«دولة» سالم بن درويش

وفي احد فرجان قلالي القديمة، لاتزال شواهد الحقبة التي كان فيها سالم بن درويش المناعي، سيدا على قلالي بوصفه احد المؤسسين لها.

في «دولة» سالم بن درويش، حطت الجولة رحالها. «في الفريج الذي يضم مسجد سالم بن درويش الذي يتجاوز عمره الـ 100 سنة، والبيوت المجاورة له»، يقول المناعي.

هنا منزله، وهنا كانت قلعته، أما هناك فالبيت الذي احتضن أول مدرسة للبنات لمدة تصل الى 4 سنوات وكان الاقبال على التعليم منقطع النظير من البنات من مختلف الاعمار كما تشير لذلك الباحثة فاطمة السليطي.

عن بعض من سيرة سالم بن درويش يتحدث المناعي «حين قدم لقلالي في 1783م، أقام سالم بن درويش، مسجده الذي جدد بناؤه بالكامل، كما أعاد تشييد القلعة التي حولها لبرج ووضع فيها المدافع قبل ان تختفي معالمها اليوم بالكامل».

وفي الحديث عن تجربة قلالي التعليمية، يشير المناعي «في الخمسينات لم يكن هاجس التعليم غائباً عن قلالي، يعود ذلك بشكل رئيسي لتاجر اللؤلؤ عبدالله بن عيسى المناعي، والذي طالب الحكومة بإنشاء مدرسة لتعليم ابناء القرية، وحين تذرعت بعدم توفر المكان، أقدم على تخصيص بيته كمدرسة للبنات قبل انشاء مدرسة قلالي العام 1961».

النادي والجمعية... ريادة «قلالية»

لا يمكن للحديث بشأن قلالي، القفز على محطة تأسيس جمعية الوحدة الثقافية العام 1950 تقريباً، والتي لعبت دور الأم، بفضل نشاطها المتنوع والذي طغى عليها الطابع الثقافي، الى جانب نشاطات رياضية وخيرية.

سبقت قلالي غيرها إلى مأسسة النشاط الأهلي، فكان تأسيس الجمعية التي لعبت دور الأم لبقية المؤسسات، بفضل نشاطها المتنوع، ثقافياً ورياضياً وخيرياً.

تنقلت الجمعية التي تفردت باسمها تأثراً بالجو القومي السائد آنذاك، من حجرة إلى بيت واستمرت تزاول نشاطها الثقافي، حتى تغير اسمها بعد 7 سنوات إلى نادي قلالي العام 1957.

يتحدث المناعي عن تلك الحقبة، لحظة الوصول لموقع الجمعية التاريخي وبعد ان تحول لبيت ضمن بيوتات الاهالي، «تعاقبت على النادي أسماء عديدة، من بينها مسئول النشاط الثقافي الأديب أحمد علي المناعي، وكان للنشاط الثقافي حضوره، عبر إقامة الندوات والمسابقات وإصدار المجلات الحائطية، مصحوباً ذلك بتفاعل كبير من قبل الأهالي»، مضيفاً «بعد تحولها لنادي قلالي، تمكنت القرية عبر نشاطها المسرحي من حصد الجوائز بفضل ممثليها من بينهم أحمد حمد وعلي محمد سعد ويوسف بن أحمد وعبدالله يوسف، والمخرج راشد سعيد، وعبر مشاركاتها المسرحية داخل البحرين وخارجها، ففي السبعينات كانت الجمعية تحصد جائزة من خلال مشاركتها في مسابقة تلفزيونية، وأخرى من خلال مشاركتها المسرحية في مسابقة في المملكة العربية السعودية».

وعن دافع الأهالي لإنشاء الجمعية في وقت بدا مبكراً، يوضح «الدافع او السر هو ما امتازت به قلالي من وجود شباب مثقف كانوا من طلبة المدارس، كانوا هم «دينامو» القرية، من بينهم عيسى عبدالله مبارك، أحمد المناعي، صالح الشبعان، المرحوم إبراهيم الشبعان، المرحوم محمد بن أحمد المناعي، وآخرون».

لا تقهر وملاعبها مهددة

كان لقلالي فريق لكرة القدم، شكل لغزاً لسنوات. فالفريق الذي لم يكن لقمة سائغة لبقية الفرق البحرينية كالمحرق والهلال والترسانة، تحديداً على أرضه وبين جمهوره، ظل سراً مختبئاً حتى اكتشفه الجميع.

يمتد الملعب على مساحة كبيرة، اعتاد عليها أبناء قلالي، لكنها كانت للآخرين، صعبة المراس، فلم يكن لأحد ان يجاري جاسم محمد في هجومه، ولم يكن لأحد أن يجرؤ على اجتياز دفاع الفريق الذي كان يملك في صفوفه محترفين من الحالة ومن سماهيج والدير.

يتحدث المناعي عن ذلك بلهجة تحدٍ قلالية «كفو واحد يطوف»، مستذكراً بعض الاسماء التي تعاقبت على فريق كرة القدم من بينها المرحوم حسن بن راشد المناعي، وأخوه علي بن راشد المناعي، أحمد بن علي المناعي، صالح الشبعان، ومن الدير كل من المرحوم حسن محمد علي وعبدالله غلوم.

واليوم، تواجه قلالي مشكلة فقدان ملاعبها التي احتضنت مواهب القرية لـ 90 عاماً خلت، ويشمل ذلك ملعب النادي الوحيد، في ظل صمت مطبق للمؤسسة العامة للشباب والرياضة.

يعقب المناعي «الملاعب التي تقع خلف مطار البحرين الدولي، احتضنت في سنوات سابقة مباريات مهمة في تاريخ الرياضة البحرينية من بينها اللقاء الشهير الذي جمع نادي الاسماعيلي المصري بالمنتخب البحريني، لكنها اليوم باتت قاب قوسين أو أدنى من الإزالة وتحويل أراضيها لملكية خاصة لإحدى الجهات الرسمية، دون تقديم البديل حتى مع توفر أرض كبيرة مقابلة لموقع الملاعب الحالي».

يتذكر الأهالي حكاية هذه الملاعب «في عهد المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة (جد جلالة الملك)، تحصلت القرية على ملاعبها منه بشكل مباشر، واليوم يعيش الأهالي مأزق فقدانها بما يهدد واقع شباب القرية وناشئتها».

في الإطار ذاته، كانت الجولة تتجه ناحية مقر النادي، المقر الذي ينتظر اليوم وعوداً قدمها وزير شئون المؤسسة العامة للشباب والرياضة هشام الجودر ببناء النادي وتوسعته، فيما كان الأهالي يبعثون للوزير رسالة تحمل مطالباتهم بالإبقاء على ملاعب القرية وعدم التفريط بها.

المهن القديمة

في قلالي، تتصدر مهنة الغوص قائمة المهن التي شغلها الاهالي، استمر ذلك حتى العام 1940 تقريباً.

الى جانب ذلك، هنالك الحظور التي تعتبر من تراث قرية قلالي، المرتبطة بمهنة صيد الاسماك، حيث الموقع الذي يميز قلالي بوصفها موئلاً للأسماك.

استمر اعتماد الاهالي على تلك المهن، حتى اقتراب موعد النفط، ليترك الاهالي الغوص ويتجهوا لـ «أرامكو» السعودية، قبل «بابكو» التي كانت خيارهم بعد تحصلهم على عروض افضل.

الثروة البحرية المندثرة

والى جانب بحرها، كانت قلالي تضم مساحة كبيرة من «البلوط»، وهي صخور كبيرة الحجم، متلاصقة فيما بينها وتنتشر على ساحلها، في مشهد يؤكد الاهالي خصوصيته لقلالي دون غيرها من القرى الساحلية.

وحتى وقت قريب كانت قلالي وقبل اعمال دفان البحر وظهور الجزر الاصطناعية، تضم 3 عيون و3 جواجب، وطبيعة منحتها جاذبية حتى باتت مصيفاً لعدد من الشخصيات.

اليوم، يتحدث الشاب طارق المناعي عن الفارق بعد غياب البحر «لم يكن البحر مجرد مصدر للرزق والاستمتاع، بل كان جزءاً من منظومة متكاملة تمنح المواطن التوازن النفسي المطلوب»، مضيفاً «مع غياب البحر بدأت التغيرات تترك تأثيراتها بصمت، وبتنا نرى التغيرات التي طالت «نفسية» الاهالي».

في الاطار ذاته، يستذكر الاهالي كيف كان البحر اداة علاج لهم فيما مضى، من امراض ارتفاع درجة الحرارة وغيرها.

يقول عبدالرحمن المناعي «كان المريض يخرج معافى مع دخوله البحر ونقع بدنه في مائه، وفي الختان ينتقل (المختون) للبحر للتخلص من قماش الختان، اما الكائن البحري (بورزقين) وهو احد القباقب الصغيرة فقد كان أداة فعالة لعلاج السعال الديكي».

الفنون الشعبية

تمثل قلالي احدى المناطق الرئيسية في البحرين المشهورة بالفنون الشعبية المرتبطة بالبحر، والمعروفة بـ»الغناء البحري» المعبر عن معاناة البحارة.

هذا الحديث يقودنا لسالم العلان، الشخصية الأشهر والتي تجاوزت بنشاطها الغنائي حدود البحرين وبلغت بلدان أوروبا من بينها فرنسا وإسبانيا، حيث قدمت الفرقة، الفنون الشعبية بالتعاون مع تلفزيون البحرين. «الوسط»، سارت في «الفريج» الذي يقع فيه بيت سالم العلان، والذي ارتبط بالفن الشعبي، وقريباً منه يقع بيت مرزوق الذي كان داراً تحتضن الفن الشعبي، فيما يعلق المناعي على ذلك مسجلاً مشاهداته المباشرة «يخرج العلان من البيت قاصداً مسجد المنانعة لأداء الصلاة، كان هادئ الطباع وصوته الذي يعتبر من اجمل الاصوات الخليجية كان افضل معبر عن معاناة الغواص».

وبيت العلان الذي كان مقرا للفنون الشعبية، غاب صاحبه عن قلالي بعد رحيله، لكن تلامذته من أعضاء الفرقة بقيادة النهام المعروف سعد بوجفال لا زالوا متشبثين بإرثه.

يتحدث الاهالي في قلالي عن العلان بفخر بالغ «هو أب الغناء، ولا نبالغ اذا ما اعتبرناه شخصية عالمية شبيهة بأم كلثوم، ومن حقه على الدولة تخليد ذكراه، والاحتفاء به، فاسمه تخليد لحكاية الغوص»، مشيرين في هذا السياق الى فكرة لا تزال تختمر وتتعلق بتأليف مسلسل يحمل اسم (سالم العلان).

وفي تفاصيل يؤكدها الاهالي «اصيب العلان بالعمى بسبب الغناء، وقال له الاطباء (ان نظرك يضعف واذا استمررت في الغناء ستفقد البصر)، فقال (لأعمى لكني لن أتوقف عن الغناء)، ولعل السبب في ذلك كثرة الدمع الذي كان تذرفه عيناه لحظة الغناء البحري المؤثر».

ويرى الاهالي ان العلان تعرض للظلم في حياته وفي مماته، «حتى بدا كثيرا على الجهات المعنية اطلاق اسمه على احد شوارع المملكة، وعلى تلفزيون البحرين الاحتفاء بذكراه. لم يحصل على أي شيء، وادى ما عليه من واجب تجاه وطنه».

بجانب ذلك، يضيف الاهالي «ظلمت فرقة قلالي للفنون الشعبية التي لا تزال تفتقر للمقر الخاص بها، وهي بأعضائها الشباب تمثل اليوم البقية الباقية من الفن البحري العريق».

أم طارق... وحكاية عشق مع الأمثال الشعبية

مع ابنة قلالي، الباحثة فاطمة السليطي (أم طارق) كان ختام الجولة، فالباحثة التي عشقت الامثال الشعبية ومنها كانت البداية، كانت تجربتها في التأليف التي أثمرت كتاب (مثل ومعنى).

تتحدث السليطي عن تجربتها بالقول «وقتها، كنت تلميذة في مدرسة قلالي الابتدائية للبنات، ومع «سوالف نسوان الفريج» طرق سمعي مثل شعبي، شكل لي البداية حيث قمت بتدوينه ومن بعدها استمر المشوار حيث حرصت على الالتقاء بالنساء من الامهات والجدات لجمع الامثال الشعبية».

وتضيف «كنت أكتب في مجلة بانوراما الخليج، زاوية تحت عنوان (مثل ومعنى)، وبعد ذلك تم إصدار المحصلة في كتاب، واتذكر وقتها ان لقاء صحفياً جمعني مع صحيفة اخبار الخليج العام 1989، ومن حسن حظي ان اطلع عليه جلالة الملك (وقتها كان ولياً للعهد)، ووجه بطباعة الكتاب على نفقة الديوان».

ونوهت السليطي الى اهمية المثل الشعبي الذي يضم في جنباته حكمة توثق لمرحلة معينة، كما ان كلمات المثل تعبير مباشر عن اللهجة المحلية الدارجة، كما لفتت الى استمرارها في توثيق المزيد من الأمثال الشعبية البحرينية.

براحة الناصريين... هنا كان أبناء قلالي يستمعون لخطابات عبدالناصر
براحة الناصريين... هنا كان أبناء قلالي يستمعون لخطابات عبدالناصر
حيث تبدأ «بلوط» قلالي
حيث تبدأ «بلوط» قلالي
هنا كانت العيون الجنوبية... إحدى عيون قلالي المطموسة
هنا كانت العيون الجنوبية... إحدى عيون قلالي المطموسة
مسجد حسين بن علي (الشمالي)... زعيم وطني في فترة العشرينات
مسجد حسين بن علي (الشمالي)... زعيم وطني في فترة العشرينات
بيت مرزوق... في فريج الفن الشعبي
بيت مرزوق... في فريج الفن الشعبي
سقف البيت التراثي... مهمل ومهدد بالزوال
سقف البيت التراثي... مهمل ومهدد بالزوال
بيوت حسين بن علي... ذكريات ودموع
بيوت حسين بن علي... ذكريات ودموع
أمام بيت سالم العلان... أيقونة قلالي الغنائية
أمام بيت سالم العلان... أيقونة قلالي الغنائية
مع أم طارق... باحثة ومُتيَّمة بالأمثال الشعبية - تصوير عقيل الفردان
مع أم طارق... باحثة ومُتيَّمة بالأمثال الشعبية - تصوير عقيل الفردان
موقع العين «الوسطية» قبل أن يندثر
موقع العين «الوسطية» قبل أن يندثر
مدرسة قلالي... هنا كان الحوت القاتل
مدرسة قلالي... هنا كان الحوت القاتل
صورة عبدالناصر... حاضرة في كل بيت
صورة عبدالناصر... حاضرة في كل بيت
بيت محمد بن عبدالله المناعي... آخر البيوت التراثية
بيت محمد بن عبدالله المناعي... آخر البيوت التراثية

العدد 5040 - الجمعة 24 يونيو 2016م الموافق 19 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 12:24 م

      في انتظار جولة في حالة بوماهر

    • زائر 11 | 6:00 ص

      الدراز

      اتمنى من صحيفة الوسط ان تسيح في الدراز ..

    • زائر 8 | 4:47 ص

      تقرير مميز وخاصة الفنون والأغاني الشعبية، ونتمنى تقارير لكل مناطق البحرين.

    • زائر 7 | 3:49 ص

      عيال قلالي الأصليين محد يقدر ينكر طيبتهم
      عاشو معانا في سماهيج وعشنا معاهم في قلالي
      يد وحدة وقلب واحد
      الله يرحم أيام الطيبة

    • زائر 6 | 3:42 ص

      شكرا للوسط
      شكرا لصاحب الجولة المناعي
      قراءة ماتعة كانت تجول بين السطور
      ليتكم تواصلون لبقية القرى
      من الزلاق وحتى الدير
      من سترة مرورا بالرفاع وحتى المالكية
      من قرية البديع إلى طشان وحتى النعيم

    • زائر 4 | 2:36 ص

      الله يجمع البحرينين على يد وحده يارب ويبعد عنهم كل مكروه ... ماحلات قرى البحرين وأهلها وطيبتهم
      قلالي أم الكرم والطيب .. شكرا جريدة الوسط

    • زائر 5 زائر 4 | 3:03 ص

      شكرا الوسط

      ............

    • زائر 3 | 2:30 ص

      آي عليج يابحرين

      بحرين قبل .. البحرين الا كلها يد وحده في الخير والشر في الفرح والحزن ولا احد يقدر يفرقها !!!
      شكرا للوسط

    • زائر 2 | 2:01 ص

      يحلاوتكم يلبحرينيين الأصليين ووجوهكم السمحة

    • زائر 1 | 10:38 م

      محرقي : كل الشكر والاحترام والتقدير لجريدة الوسط على هذا اللقاء الجميل والمعبر والمحزن بنفس الوقت ، طمس هوية الاجداد بكل مناطق المحرق والبحرين باسم التطوير ، الواقع ان اصحاب النفوذ يسيل لعابهم و يلهثون من اجل مصالحهم وكسب النقود على حساب عيال الديرة للاسف لم يبقى لنا بالمحرق الا الذكريات الجميله بأهلها الطيبين .

    • زائر 10 زائر 1 | 5:03 ص

      شكراً للوسط بس نبي كل يوم في مكان من بحرينا الحبيبة

اقرأ ايضاً