أُجبر سردار غول على خفض دخله إلى أكثر من النصف.
لقد تحول انتقاله إلى موقع البناء، الذي يبعد 3 كيلومترات، إلى محنة تستغرق ساعتين بسبب التدقيق اليومي من قبل الشرطة التي تواصل تضييق الخناق على اللاجئين الأفغان في باكستان. وبالتالي أصبحت تلك الرحلة بلا جدوى. وبدلاً من مواجهة الحواجز الأمنية والتفتيش المفاجئ في العمل، استبدل غول مجرفته بمخرز.
يكسب غول الآن حوالي 150 روبية (دولاراً واحداً) يومياً مقابل إصلاح الأحذية في كشك مؤقت بالقرب من مخيم كابابيان للاجئين في بيشاور. وهذا مبلغ زهيد بالمقارنة بالـ400 روبية التي كان يحصل عليها كل يوم كعامل بناء، وبالكاد يكفي لإطعام أسرته المكونة من 10 أشخاص.
لقد أصبح غول و1.5 مليون لاجئ مسجل آخر - جنباً إلى جنب مع ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ لا يملكون وثائق - عالقين بين المطرقة والسندان. تفرض باكستان ضغوطاً متزايدة عليهم لإجبارهم على العودة إلى أفغانستان، ولكن الصراع يزداد سوءاً في وطنهم والاقتصاد منهار أيضاً.
وتجدر الإشارة إلى أن اللاجئين الأفغان قد فروا إلى باكستان على مدار عدة عقود: خلال ثمانينيات القرن الماضي والغزو السوفيتي، والحروب الأهلية في التسعينيات، ونظام طالبان الذي تلاها، و15 عاماً من الصراع منذ الإطاحة بنظام طالبان في عام 2001. ولكن ترحيب باكستان بهم يوشك على النفاد الآن.
وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال عبد القادر البلوشي الوزير الاتحادي الباكستاني للولايات والمناطق الحدودية أن الحكومة بصدد وضع اللمسات الأخيرة على خطط لإرسال الأفغان إلى وطنهم.
وأضاف قائلاً: "لقد استضفنا اللاجئين لأكثر من ثلاثة عقود، ولكننا الآن نريدهم أن يغادروا باكستان بحلول نهاية هذا العام. يجب على الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي أن يساعدوا باكستان على إعادتهم إلى وطنهم".
وأكد أنه سيتم ترحيل اللاجئين على مراحل، ويمكن للبعض أن يظلوا في البلاد حتى عام 2017، طالما تحسنت العلاقات بين البلدين.
توتر متزايد
وتتهم أفغانستان باكستان منذ فترة طويلة بدعم جماعات مسلحة في أراضيها، وتصاعدت التوترات بين البلدين هذا الشهر مع وقوع اشتباكات عسكرية عند الحدود المتنازع عليها. وفي الوقت نفسه، من المقرر أن تنتهي صلاحية بطاقات الإقامة المؤقتة الممنوحة للاجئين في 30 يونيو، وقد أبلغ الأفغان عن زيادة التدقيق من قبل الشرطة، فضلاً عن المضايقات والابتزاز في بعض الحالات.
وفي هذا الشأن، قال غول أن "الشرطة ووكالات أمنية أخرى تشعر أن كل لاجئ أفغاني يعيش في باكستان إما إرهابي أو يساعد الإرهابيين على تفجير المدارس والمستشفيات واستهداف المنشآت الأمنية. والحقيقة هي أننا نحن أنفسنا ضحايا الإرهاب في كل من باكستان وأفغانستان".
وفي بيئة عدوانية على نحو متزايد، يقول اللاجئون الأفغان أنه من الصعب الآن العثور على عمل. وكان العديد من أفراد أكثر من 200 أسرة في مخيم غول يعملون في بيشاور كعمال نظافة أو نوادل أو يقومون بأعمال يدوية، لكنه قال أن الكثير من الباكستانيين لم يعودوا يرغبون في توظيفهم.
وقال بخت خان، وهو لاجئ أفغاني آخر، أن الشرطة تلاحق أيضاً اللاجئين الذين يعتاشون من بيع الفواكه والخضروات، وغيرها من السلع على عربات اليد. وأضاف "إننا نؤخذ بشكل روتيني إلى مراكز الشرطة من دون اتهام محدد، ولا يُطلق سراحنا إلا بعد تدخل شخص ذي نفوذ في المنطقة أو مسؤول في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
متاعب في الوطن
وعلى الرغم من صعوبة الحياة في باكستان، قد يجد اللاجئون أن العودة إلى وطنهم أكثر صعوبة.
"لقد أدى الصراع الذي طال أمده في أفغانستان إلى انهيار اقتصادي وبطالة واسعة النطاق في البلاد. إنها ليست في وضع يتيح لها الآن دعم عودة اللاجئين ورعايتهم،" كما أفاد صمد خان، المتحدث باسم المفوضية.
وقالت بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في تقرير لها أن الخسائر في صفوف المدنيين قد سجلت رقماً قياسياً جديداً في الربع الأول من هذا العام. وبلغ عدد الأفغان النازحين داخلياً 1.2 مليون شخص، بينما يفر الناس من منازلهم بمعدل 1,000 يومياً، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.
انظر: 1,000 أفغاني يفرون من القتال كل يوم
وتكافح الحكومة الأفغانية لمواجهة الأزمة. وقد كشف تقرير صدر مؤخراً عن منظمة العفو الدولية أن العديد من النازحين "يعيشون على حافة البقاء على قيد الحياة"، نظراً لفشل الحكومة في سن قانون يعكس سياستها الوطنية بشأن النازحين داخلياً.
مع ذلك، يجري أيضاً الحد من برامج الإغاثة في باكستان بسبب نقص التمويل.
وقال خان أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد اضطرت إلى تخفيض ميزانيتها بنسبة 15 بالمائة في العام الماضي لأن الجهات المانحة قدمت 40 بالمائة فقط من الـ230 مليون دولار التي كانت بحاجة إليها لدعم المرافق التعليمية والصحية.
واعتباراً من شهر مايو الماضي، لا تستطيع المفوضية سوى دعم تعليم 53,000 طفل من أصل 229,120 طفلاً لاجئاً في سن المدرسة، وحتى أولئك القادرين على حضور الدروس يمكنهم الآن الدراسة فقط حتى الصف السادس، بدلاً من الثامن. وقد اضطرت المفوضية إلى وقف دعم البرامج الصحية.
وعلى الرغم من تقلص الخدمات وزيادة المضايقات، يقول بعض اللاجئين أن لا خيار أمامهم سوى البقاء في باكستان.
وفي هذا الصدد، قال محمد دوست: "إننا نفتقد وطننا الأم، ولكننا نعرف أيضاً أنه لا توجد به فرص عمل أو مرافق تعليمية أو صحية لأطفالنا. نحن لا نريد أن نغادر باكستان".