أشاد الرئيس الأميركي باراك أوباما وبعض مسئولي إدارته بالمكاسب العسكرية الأخيرة أمام تنظيم "داعش" في العراق وسوريا. لكن مسئولين أميركيين آخرين وخبراء من خارج الإدارة يحذرون من أن الحملة الجوية والبرية التي تدعمها الولايات المتحدة ما زالت بعيدة عن القضاء على التنظيم المتشدد بل وقد تأتي بأثر عكسي.
ويرى مسئولون في الإدارة الأميركية أنه في حين أن خسائر "داعش" في العراق وسورية محت صورة التنظيم ككيان لا يقهر فإنها يمكن أن تضفي عليه قدرا أكبر من الشرعية في أعين السنة المستائين من الأوضاع إذ أن المقاتلين الشيعة والأكراد يمثلون جزءاً رئيسياً من الحملة العسكرية ضده.
وهناك خطر ثانٍ يتمثل كما يقول بعض المسئولين الأميركيين في أن يزداد تحول التنظيم -مع فقده أراضي في مدينة الفلوجة العراقية ومناطق أخرى- إلى تكتيكات عسكرية أقل تقليدية وأن يوجه ويحرض على مزيد من الهجمات على أهداف "ناعمة" في أوروبا والولايات المتحدة وبقاع أخرى.
وحذر مسئول مخابرات أميركي تحدث شريطة عدم نشر اسمه من أن فقد الفلوجة ومدن أخرى قد يدفع التنظيم إلى التحول بصورة أكبر إلى أساليب حرب العصابات لإفشال جهود استعادة الخدمات الحكومية.
قال "يمكننا أن نتوقع أن يستفز تنظيم داعش القوات المحلية في المدن التي كانت يسيطر عليها مما يطيل أمد المعارك".
فالأراضي التي سيطر عليها التنظيم مكنته من كسب المال الوفير من خلال النفط وتحصيل الرسوم والضرائب مما وفر له قاعدة لتوجيه هجمات على بغداد والعمل كأداة لتجنيد مقاتلين أجانب واجتذابهم إلى تلك "الخلافة" التي أعلنها.
وقال أوباما في 14 يونيو/ حزيران الجاري -أي بعد يومين من قيام مسلح موال لـ "داعش" بقتل 49 شخصا في أورلاندو- إن التنظيم يفقد "المال الذي يمثل له شريان حياة" بفقده المزيد من الأراضي.
وذكر مبعوث الرئيس للتحالف العالمي لمناهضة تنظيم "داعش"، بريت مكجورك أمام مؤتمر صحافي عقده البيت الأبيض في العاشر من يونيو الجاري أن التنظيم فقد نصف الأراضي التي كان يستحوذ عليها بالعراق ونحو 20 في المئة من أراضي "الخلافة" التي أعلنها في سورية و30 في المئة على الأقل من إنتاج النفط وهو ما يمثل نصف إيراداته.
لكن سيث جونز المحلل في مؤسسة راند للأبحاث قال لوكالة "رويترز" إن هناك مؤشرات تدل بالفعل على تحول مقاتلي "داعش" في العراق لأسلوب حرب العصابات. وقال "تبدو الدولة الإسلامية وكأنها تتخلى عن المناطق التي فقدتها وذلك قد يعني أنها تستعد للقتال يوما ما".
وعلى رغم التقدم الذي تحقق أمام التنظيم على أرض المعركة وفي الجانب المالي قال مدير وكالة المخابرات المركزية (سي.آي.إيه)، جون برينان أمام لجنة المخابرات التابعة لمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي "جهودنا لم تحد من قدرة الجماعة على الإرهاب ولم تقلص وجودها على الساحة العالمية".
وأضاف "الموارد التي يحتاجها الإرهاب متواضعة جدا. ويستلزم الأمر أن تعاني الجماعة خسائر أكبر فيما يتعلق بالأراضي والقوة البشرية والمال حتى تنحسر قدرتها على الإرهاب بنحو كبير".
قال خبير شئون الإرهاب بالمعهد الملكي للشئون الدولية في لندن، حسن حسن أمام لجنة الأمن الداخلي التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي إن هجوم أورلاندو أظهر أن خسائر التنظيم على الأرض لم تفت في عضده.
وأضاف "أصبحت قدرة الدولة الإسلامية على اجتذاب الناس دولياً غير مرتبطة بأدائها العسكري على الأرض". وقال مسئولون في بغداد لوكالة "رويترز" إن سنة العراق لم يعودوا ينظرون إلى "داعش" على أنها قوة تحرير كما أن دور الشيعة في القتال بات أقل أهمية مما كان عليه قبل عام.
ونتيجة لذلك كسب الجيش العراقي كما قال المسئولون قبولا لدى السنة ولم تعد نظرتهم إليه كقوة طائفية يهيمن عليها الشيعة بنفس الحدة التي كانت عليها في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
لكن احتمال أن تثير الهجمات التي تشارك فيها قوات شيعية على "داعش" ضغائن طائفية على نحو يقوي شوكة التنظيم برز مع ما تردد عن إعدام 49 سنياً بعد استسلامهم لميليشيا تدعم هجوم الجيش لاستعادة الفلوجة.
وقال مسئول المخابرات الأميركي إن مثل هذه الأنباء "تصب في صالح الروايات التي تروج لها داعش". وفي الأسبوع الماضي كتب رايان كروكر سفير الولايات المتحدة السابق لدى العراق والذي زار البلاد في مارس/ آذار يقول في خدمة سايفر بريف المخابراتية الإلكترونية إن ميليشيات شيعية متطرفة كانت موجودة على الساحة في الفلوجة. وأبرز قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني دور إيران في الصراع عندما ظهر علانية على ساحة القتال.
ومع النكسات العسكرية التي كابدها التنظيم تراجع بقوة تدفق المقاتلين الأجانب المتوجهين إلى العراق وسورية حسبما أورد التحالف العالمي لمجابهة "داعش".
وذكر مسئولون أوروبيون في مجال التصدي للإرهاب أن ما بين 300 و400 مقاتل عادوا بالفعل لبريطانيا مما يزيد من القلق مما يصفونه بأنه تحول متزايد في أيديولوجية التنظيم.
قال خبير شئون الإرهاب في جامعة جورج تاون بواشنطن، بروس هوفمان، إن التنظيم يعول على المهاجمين المنفردين الذين يطلق عليهم وصف "الذئاب المنفردة" -من أمثال مهاجم أورلاندو- في ملاحقة خصومه بتهديدات ينفذها بالفعل.
وأضاف "تلك هي النية الحقيقية وراء هجمات الذئاب المنفردة... تشتيت انتباه أجهزة إنفاذ القانون والمخابرات والتغلب عليها". وقال مسئولون أميركيون وخبراء من خارج الإدارة إن القضاء على تهديد "داعش" سيتطلب إصلاحات سياسية واقتصادية تواكب المكاسب العسكرية في العراق وسورية.
وقال حسن "أصبحوا تنظيما قويا بسبب الفشل السياسي... أخشى أن ينصب التركيز بقوة على المكون العسكري لا على الأبعاد السياسية والاجتماعية والدينية".