عندما تلتقي به وهو في أواخر سنيِّ عمره وتُسلِّم عليه، يسألك مباشرة عن أمورك وأحوالك أنت ليطمئن عليك. هكذا هو دائماً منذ بدأ أولى خطواته في الحياة العملية بعد تعيينه مدرساً بمدرسة الهداية الخليفية بالمنامة، وحتى رحيله عنا بالأمس في منتصف شهر رمضان الكريم.

إنه الأستاذ عبدعلى عباس أديبي، المشهور سابقاً باسم عبدعلي الحاج عباس. وُلد في بيت والده في حي المخارقة بالمنامة، وكان ذلك في يوم الجمعة 13 رجب عام 1333 هـ (27 مايو/ أيار للعام 1915م). ختم القرآن في قرية البديع، حيث كان والده عباس أديبي مع سلمان، والد عبدالكريم سلمان (مفتش الشرطة لاحقاً)، هما أول من تم تعيينهما بعد تأسيس مركز شرطة لحفظ الأمن في البديع خلال الفترة التي بدأت فيها ملامح التنظيمات الإدارية في مطلع العشرينيات من القرن الماضي.

بقي مع والده في البديع لمدة خمس سنوات. ثم انتقل إلى العاصمة (المنامة) ودخل مدرسة العجم وحصل على الشهادة الابتدائية منها. ثم دخل مدرسة الإرسالية الأمريكية أيضاً ونال منها وطراً من التعليم. كما درس على يد الشاعر إبراهيم العريض في مدرسته الأهلية في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين. وحيث أن الحكومة كانت تقبل في وظائفها خريجي المدارس الحكومية أكثر؛ فقد انتظم في صفوف مدرسة الهداية الخيلفية للبنين بالمنامة وحصل منها على الشهادة العليا، وعمل في إدارة الجمارك لمدة بسيطة جداً، إذ سرعان ما تم تعيينه مدرساً بمدرسة الهداية الخليفية بالمنامة ذاتها، وبقي فترة هناك.

وعندما تم تعيين (أدريان فالنس) مديراً عامّاً للمعارف في البحرين (1939 - 1941) في فترة المستشار (بلجريف)، أختار عبدعلي أديبي من بين عدة مرشحين ليتولى منصب مدير مدرسة المباركة العلوية (الخميس الابتدائية لاحقاً). وبقي بها في الفترة ما بين 1939 و1958. ومن هنا بدأت حياة أديبي التربوية مع المدارس في البحرين، وصار من أشهر المربّين الأوائل الذين تركوا بصماتهم الظاهرة في مجال التربية والتعليم.

عندما استلم الأستاذ عبدعلي عباس أديبي إدارة المدرسة في العام الدراسي 1938/ 1939 خلفاً لرضي الموسوي، كانت المدرسة بها صفّان فقط، يضمان خمسة وعشرين تلميذاً. وكان عدد المدرسين في المدرسة في تلك الفترة لا يتجاوز اثنين، هما الأستاذان ملا أحمد مرهون، وسيد جواد الكامل. وبعد فترة خاطب أديبي مدير المعارف الجديد في حكومة المستشار (بلجريف) ويدعى إف. جيه. واكلين (F. J. Wakelin) حول حاجة المدرسة لمرافق صحية. وتمّت استشارة المعتمد السياسي البريطاني في البحرين في تلك السنوات في هذا الأمر، فتمّت الموافقة على الطلب.

وبفضل المدير أديبي وبمساعدة جهود الأهالي، تم إنشاء حديقة بالمدرسة، وحفر بئر ارتوازية بالمدرسة. وتعددت استخدامات تلك البئر الارتوازية بعد ذلك للشرب والزراعة، كما تم تركيب صنبور ماء بها لاستخدام التلاميذ.

كان عبدعلي أديبي يتمتع بحب متدفق لعمله أينما حل، وبعلاقات اجتماعية دائمة مع كل من عمل معهم. وبسبب طيب علاقته بسعيد الزيرة، أحد المسئولين في سكرتارية مستشار حكومة البحرين، طلب منه مساعدته في توظيف خريجي المدرسة لأنهم مميزون في اللغة الإنجليزية. فوافق على ذلك، وكتب له ورقة بتوقيعه لمن يهمه الأمر تشهد بأنّ حامليها يمكن توظيفهم لإجادتهم اللغة الإنجليزية. وهذا يدل على أن المدرسة في عهد مديرها أديبي لم تكن تُعلّم وتخرّج طلبتها فقط، بل وتضمن لهم الوظيفة المناسبة كذلك. ولذا فقد كانت المدرسة من أوائل من وظفت طلابها من القرى في شركة (بابكو). وقد قال رجل من الشركة ذات مرة حين التقى أديبي بالمصادفة في رحلة بحرية أقامتها المدرسة لطلابها، بأنّ الشركة تحرص على توظيف طلاب مدرسة الخميس بالذات لأنهم «شاطرين ويعرفون إنجليزي».

وعمل الراحل عبدعلي أديبي على تشجيع الأهالي لإدخال أولادهم إلى المدارس حيث أن التعليم خير معين لهم في الحياة. فزاد عدد طلاب المدرسة في العام الدراسي 1940/ 1941 إلى 101 طالب، ثم إلى 146 طالباً العام 1949. كما شجع المدير على إدخال النشاط الرياضي بها، وخصوصاً كرة القدم المحببة للطلاب. ولحب عبدعلي أديبي للزراعة، فقد تم إدخال مادة الزراعة ومبادئ الفلاحة أيضاً. كما طلب من إدارة المعارف زيادة عدد المدرسين بالمدرسة إلى ستة، وإضافة غرفتين أخريين بها، واحدة للمدير وأخرى كصف دراسي. كما احتكر طلاب المدرسة العلوية في عهد مديرها أديبي المراكز الأولى للمتفوقين بمدارس البحرين في أعوام 1954 - 55 - 56 على التوالي.

ومع بداية الحرب العالمية الثانية، شحت الأقوات من الأسواق في البحرين، وتعرض الطلبة لنقص في الطعام. وعز على المدير عبدعلي أديبي أن يرى طلابه يتضورون جوعاً ولا يجدون ما يسد رمقهم هم وعائلاتهم. لذا عندما زار المدرسة خلال فترة الحرب، مدير المعارف (واكلين)، قام أديبي بإعلامه بهذا الأمر، وطلب منه المساعدة في تحسين الوضع. فأمر مدير المعارف بجلب الخبز من قلعة الشرطة في المنامة، وتوزيع رغيفين على كل طالب. فكان الطالب يأكل رغيفاً في المدرسة ويحمل الآخر لأهله في البيت بعد انصرافه ظهراً.

كما يُعتبر المدير عبدعلي أديبي أول من فكّر بإنشاء أول مقصف مدرسي في أوائل الأربعينيات في المدرسة، وذلك بمبلغ خمسين روبية فقط. وبفضل هذا المشروع الاستثماري البسيط تمكنت المدرسة من جمع نحو 700 روبية في نهاية العام الدراسي، تم بها شراء زيٍّ موحّد لطلبتها، وهو يُعَدُّ أول زي مدرسي رسمي موحد في البحرين من إبداع هذه المدرسة ومديرها.

تزوج عبدعلي أديبي من امرأة فاضلة، وأنجب منها ذرية سهر على تنشئتها بأفضل السبل التعليمية والتربوية، فكان منها الأكاديمي، والإداري، والتربوي، وغيرهم. وبقي هو القدوة والمربي الذي لا يستغني المدرس والطالب عن اللجوء إليه، كما بقي لأواخر عمره ممن يواصلون حضوراً مبكراً لدعاء صباح يوم الجمعة، الندبة، في أي مكان يُقرأ فيه مع جموع المؤمنين.

وقد تم تكريمه بحضور وزير التربية والتعليم د.ماجد النعيمي، عام 2005، خلال احتفال مدرسة الخميس الابتدائية للبنين بمرور 75 عاماً على تأسيسها.

رَحِمَ الله عبدعلي عباس أديبي، فقد كانت له أيادٍ بيضاء على التعليم في البحرين.