كنت في زيارة قصيرة إلى سلطنة عمان للتعزية بوفاة المناضلة العمانية عاصمة الجمالي (وفا ياسر)، في كل من الرستاق حيث عاشت ودفنت، ومسقط حيث نشأت وتعيش عائلة الجمالي الممتدة أواصرها من عائلتي العصفور ودرويش. وكانت مناسبة للحديث مع العديد من الأصدقاء العمانيين حول التحديات التي تواجهها عمان جراء انخفاض أسعار النفط، ومن ثم عوائد النفط، وكذلك الأجواء المضطربة في المنطقة العربية، ما ينعكس سلباً على أوضاع جميع البلدان وليس بلدان الاضطراب وحدها.
يتأكد لزائر عمان حقيقة أنها واحة آمنة في منطقة مستقرة، وأنها واحة للتسامح بين مختلف مكوناتها الدينية والقبلية والمناطقية، في وسط يشهد المزيد من الانقسامات لمكونات المجتمع، في ظل تشدد السلطة العمانية بعدم التسامح مع التمييز بكافة أشكاله، في حين أن عدداً من السلطات العربية تمارس أو تتسامح على الأقل من خلال ممارسات وسياسات ودعايات التحريض والتمييز فيما بين مواطنيها. كان لابد من الذهاب للمساجد للاستماع إلى خطب الوعظ الرمضانية، وحضور السبلة (المجالس)، ومحاورة الأصدقاء للاطلاع على أوضاع عمان، في ظل ظروف عربية خطيرة، بما في ذلك أوضاع بلدان الخليج العربي، لأسباب كثيرة أضحت معروفة، ولكن يجري التهرب منها.
يشكل النفط المصدر الأساسي لموارد الموازنة العامة بالنسبة للسلطنة، وتنتج عمان نحو 700 ألف برميل يوميا، ومعظم النفط العماني من النوع الثقيل، ولذا فإن سعره منخفض في الأسواق العالمية، والطلب عليه أقل قياساً للخام العربي الخفيف الذي تنتجه بلدان الخليج الأخرى. ومع تطور أزمة أسعار النفط، فقد انخفض معدل سعر البرميل من الخام العماني المصدر إلى الأدنى 25 دولارا للبرميل في ديسمبر/ كانون الاول 2015، لكنه عاود الصعود تدريجياً حيث بلغ 42 دولارا للبرميل في سوق أسهم دبي. لذا فإن عمان الأكثر تضرراً من جراء انخفاض أسعار صادرات النفط. كما تصدر سلطنة عمان كميات لا بأس بها من الغاز الذي ارتفعت أسعاره قليلاً، وهو ما يقلل من الأضرار الناتجة عن انخفاض أسعار النفط الخام المصدر، لكنه لا يقلل كثيراً من أضرارها العامة. بالطبع فإن انخفاض أسعار صادرات النفط العماني قد ترتب عليه تزايد العجز في الموازنة العامة قدره 8.6 مليارات دولار لعام 2016. وبالتالي فإنه لمواجهة هذا العجز الحالي والمتوقع، فقد عمدت سلطنة عمان إلى الاستدانة من السوق المحلي والأسواق العالمية، حيث بلغ الدين العام 25 في المئة من الناتج الوطني، وإضافة إلى ذلك فقد عمدت إلى اتخاذ إجراءات تقشفية من قبل القطاع الحكومي، بإلغاء أو تأجيل بعض المشاريع. والمعروف ان القطاع العام والانفاق الحكومي من خلال المشاريع وغيرها يمثل القاطرة التي تقود الاقتصاد العماني، ويعتمد عليه القطاع الخاص في كثير من مشاريعه، ولذا فقد عمد القطاع الخاص أيضاً إلى إيقاف أو تخفيض الكثير من مشاريعه، كما انعكس سلباً على مبيعات السلع وانخفاض الإيجارات.
ومن المفيد طرح بعض التأكيد أنه إلى جانب الخلل في الاقتصاد العماني كسائر اقتصادات بلدان الخليج الأخرى، في اعتماد مفرط على عوائد النفط لتمويل الموازنة العامة، والدور المتضخم للقطاع الحكومي والقطاع العام، فإن تركيبة سوق العمل مختلة ليس في القطاع الخاص بل في القطاع العام. كما ان هناك الزيادة المطردة لحجم العمالة الأجنبية، ومعظمها غير ماهر على حساب العمالة الوطنية، واختلال التركيبة السكانية حيث عرفت عمان لعقود بالطابع العماني للتركيبة السكانية. فمثلاً نشرت مجلة باللغة الإنجليزية تحقيقاً مطولا في عددها الصادر هذا الشهر (يونيو/ حزيران 2016)، وحمل غلافها عنوان بشأن تحقيق خاص حول نهاية حلم الأجانب، وجاء فيها مقابلات مع عمانيين وأجانب انتهت عقودهم أو اقتربت من ذلك، مما ترتب عليه هجرة معاكسة للعمالة الأجنبية في عمان إلى بلدانهم الأصلية أو بلدان الخليج الأخرى، بل بحث من قبل عمانيون عن فرص عمل خارج بلدانهم. كما تضمن أرقاما ذات دلالات بالنسبة لسوق العمل.
وتشير الإحصاءات بعد تقريب الأرقام والمأخوذة من المركز الوطني للإحصاءات والمعلومات انه في عام 2007 كانت التركيبة السكانية لسلطنة عمان 2.8 مليون مكونة من 2 مليون عماني و0.8 مليون أجنبي، حيث استمرت زيادة السكان الأجانب بفعل الهجرة بوتيرة أعلى بكثير من زيادة السكان المواطنين بفعل الزيادة الطبيعية لمحصلة المواليد والوفيات، بحيث أنه في أبريل/ نيسان 2016 فقد قفز عدد سكان سلطنة عمان الإجمالي إلى 4.4 ملايين، منهم 2.4 مليون عماني و2.0 مليون أجنبي؛ أي أن نسبة الأجانب ارتفعت من مجمل التركيبة السكانية من 30 في المئة إلى ما يقارب 45 في المئة، عدا أن ما يقارب من 131 ألف عامل أجنبي غير مسجل في وزارة القوى العاملة مما يفاقم الوضع.
وهذا النمو السريع في حجم القوى العاملة لا يعود فقط إلى توسع الاقتصاد العماني، بل إلى إحجام الكثير من العمانيين عن العمل في بعض المهن الخدمية وعدم مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، وميل القطاع الخاص إلى استخدام العمالة الأجنبية في الأعمال المتدنية بأجور بخسة لا يقبلها العماني، وفي ظروف عمل صعبة. ومن الأرقام ذات الدلالة أن الزيادة الكبيرة في العمالة الأجنبية لا تقتصر على القطاع الخاص، بل أيضاً القطاع العام الذي يوظف مزيداً من الأجانب، حيث يبلغ مجموع مستخدمي القطاع الخاص 1.4 مليون والقطاع العام 0.61 مليون. ولا يقتصر الخلل على ذلك، فغالبية العمالة المستخدمة وخصوصاً الآسيوية الرخيصة هم من الرجال العزاب بنسبة تصل إلى 90 في المئة، مما يخلق اختلالات جذرية يترتب عليها مشاكل اجتماعية عديدة، هذا باستثاء عمال بعض البلدان المصدرة لعاملات المنازل مثل إثيوبيا وإندونيسيا والفلبين وسيرلانكا، حيث تتغلب نسبة النساء على الرجال، لكن معظمهن يعملن بمعزل عن المجتمع في البيوت. وبعد هذه الزيادة المطردة في تدفق العمالة الأجنبية، بدأت ظاهرة الهجرة المعاكسة للعمالة الأجنبية في ضوء الأوضاع الاقتصادية التي ذكرناها، لكن الملاحظ أنها بمعظهما من ذوي الاختصاصات والرواتب المرتفعة، وهم بغالبيتهم يشكلون عائلات مقيمة ومستقرة لسنوات، في حين أن العمالة الرخيصة وغير الماهرة من الذكور مستعدة للقبول برواتب أقل، وهي بمعظمها في القطاع الخاص. وهذا يخلق أمام سلطنة عمان إشكالية إحلال العمالة العمانية الماهرة محل تلك الأجنبية المغادرة، وكذلك خلق فرص للعمانيين الداخلين في سوق العمل، مما يتطلب تحفيز الاقتصاد العماني والابداع وإيجاد مجالات عمل جديدة وتوسيع أخرى.
سلطنة عمان في وضع جيد لذلك التحدي حيث تتمتع البلاد بوضع آمن ومستقر وعلاقات إقليمية ودولية جيدة، ويشتهر مجتمعها بالتسامح والانفتاح، حيث أفاد عدد من الأجانب في تحقيق المجلة المذكورة أنهم مستعدون حتى بالقبول بدخول أقل ممن يغادرون البلاد. ولقد اتخذت الحكومة خطوات أكبر لتنويع الاقتصاد العماني، وذلك بإقامة منطقة صناعية بميناء دقم إلى جانب منطقة صحار، وتشجيع الاستثمار الخارجي والتملك العقاري للأجانب. ومن أهم المشاريع إقامة هيئة المهنيين المستجدين، وذلك لتدريب وتأهيل الشباب لمهن جديدة وإقامة مشروعاتهم الصغيرة، وتتبع الهيئة وزارة التخطيط.
العمانيون بما عرف عنهم بالعمل في مختلف التخصصات والمهن يمكنهم الاعتماد على قيمة العمل والكدح الذي عرفوا به لمواجهة هذا التحدي الذي لا سابق له في كل المنطقة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 5033 - الجمعة 17 يونيو 2016م الموافق 12 رمضان 1437هـ
عمان تملك ميزة خاصة وهي اشتراكها في مضيق هرمز مع ايران
حيث من المعروف ان عمان اخذت نصف مضيق هرمز من الامارات بموجب تفاهم وتعديل حدودي
وهذه الميزة التجارية تستغلها الامارات اكثر من عمان في منطقة جبل علي رغم ان الإمكانات اللوجستية والمناطقية لعمان اكبر
وتستطيع تدر ذهب لكن ؟؟
عمان تحتاج الى عمل جاد و سريع لتغير اقتصادها فهي تملك كل مقومات الاقتصاد القوي و المنافس و لكن للأسف هذا ام يحدث أتمنى لهم التوفيق في تطور سياساتهم الاقتصادية لتتماشى مع العصر