العدد 5029 - الإثنين 13 يونيو 2016م الموافق 08 رمضان 1437هـ

رؤى عن قوى حوَّلت المنطقة إلى حمَّام دم

«الفوضى في الشرق الأوسط» لنيفيل تيلير...

ياروسلاف تروفيموف
ياروسلاف تروفيموف

يُقدِّم كتاب الصحافي نيفيل تيلير رؤية بانورامية لقضايا الشرق الأوسط، التي رأى أنها مُعقَّدة، وهي كذلك. لنكن أكثر تحديداً: هو هنا يكشف (يفضح) الأسباب التي تكمن وراء الوحشية وتنامي الفوضى في هذه المنطقة المضطربة من العالم. القضايا التي يتناولها مُربكة، ويقدِّم من خلالها لمحات عامة لمنظومة الفتنة التي هيمنت على الأجندات الإعلامية، وفي الغرب خصوصاً، بقدرتها على تحريف وتوجيه الرأي العام ليكون اهتمامه منصبَّاً على قضايا هو ينتخبها لذلك الجمهور.

كتاب يذهب عميقاً في تفصيل مخططات وما قبلها، والنتائج المُتحصَّلة منها. ابتداء مما يسمى «الدولة الإسلامية»، تنظيم «داعش» الإرهابي، وما يبدو عجزاً عن الإطاحة بها، وهو ليس عجزاً؛ إلى التمدُّد الذي حققته الحركات الأصولية في أكثر من بلد. دور تركيا الذي يبدو ملتبساً، وهو ليس كذلك. مكنة الدمار التي لم تكلَّ من فعل الخسف في سورية. السياسات الأميركية في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، والصعود الذي حققته الأخيرة بعد الاتفاق وسبَّب إرباكاً لدول حليفة، ورتم وإيقاع سياسات أوباما مع حلفاء بلاده التقليديين، والذين يبدو أنهم لم يعودوا كذلك. لعبة المصالح بكل الخبث والمؤامرات التي تكتنفها. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي هو في واقع الديمومة. كل ذلك في كتاب تيلر وبتفاصيل نستعرضها هنا.

كشفٌ صحافي من خلال كتاب جديد يفضح أسباب وحيثيات الوحشية وتزايد الفوضى في الشرق الأوسط. كتاب «الفوضى في الشرق الأوسط: 2014-2016» بحثه وكتبه بدقة، نيفيل تيلر، وفيه يكشف النقاب عن الأخبار المتجدِّدة التي تبدو مُحيِّرة ومعقدة في الصراع الدائر في الشرق الأوسط، ويقدِّم لمحة عامة يمكن الوقوف عليها من خلال الفتن التي تُهيمن على الأجندة الإعلامية. من فشل الغرب في الانتصار على الدولة الإسلامية؛ إلى الصعود المفاجئ في الموقف والوضع الإيراني، يتولَّى تيلر تسليط الضوء على عدد لا يُحصى من القوى التي حوَّلت الشرق الأوسط إلى حمَّام دم.

«داعش» تعني الموت

المملكة المتحدة - بكآبتها ووحشيتها، أصبح الشرق الأوسط أمراً من قبيل الموضوع المألوف لوسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم. بينما الملايين يعلمون أن المنطقة لديها مشكلات، وعدد قليل من الغربيين العلمانيين يفهم السبب الكامن وراء كل ذلك. كما يعلمون أن الدولة الإسلامية تعني الموت، لكنهم فشلوا في تقدير الأهداف طويلة الأمد لتلك المنظمة. يرون تدفق اللاجئين السوريين على أوروبا، ولكنهم لا يحرِّكون ساكناً على النحو الذي يمكن النظر فيه إلى من يقاتل من في وطنهم، والسبب الكامن من وراء ذلك. في كتابه الجديد، يُفسِّر الصحافي نيفيل تيلر كل تلك الموضوعات، والكثير من الجوانب المتعلقة بها.

قضى تيلر العقود الثلاثة الماضية معلِّقاً على قضايا وملفات الشرق الأوسط في العديد من الصحف والمنشورات على الإنترنت، متوصِّلاً إلى نظرة ثاقبة لا مثيل لها، ليس فقط في الصراع نفسه، ولكن أيضاً في كيفيته وأسبابه المحيِّرة لكثيرين. إنه يقدِّم كل شيء كما هو في ‹الفوضى في الشرق الأوسط: 2014 - 2016».

في الصورة العامة التي يمكن إيجازها عمَّا يتناوله الكتاب، يمكن القول، إنه يقدِّم لمحة عامة عن المشكلات التي حدثت حتى وقتنا الراهن، المشكلات التي تؤثر حالياً في الشرق الأوسط، ويضعها في السياق. ليس فقط عن طريق توفير سرد للأحداث المُعقَّدة التي حدثت في العامين الماضيين، وتثير الإرباك، ولكنه يُقدِّم أيضاً شرحاً لخلفيات تلك المشكلات، كما يُتيح نيفيل تيلر للقارئ الأدوات اللازمة التي تساعده على فهم القضايا التي تهم العالم كله.

الصعود... النفوذ

الكتاب مُصاغ بأسلوب جذَّاب وسهْل الفهم، كما إنه مثالي للقرَّاء المهتمِّين بفهم المشكلات المُعقدة الناجمة عن الشرق الأوسط. بدأ الواقع المرير في المنطقة يجذب اليوم انتباه العالم منذ مطلع العام 2014. هذا النمو في حجم ونفوذ الدولة الإسلامية المتعطشة للدماء وغير الإنسانية، وجحافل اللاجئين الفارِّين ذعْراً من الصراعات في سورية والعراق وأفغانستان، تلك القضايا يعمد إلى تسميتها كما هي؛ ولكن من خلال مثالين اثنين، دفعا نفسيهما إلى الواجهة كي يستحوذا على انتباه الجمهور.

من وقتنا هذا، سيطرت الموضوعات الرئيسة في سياسات المنطقة، مثل الصعود في قوة ونفوذ إيران، والفشل في هزيمة الدولة الإسلامية في العراق أو سورية، والدمار المستمر لسورية، والتوغُّل المفاجئ لروسيا في الشرق الأوسط. هذه القضايا، وكذلك تقييم مجالات معيَّنة من الصراع أو المصالح الخاصة لدول وجماعات مثل: تركيا والأكراد، المملكة العربية السعودية، مصر، اليمن، تونس، ليبيا، لبنان وجنوب السودان، كلها تشكِّل إطار هذا الكتاب.

يقول تيلر: «اسأل أناساً ما الذي يعرفونه عن الشرق الأوسط»، ويضيف «قضية الدولة الإسلامية هي التي تهيمن على الأحاديث الدائرة في هذا المضمار، في كثير من الأحيان. يتناول الكتاب كيف ولماذا فشل الغرب في هزيمة الدولة الإسلامية، كما يتناول انتشار النفوذ السريع للبلدان المجاورة. وفي الوقت نفسه أعمل على استكشاف جذور الدولة الإسلامية، فلسفتها، وأهدافها النهائية».

مُردفاً «يركِّز أناس آخرون في المنطقة تفكيرهم على النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الدائم، والذي غالباً ما يُعتبر مفتاحاً لمستقبل السلام في المنطقة. أنا أتعامل بعمق مع القضايا التي تجعل الجانبين متضادين، والتحقيق في مختلف الخيارات التي قد تجمعهما معاً».

موضحاً «لكن نمطاً معقداً من الأحداث في الشرق الأوسط يتحوَّل ليتجاوز بكثير الدولة الإسلامية أو (إسرائيل) وفلسطين. على سبيل المثال،الصعود في قوة ونفوذ إيران، مدفوعاً بالاتفاق النووي الذي قادته الولايات المتحدة. خضت في الدوافع وراء سياسات الرئيس أوباما في الشرق الأوسط، والعواقب الوخيمة جداً على الحلفاء السابقين للولايات المتحدة في المنطقة مثل: المملكة العربية السعودية و (إسرائيل). كما قمت بالتحقيق في استمرار الأزمة في سورية، والدور المعقد لتركيا في المنطقة، والتحول الشامل في قضية اللاجئين التي بدأت في الشهور الأخيرة من العام 2015. وباختصار، يهدف هذا الكتاب إلى الوقوف على تساؤلات قارئ العام 2016، ولكن أيضاً تساؤلات القراء في المستقبل ممن يبدون اهتماماً بفهم هذه الأوقات العصيبة».

الانتصار على «داعش» بدعم السنة

ليس بعيداً عن الإطار العام لكتاب تيلر، الذي ناقش قضايا عديدة، وإن ركَّز في كثير من مساحته على ما يسمى «الدولة الإسلامية» (داعش)، والتمدُّد الذي حدث، في حين أنه لم يتاخم أو يقترب من حقيقة أن هزيمة التنظيم الإرهابي لا يمكن أن تتم بعيداً عن دعم السنة في المناطق التي يسيطر عليها، وحتى خارج دائرة نفوذه. هنا نقف على تلك المتاخمة والاقتراب في مقالة كاتب العمود، وكبير المراسلين في صحيفة «وول ستريت جورنال»، ياروسلاف تروفيموف، التي كتبها يوم الخميس الماضي (9 يونيو/ حزيران 2016)، وفيها يتساءل تروفيموف عن إمكانية استمرار الانتصارات على تنظيم «داعش» الإرهابي، على المدى الطويل، من دون أن يوفر السنَّة دعماً في هذا المجال، محذراً من الخطر المحدق بعودة التطرف بعد هزيمة التنظيم الإرهابي عسكرياً، آخذا بعين الاعتبار أن السبب الرئيس لظهور التنظيم لا يزال قائماً. ويشير تروفيموف إلى أنه بعد مضيِّ عامين على الحرب المباغتة التي شنها تنظيم داعش، في استغلال منه لمظالم العرب السنة في العراق وسورية، تتتابع خسائره بشكل مطرد، وراح يفقد الأراضي الخاضعة لسيطرته في كل من سورية والعراق.

مُبيِّناً أنه بدلاً من أن يتولَّى السنَّة المحليين مسئولية ومهمة استعادة أراضيهم، تقوم قوات أخرى تابعة إلى الميليشيات الشيعية والأكراد والعلويين الموالين لنظام بشار الأسد بإلحاق الهزائم بداعش في العراق وسورية.

منوهاً إلى المحاولة الوحيدة التي قام بها الثوار العرب السنَّة في شن هجوم ضد «داعش» خلال الأشهر الأخيرة في ريف حلب بشمال سورية بامتداد الحدود التركية، والتي انتهت بالفشل وخسارة المزيد من الأراضي لصالح «داعش».

متسائلاً: «ما جدوى تلك الانتصارات الأخيرة إذا كان السبب الرئيس وراء ظهور داعش لا يزال قائماً، والمزيد من المدن السنية، مثل الفلوجة، يدمِّرها القتال؟».

التحذير من الوقوع في الحلقة المفرغة

ولفت تروفيموف إلى تحذيرات أحد كبار الباحثين في مركز التقدم الأميركي، بريان كاتوليس، من الوقوع في حلقة مفرغة؛ إذ إن الحملة العسكرية ضد داعش - كما يبدو - تسير على ما يرام وفق الخطط، إلا أن عواقب وخيمة قد تطل برأسها على المدى الطويل، ويكمن الخطر الأكبر في عودة ظهور التطرُّف في غضون أشهر قليلة أو حتى خلال عام أو عامين.

وحتى الآن، تبدو المناطق القليلة التي يقطنها العرب السنة، مثل مدينة تكريت، هادئة إلى حد كبير؛ إذ لا تزال مُحصَّنة ضد الميليشيات الشيعية وبعض أقارب من يشتبه في أنهم داعشيون ممنوعون من العودة. ومع ذلك فإنه كلما ازدادت المدن التي يتم تحريرها من داعش في سورية والعراق، ستكون ممارسة هذا النوع من الرقابة أكثر صعوبة.

ويشير الكاتب إلى أن حدوث أي رد فعل عنيف ضد المنتصرين من الشيعة والأكراد في تلك المناطق قد يتيح لداعش الحفاظ على تجنيد مقاتلين جدد وانتحاريين من أجل تجديد العمليات الإرهابية، وهو ما يعني أن القتال ضد داعش لن ينتهي، وإنما سيتحول إلى نوع مختلف من المعارك، ومن ثم فإن التهديد الإرهابي للغرب لن يذهب بعيداً.

ويضيف «وبالنسبة إلى سورية ذات الأغلبية السنية، فإن مشاريع الولايات المتحدة المكلفة تدريب وتجهيز وحدات مقاتلة من السنة ضد داعش قد فشلت لأن واشنطن لم تسمح لهم بمحاربة عدوهم الأكثر خطورة وهو نظام بشار الأسد. وفي العراق تعثرت خطط الحكومة، التي يهيمن عليها الشيعة، لإنشاء نوع من قوى الحرس الوطني في المناطق السنية».

بغداد والخشية من تسليح السنَّة

يستعرض تروفيموف في مقاله وجهات نظر بعض السياسيين والخبراء التي تؤكد أن مشاركة السنة في الحرب ضد داعش لا غنى عنها، وأنه يجب أن يكون لهم الدور الرئيس في تحرير أراضيهم، إلا أن هذا لا يتحقق على أرض الواقع بسبب الاستقطاب الطائفي، وخاصة أن إيران تدعم الشيعة والولايات المتحدة تدعم الأكراد. وفي رأي البعض تخشى بغداد من تسليح العشائر السنية.

ويرى تروفيموف أن دولة الخلافة المزعومة تتقلص يوماً بعد يوم، فخلال الأشهر الأخيرة استعادت بالفعل القوات السورية المدعومة روسياً مدينة تدمر التاريخية، وفي العراق استعادت أيضاً قوات الأمن والميليشيات الشيعية سلسلة من البلدات في محافظة الأنبار، وتقترب حالياً من الفلوجة. ومن جهتها، تندفع قوات سورية الديموقراطية، التي يسيطر عليها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة، باتجاه مدينة الرقة، عاصمة «داعش»، وحققت تقدماً نحو مدينة منبج الإستراتيجية.

ومع كل ما طرحه تروفيموف في مقالته إلا أنه يذهب إلى أن الانتصارات العسكرية على داعش لن تصمد طويلاً، من دون الوصول إلى حلول سياسية، والقضاء على السياسات الطائفية؛ فضلاً عن توافر الشرعية للسنة في التحالفات التي تحارب داعش.

يشار إلى أن لياروسلاف تروفيموف، عموداً أسبوعياً يتناول فيه قضايا وملفات منطقة الشرق الأوسط، والمنطقة الممتدة من غرب إفريقيا إلى باكستان. انضم إلى صحيفة «وول ستريت جورنال» في العام 1999، وشغل سابقاً منصب مراسل في كل من: روما والشرق الأوسط وآسيا، فيما المقر في سنغافورة، ومدير مكتب الصحيفة في أفغانستان وباكستان. له كتابان: «الإيمان في الحرب» (2005) و «حصار مكة» (2007).

 الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو في واقع الديمومة
 الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو في واقع الديمومة
قوة التنظيم الإرهابي في تراجع بعد أن خسر معظم المناطق التي سيطر عليها
قوة التنظيم الإرهابي في تراجع بعد أن خسر معظم المناطق التي سيطر عليها




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:33 ص

      المقال و نظرات الكاتب لم تطمئنني بأنه باحث او نزيه.

    • زائر 2 زائر 1 | 3:41 ص

      لم يتطرق الكاتب إلى الأسباب التي جعلت تنظيم داعش ينمو ويتمدد كالأخطبوط
      لماذا لم يسم الأشياء بمسمياتها بدل أسلوب تحليل النتائج ومايتوقع من أحداث مستقبلية

    • زائر 3 زائر 1 | 11:33 ص

      داعش ليس اشخاص وانما فكر سببه بالاساس الفقر والتوزيع غير العادل للثروة. من هنا يفتح الباب الضيق باسم الدين ويجد المحرضين اذان صاغية، حيث لم يعد للمنجرفين ما يخسروه بعد الحرمان من كل نعمهم و يصدقوا المحرضين باسم الخلاص من الهم ودخول الجنة

اقرأ ايضاً