اكتسبت الغابة السوداء اسمها من اللاتينية Silva Nigra، إذ وجدها الرومان مكاناً وعراً كالحاً حيث أشجار الصنوبر والتنوب تحجب ضوء الشمس. ونُسجت بوحي منها أساطير ألمانية، من أشهرها «هانسل وغريتل» و«الصغيرة والذئب».
تمتد الغابة السوداء بطول 200 كيلومتر وعرض 60 كيلومتراً في جنوب غرب ألمانيا. وتتكون من أراض جبلية يتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 200 و1500 متر. وتتنوع تضاريسها بين غابات كثيفة في الشمال وأقل كثافة في الوسط، بينما تسود في الجنوب سلسلة جبال تنحدر الى نهر الراين وتشكل نحو ثلثي مساحة الغابة، وأعلاها قمة جبل فيلدبرغ الذي يبلغ ارتفاعه 1493 متراً، وفيه تأسس أول ناد للتزلج في وسط أوروبا.
يتخلل الغابة عدد من الأنهار، منها نهر الدانوب الذي ينبع منها ويشكل ملتقى نهري بريغاش وبريغ. وتسود معظم أرجائها أشجار الصنوبر والتنوب التي يزرع بعضها لأغراض تجارية. وكما هي الحال في غابات أخرى، قطعت أشجار بعض مناطق الغابة بشكل مكثف للاتجار بخشبها، كما تم استبدال الأشجار القديمة ذات الخشب الصلب بأشجار صنوبرية سريعة النمو.
السياحة هي القطاع الرئيسي في الغابة السوداء، التي تتخللها شبكة ممرات تناسب رياضة المشي وركوب الدراجات والتزلج. ويبلغ الطول الاجمالي لهذه الشبكة نحو 23 ألف كيلومتر، تتولى صيانتها والعناية بها «جمعية الغابة السوداء» التي تأسست قبل أكثر من 130 سنة وتضم نحو 90 ألف عضو.
تنتشر في الغابة قرى تاريخية وبحيرات جليدية وشلالات تشكل وجهات سياحية فريدة، منها شلالات تريبرغ الأشهر في ألمانيا. وفيها عدد كبير من الفنادق والاستراحات التي تقدم ألواناً من المأكولات المحلية.
تزخر الغابة السوداء بالحياة. ومن حيواناتها البرية الكبيرة الدب البني والخنزير البري والوشق الأوروبي الذي بات مهدداً بالانقراض. وتروم في أرجائها أنواع من الأيائل، خصوصاً الرو والغزال الأحمر. ومن حيواناتها الصغيرة الأرنب البري والثعلب الأحمر والسنجاب الأحمر والغرير. وتلوذ بها مئات الأنواع من الطيور، منها الطيهوج والبوم النسري.
وتربى في الغابة قطعان أبقار من سلالة «هنترفالد» التي باتت أندر الأبقار الأوروبية.
الحفر على الخشب مهنة تقليدية في الغابة السوداء. ويتميز في هذا القطاع صانعو الساعات الميكانيكية الدقيقة التي تباع كتحف، خصوصاً ساعات الـ«كـوكو» التي تصنع في المنطقة منذ قرون. ويشتهر في الغابة متحف مكشوف للساعات التي تروي صورة حياة المزارعين في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
لعل خير دليل على جمال الغابة السوداء وهدوئها نصب السياسي الألماني بسمارك في تريبرغ، فهو كان يقصد المنطقة في القرن التاسع عشر للراحة، بعيداً عن هموم السياسة في برلين.