إذا كان طاهي الطعام يستعين بحاسة التذوق لمعرفة مدى إتقانه للطبخة، فالحال مع الكفيف محمد سعد مختلفة تماماً، فحاستا السمع والشم لديه تلعبان دوراً رئيساً في مقياس جودة الطهي الذي يتقنه، ويتفنن في إعداد أصنافه، فلا يكتفي بنقل طريقة الوصفة كما هي عبر «النت»، مفضلاً إدخال بعض التعديلات عليها، أو إضافة بهارات خاصة به لتظهر بصورة مغايرة بطريقة «محمد سعدية» كما يحلو له تسميتها، وذلك وفق ما نقلت صحيفة "الحياة" السعودية.
في يوميات كفيف التي يشارك بها محمد مع الآلاف من متابعيه عبر تطبيقي «سنابشات» و«يوتيوب»، والحال كذلك في «تويتر» و«انستغرام» يصور نفسه وهو يقوم بإعداد وصفات الطعام المتنوعة، مثل: الكبسة والخبز العربي الممزوج ببهارات البيتزا، والمعكرونة بأنواع الصوص، ومن الحلويات صنع البسبوسة بنكهته الخاصة والكعك، إلى جانب نقل مقتطفات من برنامجه اليومي أثناء ممارسته مهامه المنزلية والتسوق، لاسيما أنه يعيش بمفرده في شقته الخاصة، بعد انتقاله من المنطقة الشرقية (مقر إقامة عائلته) إلى الرياض، بغرض مواصلة الدراسة الجامعية في تخصص اللغات والترجمة.
وعلى رغم فقدانه حاسة البصر منذ صغره، إلا أنه آثر الاعتماد على نفسه في تسيير أمور حياته كلها، إذ دفعته ثقته بالله وإيمانه بقدراته ومواهبه إلى أن يخطو خطوات نحو النجاح، طموحه لا حدود له في إكمال دراسته العليا، ومشروعه الخاص أستوديو للتصوير الفوتوغرافي يقوم بمهمة التصوير فيه بنفسه، يفتتحه قريباً، كونه كفيفاً لم يشكل له عائقاً في انخراطه في مجتمعه، والاستمتاع بمباهج الحياة، ولتحقيق أهدافه وأهداف أقرانه من المكفوفين ابتكر قائمة طلبات خارجية من المطاعم بطريقة «برايل»، وفي مقدوره أن يتغلب على منافسيه في لعبة «البلاستيشن» التي يعشقها، ويبدع فيها من خلال رهف سمعه، والتركيز ثم معرفة ساعة الهجوم على الخصم، فيصيبه محققاً الفوز.
يتحدث محمد عن بداياته في قناة التواصل الاجتماعي «تويتر»: «أنشأت حساباً أغرد فيه بما يجول في خاطري، غير أن كثيرين اعتبروني مخادعاً، مندهشين كيف لأعمى أن يغرد عبر «تويتر»، وأضاف: «إلا أنني تحليت بالصبر والإصرار، واستطعت أن أثبت لهم مقدرة الكفيف على ذلك، مثله مثل البصير يستطيع أن يمارس حياته العادية في الواقع وفي العالم الافتراضي كذلك»، وزاد: «لم يعد يعوقني شيء والحمد لله، كما لم تعد إعاقة بصري تشكل أهمية كبرى، لأنني استطعت أن أشق حياتي بنفسي، وأحقق شهرة في مجتمعي المحلي والخليجي وأنا سعيد بذلك».
وعن الطهي في رمضان، يقول محمد الذي يؤمن بمشاركة الزوج «مبصراً كان أم أعمى» لزوجته في الأعمال المنزلية ومنها الطبخ: «إنه يعد وجبات خاصة بالشهر الكريم مثل: السمبوسة، والشوربة، ويدعو أصدقاءه لتناول الطعام معه»، ويضيف: «أؤمن بحرية المرأة، وبحقها في قيادة السيارة، وأن الرجل والمرأة شريكان في بناء الوطن». ويعتبر أن التحدي والصعوبات التي يواجهها في الحياة طريقاً إلى الإبداع، وشحذ الهمة، مؤكداً أن الكفيف لم يعد بحاجة لشفقة المجتمع، وليس عاجزاً أبداً، وباستطاعته عمل جميع الأشياء الحيوية، بما فيها الطهي الذي قد يصعب على المبصرين إجادته أحياناً، داعياً جميع المكفوفين إلى الإيمان بقدراتهم، وعدم الخوف من الانخراط في المجتمع، وتنمية مواهبهم وإمكاناتهم.
اعمى البصر ولكن نافذ البصيرة ، ماشاءالله عليه وربي يوفقه، بس ياليت حاطين حساب السناب ماله