من تابع مسيرة إنشاء وأداء «اللجنة الملكية المستقلة للتحقيق في الأحداث التي وقعت في مملكة البحرين، خلال شهري فبراير/ شباط، ومارس/ آذار 2011، لابد له من وضع بعض علامات الاستفهام، حول الاعتبار الحكومي، لرسالتها ومهمتها وتوصياتها، من حيث استفادة واستجابة حكومة البحرين، وجدية نهجها وأدائها، للخروج من مسببات استتباعات حراك/أحداث فبراير ومارس 2011، بما يستثير لدى العاقل المهتم بالمصلحة الوطنية، الجامعة لجميع مواطني البحرين، وعلى وجه الخصوص العلاقة الطبيعية بين المواطنين وبين الحكومة، يستثير لديه البحث عن أجوبة لأسئلة، مازالت إجاباتها قيد الغموض أو التغييب.
وخاصة حين يسترجع أجواء تشكيل اللجنة الملكية المستقلة، وعلى الأخص تشريع تمتع رئيسها وأعضائها، بذات الامتيازات والحصانات التي يتمتع بها خبراء الأمم المتحدة، (المادة الأولى من الأمر الملكي رقم 29 لسنة 2011 بشأن امتيازات وحصانات لجنة تقصي الحقائق وإجراءات عملها، الصادر في 7 يوليو/ تموز 2011)، بما يرقى بمظنون المواطن الإيجابي لغاياتها، وربما حلمه بإعادة بناء مشروع البحرين الإصلاحي، بما يُقَوِّم الممارسات، التي حادت بطريق ذلك المشروع «الحلم البحريني»، إلى ما أوصل حال البحرين الى أحداث فبراير ومارس 2011.
إلا أنه حالما يمضي إلى ما لحقها من تشريعات وقرارات حكومية، يبدأ في التوجس من ضياع اتجاه مؤشر بوصلة الإصلاح الدستوري والقانوني والاقتصادي والسياسي والحقوقي والاجتماعي الشامل، كما فصلته توصيات اللجنة الملكية المستقلة (لجنة بسيوني)، تلك التوصيات التي أدهشت بالاستغراب الرافض لها، بعض المصغين لحظتها، حضوراً أو عبر النقل الإعلامي.
هذه اللجنة الملكية التي تم إنشاؤها بالأمر الملكي رقم (28) لسنة 2011 الصادر في 29 يونيو/ حزيران 2011، والتي أناط الأمر الملكي رئاستها الى الأستاذ الدكتور محمود شريف بسيوني، وأشرك بالعضوية كلاً من القاضي «فيليب كيرش»، والسيد «نايجل رودلي»، والدكتور «ماهنوش أرسنجاني» والدكتورة بدرية العوضي. (المادة الأولى).
ومنح الأمر الملكي لأعضاء اللجنة، الاستقلال التام عن حكومة البحرين أو أي حكومة أخرى، بحيث يعمل أعضاؤها بصفتهم الشخصية، ولا يمثلون أي حكومة أو منظمة دولية أو مسئول عام أو أي مصلحة اقتصادية أو سياسية. (المادة الثالثة).
وأتاح لها الاتصال بجميع الجهات الحكومية ومسئوليها، وحتمية تلبية جميع طلباتها من الاطلاع على الملفات والسجلات، وأعطى اللجنة مطلق الحرية في مقابلة أي شخص، بما في ذلك ممثلو المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والجمعيات السياسية والنقابات العمالية، والضحايا وشهود الانتهاكات لحقوق الإنسان المصونة دولياً، وتمكين اللجنة من نتائج تحقيقات جميع الجهات الحكومية المتعلقة بالأحداث الخاصة بعمل اللجنة. (المادة الرابعة).
وقد تم حماية عمل اللجنة بالاستقلال عن أي إجراءات وطنية أو قضائية، بحيث تم المنع على أي جهة إدارية أو قضائية، أية سلطة لوقف أو تقييد أو منع أو التأثير على عمل اللجنة ونتائجها. (المادة الثامنة).
لتصل اللجنة لوضع تقريرها بنتيجة عملها ليتم نشره كاملاً بعد عرضه على جلالة الملك. (المادة التاسعة).
وقد عرض رئيس اللجنة الدكتور محمود بسيوني، بتاريخ 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، ملخص التقرير على جلالة الملك قراءةً جهيرةً، أتبعها بتسليم جلالته نسختها المكتوبة، متبعاً في ذلك معايير الأمم المتحدة، على عكس ما توقعه بعض المسئولين حسب نهجهم، من تسليم التقارير مكتوبةً قبل الجهر بها.
كما أوكل الأمر الملكي «لتلك اللجنة، تقديم أي توصيات تراها بما في ذلك التوصية بإجراء التحقيق أو المحاكمة لأي شخص بما في ذلك المسئولون أو الموظفون العموميون، والتوصية بإعادة النظر في الإجراءات الإدارية والقانونية، والتوصيات المتعلقة بإنشاء آليات مؤسسية تهدف الى منع تكرر أحداث مماثلة وكيفية معالجتها». (المادة العاشرة).
وختم الأمر الملكي بأن ترك لرئيس اللجنة أن يقترح الميزانية اللازمة لمباشرة اللجنة عملها، ليتم توفيرها من ميزانية الديوان الملكي، بحيث يتم صرف نفقات وتعويضات أعضاء اللجنة وفقاً للمعايير المعتمدة لدى الأمم المتحدة، ليفصح عنها في التقرير النهائي للجنة. (المادة الحادية عشرة).
ثم صدر الأمر الملكي رقم (45) لسنة 2011 بإنشاء اللجنة الوطنية المعنية بتوصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، الصادر بتاريخ 26 نوفمبر 2011، نقتبس منه التالي:
«المادة (1)، تُنشأ لجنة مستقلة تسمى «اللجنة الوطنية» ويكون تشكيلها واختصاصها في ضوء حكم الفقرة رقم (1715) من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق...».
المادة (3)، «تعنى اللجنة بدراسة توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وتقوم بوضع مقترحاتها، بما في ذلك التوصية بالتعديلات الضرورية في القوانين والإجراءات وكيفية تطبيق التوصيات». وفي هذا مخالفة لنص التوصية رقم 1715 من حيث إن مهام اللجنة الوطنية وضع توصيات وليس اقتراحات للمشرع.
حيث تنص الفقرة (التوصية) رقم 1715 المعنية على «تكوين لجنة وطنية مستقلة ومحايدة تضم شخصيات مرموقة من حكومة البحرين والأحزاب السياسية والمجتمع المدني لمتابعة وتنفيذ توصيات هذه اللجنة. ويتعين على اللجنة الوطنية النظر في القوانين والإجراءات التي طُبقت في أعقاب أحداث شهري فبراير ومارس 2011 بهدف وضع توصيات للمشرع للقيام بالتعديلات الملائمة للقوانين القائمة ووضع تشريعات جديدة، تنفيذاً لتوصيات الإصلاح التشريعي، حسبما هو وارد في هذه التوصيات».
ثم تلاه الأمر الملكي رقم (48) لسنة 2011 بتشكيل اللجنة الوطنية المعنية بتوصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، الصادر بتاريخ 28 نوفمبر 2011، بتشكيل اللجنة المعنية برئاسة السيد علي بن صالح الصالح وعضوية 18 عضواً.
وقد عاب حيادية اللجنة أمران، الأول أنه لم يكن بينهم إلا القلة من المحايدين، على خلاف نص التوصية 1715 عاليه، «بتكوين لجنة وطنية مستقلة ومحايدة» من حكومة البحرين والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، والثاني أنه كان بينهم أعضاء في مجلسي الشورى والنواب، بما لم تنص عليه التوصية وخلافاً لشرط الحياد، كون هذه اللجنة الوطنية معنية بوضع توصيات للمشرع الذين هم أعضاء مجلسي الشورى والنواب، للقيام بالتعديلات الملائمة للقوانين القائمة ووضع تشريعات جديدة، تنفيذاً لتوصيات الإصلاح التشريعي، حسبما هو وارد في هذه التوصيات، وبهذا لا تنسجم استقلالية وحيادية اللجنة بإشراك أعضاء مجلسي الشورى والنواب، وهم المعنيون بتنفيذ توصيات اللجنة الوطنية. للمقال بقية.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 5027 - السبت 11 يونيو 2016م الموافق 06 رمضان 1437هـ
حتى لا تضيع؟ ليش وهل هناك من يريد منها أن لا تضيع؟
استاذ يعقوب ، في ذمّتك هل تعتقد انهم يريدون تطبيق توصيات بسيوني حقا؟
انت وانا وكل الشعب يعرف الهدف من هذه اللجنة ونقطة على السطر.