العدد 5027 - السبت 11 يونيو 2016م الموافق 06 رمضان 1437هـ

الصحوة التي ذهبت مع الريح

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مع نهاية السبعينات، كانت أكثر كلمةٍ متداولةٍ في الإعلام، كلمة «الصحوة الإسلامية»، التي مثّلت حلماً لملايين العرب والمسلمين بانتشالهم من حالة الضياع الفكري، والاستلاب الثقافي، والتبعية السياسية للغرب.

كانت حلماً واعداً للكثيرين، سرعان ما تحوّلت إلى نكبة كبرى، مع التدخل السوفياتي في أفغانستان، وانطلاق الحرب العراقية الإيرانية، حيث تحوّلتا إلى محرقتين كبيرتين تستنزفان قوى المنطقة بشرياً ومادياً، وبدأ يومها استخدام أقذر الأسلحة التي يستخدمها السياسيون: تمزيق المسلمين وتصنيفهم إلى سنّة وشيعة.

كان أول من وضع يده على هذا الدمل زبجنيو بريجنيسكي، مستشار الرئيس جيمي كارتر للأمن القومي، وعمل قبلها مستشاراً للرئيس ليندون جونسون أيام حرب فيتنام. وهو مفكر استراتيجي، يبلغ الآن 88 عاماً، ومازال يكتب وينظّر في السياسة الدولية، وهو الذي اكتشف هذا الكهف المليء بمختلف أنواع التناقضات المذهبية، وفكّر في استغلاله وتوظيفه لخدمة السياسة الأميركية، فالحرب بين المسلمين هي أفضل وسيلةٍ لاستنزاف هذه المنطقة وتحويلها إلى خرائب وأطلال.

في الحرب الإيرانية العراقية، طُرح لأول مرةٍ على يد نظام البعث، كلمات الفرس والمجوس، في أسوأ استرجاعٍ لمواريث الجاهلية، وكان من المفترض أن تكون الأمة -وهي تعيش بدايات صحوة إسلامية- محصنّةً من هذه الألاعيب السياسية، خصوصاً أن «الفرس» لعبوا دوراً كبيراً في التاريخ الإسلامي، فكانوا أئمة مذاهب، وحفظة قرآن، وجامعي سنة نبوية في كتب الصحاح (البخاري، مسلم النيسابوري، الترمذي، النسائي، أبو داوود السجستاني، ابن ماجة القزويني). بل ساهموا أيضاً في وضع قواعد اللغة العربية وحفظها، كما هو الحال مع سيبويه والكسائي.

وقد استمر اللعب بالنار وفي الأرض العراقية التي انطلق منها ابتداءً، حتى غزو النظام البعثي للكويت في 1990، حيث تحوّل اتجاه المعركة، لتدخل المنطقة في نفقٍ آخر مظلمٍ، انتهى الآن إلى صناعة «داعش» وتسليطها على سورية والعراق.

بداية «الصحوة»، تزامنت مع حدثين عسكريين ضخمين، دخول القوات السوفياتية أفغانستان، ودخول الاسرائيليين لبنان، مازالت تداعياتهما مستمرة حتى اليوم على مستوى المنطقة. ففي الزلزال الأول تم استنفار آلاف الشباب من مختلف البلاد الإسلامية لمواجهة الغزو السوفياتي، بدعمٍ عربي وغربي، في عملية ضخمة شاركت فيها القوى الكبرى بأسلحتها ومخابراتها.

كانت حرب استنزاف كبرى للسوفيات، انتهت بخروجهم بعد الاتفاق بوقف الدعم الأميركي والباكستاني لـ»المجاهدين» بالأسلحة والمال. وبدأ سحب القوات في 15 أغسطس 1988 (وهو الشهر نفسه الذي توقّفت فيه الحرب العراقية الإيرانية)، واستُكمل رسمياً في 15 فبراير 1989، لتدخل البلاد في دوامةٍ من الصراعات بين زعماء الحرب، انتهت بطردهم واستيلاء حركة «طالبان» على السلطة. ومن هذا الواقع الجديد وُلد تنظيم «القاعدة»، الذي سرعان ما وضع على رأس أهدافه، مهاجمة الداعم الأكبر «الولايات المتحدة» وضرب مصالحها هنا وهناك.

في الزلزال الآخر، دخل الجيش الإسرائيلي لبنان واحتل نصف أراضيه، وخلع ما تبقّى من حكومةٍ في لبنان، ونصّب بشير الجميّل زعيم حزب الكتائب رئيساً للبنان، لكن تم اغتياله بعد أيام. وظلت لبنان تحت الاحتلال حيث تحوّل القسم الأكبر من بيروت إلى خرائب وأطلال. وتم إخراج الفلسطينيين من لبنان، ورُحّل ياسر عرفات إلى قبرص ومنها إلى تونس، بينما استمرت حركات المقاومة الوطنية يومها، حركة «أمل» والحزب السوري القومي والاشتراكي التقدمي، حتى ظهرت حركة المقاومة الإسلامية ليبدأ فصل جديد من الصراع، انتهى بطرد الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان.

هذه هي الخلفية التي انطلقت منها «الصحوة»، قبل أن تتحوّل إلى هشيم يذروه الرياح، ويتحوّل قلب المنطقة العربية في سورية والعراق إلى ميدان اقتتال.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5027 - السبت 11 يونيو 2016م الموافق 06 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 28 | 3:13 م

      بدأ الصحوه الاسلاميه

      بدأت الصحوة الاسلاميه الاولي بعد دخول القوات الروسيه وغزوها أفغانستان وبمساعدت الايرانيين
      والآن بعد دخول القوات الروسية سوريا وبمساعدت الايرانيين أيضاً لمساعدة الكتاتور بشار الاسد لإبادة شعبه هم يخلقون أجواء وأسباب صحوة إسلامية ثانية وقد تكون هذه المرة أكبر وأقوي وأشمل من الأولي

    • زائر 29 زائر 28 | 9:09 م

      بمساعدة الايرانيين؟
      ايام من؟ الشاه لو الثورة؟ اصلا لغزو صار قبل سقوط الشاه.
      ..

    • زائر 27 | 9:14 ص

      بدأ اللعب بالنار الطائفية في العراق أيام الدكتاتور صدام والجماعة ساعدوه، حتى غزو النظام البعثي للكويت في 1990، حيث تحوّل اتجاه المعركة، لتدخل المنطقة في نفقٍ آخر مظلمٍ، انتهى الآن إلى صناعة «داعش» وتسليطها على سورية والعراق.

    • زائر 26 | 8:06 ص

      مقال جميل

    • زائر 22 | 5:00 ص

      الحمد لله رب العالمين احنا أئمتنا الاثني عشر صلوات ربي و سلامه عليهم عرب اقحاح و هم أبناء الرسول صلى الله عليه و آله.

    • زائر 21 | 4:59 ص

      هذه هي المأساة::::: كان أول من وضع يده على هذا الدمل زبجنيو بريجنيسكي، مستشار الرئيس جيمي كارتر للأمن القومي، وهو مفكر استراتيجي، يبلغ الآن 88 عاماً، ومازال يكتب وينظّر في السياسة الدولية، وهو الذي اكتشف هذا الكهف المليء بمختلف أنواع التناقضات المذهبية، فالحرب بين المسلمين هي أفضل وسيلةٍ لاستنزاف هذه المنطقة وتحويلها إلى خرائب وأطلال.
      استمروا في النوم أيها المسلمون. استمروا في قتل بعضكم بعضاً. ناموا ولا تستيقظوا

    • زائر 18 | 4:34 ص

      خوش صحوة هذا الإرهاب والإجرام والفتنة بين المذاهب والتكفير لبعض وكل مذهب يقول الإسلام الأصيل يعني غيره مزيف وبعد هذا نسمي صحوة

    • زائر 17 | 4:19 ص

      إيران كما هي بعض الدول العربية شاركت في إشعال نار الفتنة الطائفية في المنطقة العربية، أن نذكر طرف و ننسى الطرف الآخر، فهذا يعني أننا دخلنا في إطار المغالطات ...

    • زائر 16 | 4:17 ص

      طول ما كان مداهنه ف الدين ومجاملات مافي صحوة حقيقية .

    • زائر 14 | 3:55 ص

      الكاتب فاته أن المخابرات السورية و الإيرانية عند احتلال أمريكا للعراق، نسقوا مع التنظيمات الجهادية و القاعدة لدخولها للعراق لقتال القوات الأمريكية و الحكومة العراقية (الموالية لطهران و واشنطن) ... الخطة كانت إغراق الأمريكان في مستنقع العراق حتى لا يتمددوا لإيران و سوريا ... بعد مجيئ أوباما و وعده بأن يقوم بسحب القوات الأمريكية من العراق، آثر إلا أن يسقي نظام بشار و إيران من السم الذين كانوا يسقونه لأمريكا.
      تنسيق إيران مع طالبان في أفغانستان لقتال حلف الناتو أيضا ليس سرا ....!

    • زائر 10 | 3:41 ص

      اللوم كله على العرب، هم سبب الطائفية .. أما الإيرانيين سلام الله عليهم ملائكة!

    • زائر 8 | 3:33 ص

      لماذا ننسى دور النظام في ايران في اذكاء نار الطائفية منذ مطلع الثمانينات وحتى يومنا هذا قبل ان تتسلم الشعلة بعض دول ....في اسكاب الزيت على النار؟

    • زائر 7 | 3:33 ص

      اتذكر الجدال والنقاشات الحادة ايام حرب العراق وايران

      من النقاشات التي حدثت ان صدام بطل العروبة وحامي حمى البوابة الشرقية ، وبعد غزو الكويت انقلب الاخوة رأس على عقب تغيرت البوصلة ، والآن يقولون الدواعش واخواتها هي القاهرة ل وعندما تنقشع الغمامة وتذهب السكرة بقولوا انتم على حق مثل ما جاء اخونا بعد الغزو اقصد غزو الكويت واعتذر عن كلامه السابق في تمجيد صدام واقتراحه عمل نصب له اي صدام في جميع ديار العرب ، غدا ستسقط الاقنعة جميعا ما علينا الا الصبر والتحمل ، وستبدي لنا الايام ما نجهل حتى يستمر الجهل ويصفوا الجو للسياسة والسيطرة على موارد الامة .

    • زائر 6 | 3:10 ص

      لماذا نتغافل عن دور ال..... في اذكاء اول نار طائفية في المنطقه؟ فقبله لم يكن احد يعرف معنىانك سني او شيعي

    • زائر 2 | 9:53 م

      فتش عن إيران فقط
      كيف تمت الإطاحة بالشاه ليحل محله النظام الجديد
      وكيف تمت الإطاحة بصدام لتحل محله المليشيات
      وكيف انسحبت اسرائيل من لبنان لتزرع ذلك الحزب
      الأوراق انكشفت يا معلم

    • زائر 3 زائر 2 | 1:29 ص

      صباح الخير
      ماذا انكشف اصحى ياغافل واقرا بتمعن مين في الجانب الصحيح وبعدها انتقد ولكن بعدل لا بعاطفه ز
      وتحياتي

    • زائر 1 | 9:39 م

      بالامس فرس ومجوس
      واليوم صفويين.
      نفس اللغة المتغطرسة والبذاءة ولجفاء والبعد التام عن تعاليم الاسلام.

اقرأ ايضاً