العدد 5027 - السبت 11 يونيو 2016م الموافق 06 رمضان 1437هـ

محاولة اغتيال الشيخ محمدعلي الحميدان

حكايات رمضان البحرين قبل 75 عاماً...

الشيخ محمد علي الحميدان
الشيخ محمد علي الحميدان

حكاية رمضانية غريبة هزّت المجتمع البحريني 75 عاماً، وصارت حديث الشارع طوال شهر رمضان للعام 1359 هـ (أكتوبر/ تشرين الأول 1940م)، وقعت صباح يوم الأربعاء 7 رمضان (9 أكتوبر 1940)، في وضح النهار وأمام الناس. فما هي تلك الحكاية؟

بدايةً، نوضح أنّ القضاء في البحرين مرّ بعدة مراحل، حتى بداية القرن العشرين، حيث تم في العام 1923، البدء بمشروع الإصلاحات الإدارية في الكيان الاجتماعي والسياسي البحريني، وتم فيها فصل القضاء الشرعي عن القضاء المدني. وكان ضمن تلك الإصلاحات والتنظيمات الإدارية في القضاء، إنشاء محاكم رسمية، وإدخال فروع الاستئناف وتفاصيلها ضمن التقاضي، وتطبيق القضاء على الجميع.

ثم تم تعيين القضاة الشرعيين من البحرينيين والذين يتولون قضايا الأحوال الأسرية وغيرها، كما كان هناك قضاة آخرون في محاكم البحرين، مثل المستشار تشارلز بليغريف (انظر: تاريخ القضاء في مملكة البحرين، موقع وزارة العدل والشؤن الإسلامية والأوقاف).

وفي العام 1935، عُيّن لأول مرة، ثلاثة قضاة للشرع الجعفري في المنامة، وهم: الشيخ علي بن حسن بن موسى التاروتي، والشيخ علي بن جعفر أبو المكارم القديحي، والشيخ باقر بن أحمد العصفور. وكان حضور هؤلاء القضاة المعينين رسميّاً مدة أربعة أيام في الأسبوع فقط، مع تخصيص الراتب الشهري المقدر لهم. وقد عُزل الشيخ علي القديحي لاحقاً وعُين بدلاً عنه الشيخ محمد علي حميدان من المنامة. وكان قضاة الشرع المكلفون يتمّون إيقاع عقود النكاح والطلاق رسمياً بتخويل من المحكمة الشرعية الجعفرية، وهنا مربط الفرس في هذه الحكاية. وهي قضية بشأن طلب طلاق، حكم فيها أحد قضاة المحكمة الشرعية، وهو الشيخ محمدعلي بن أحمد بن علي بن حسين آل حميدان، المعروف اختصاراً بالشيخ محمدعلي الحميدان، وقد تولى القضاء في المنامة العام 1938 تقريباً.

وأصل الحكاية، أن رجلاً كان من المقيمين في البحرين وله ابنة تزوجت من رجل بحريني، ورزق منها بطفلة. ودارت الأيام، ووقع سوء تفاهم وخلاف بين الزوجين، وصل إلى درجة الطلاق بين أروقة محكمة الشرع، بفعل تأثير الأب. ولذلك كان والد الزوجة هو الوكيل عنها في المحكمة. وقد تمَّت إحالة الدعوى إلى المحكمة الشرعية الجعفرية. وهناك تنازل الزوج عن بعض مواقفه السابقة التي كان يرفض الحديث فيها، وهو يحاول الحفاظ على تماسك أسرته، فدفع تلك الدعوى بقوله أمام قضاة الشرع، ومنهم الشيخ محمدعلي الحميدان، أنه مستعدٌّ للصرف على زوجته وطفلته، وأن يوفر لهما بيتاً مستقلاًّ وخادمة، وأن يعد جميع ما يلزم لذاك البيت. وبما أن هدف القضاء هو الحفاظ على الأسرة البحرينية من التفكك والتشتت؛ فقد حكمت المحكمة بذلك وتم رفض دعوى الطلاق.

وهنا ثارت ثائرة والد الزوجة، وصادف أن أول من واجههم بعد صدور الحكم وهو في أحد الطرق المملوء بالبشر ممن يعبرونه من جهاته الأربع، هو الشيخ محمدعلي الحميدان. فسأله بداية والغضب قد بلغ منه مبلغاً عظيماً، عن حيثيات الحكم، وهل هو نهائي أم به استئناف، فردَّ عليه الشيخ بأنه نهائي ولا رجعة فيه. وهنا قفز الشيطان في وجه والد الزوجة، وفقد شعوره تماماً، واستلَّ سكيناً كان قد أعدّها كما يبدو لهذا الغرض، وهجم على الشيخ كالسبع الضاري يرمي إلى قتله والإجهاز عليه في ذات اللحظة. وأخذ يطعنه سريعاً بعدة طعنات، بلغت خمساً، أصابت واحدة منها الصدر، وأخرى في يد الشيخ اليمنى، والثلاث التاليات في العضد الأيسر. وكما ذكر من نقل الحدث، ولولا أن عاجل ذاك القاتل، الرجلُ الشجاعُ عيسى الزيرة، بأن ألقى بنفسه عليه وأوثقه من يديه للخلف، لكان الشيخ منذ ذلك التاريخ في عداد الأموات بسبب طعنات الغدر من سكين ذاك المعتدي.

وتم تسليم الجاني مباشرة إلى الشرطة، ونُقل الشيخ الحميدان إلى مستشفى الإرسالية القريب من المنامة، وتمت معالجته سريعاً لتفادي مضاعفات الطعنات على جسده ودمه. وسرى الخبر، على رغم قلة وسائل النشر والتواصل، سريان النار في الهشيم، ليس في المنامة وحدها، بل في عموم البحرين. وخرج الناس كالزرافات نحو المنامة مستفسرين عن الحادث، والأسباب التي أدت إليه، مستنكرين ما قام به والد الفتاة ضد قاضي الشرع الذي حكم بما أمره الله به والقرآن الكريم، من ضرورة الحفاظ على الأسرة من جور الطلاق بلا معنى، وفي شهر رمضان المعظم المفترض فيه من المسلم أن يمسك كل جوارحه عن الفسوق والعصيان، فما بالك بالقتل في وضح النهار لعالم جليل فاضل، مهما اختلفت معه في أمر مَّا، ربما أنت لا تفهمه. وقد صبّوا لعناتهم على شخص ذاك الجاني، متوجهين لله تعالى في صلواتهم ودعائهم مساء ذاك اليوم وهم على موائد شهر رمضان الفضيل بأن يمنّ المولى عزّ وجلّ على الشيخ بصحة وبقاء بعافية، وأن يتجاوز هذه الأزمة ويتم صيامه ببركة الشهر الكريم. وبقي الجميع يرددون صدى الحادث وفصول الحكاية، وكلٌّ يضيف ويزيد وينمّق الحادث من هنا وهناك بحيثيات وتفاصيل جعلته يستمر على الألسن لمدة طويلة فاقت العشرين يوماً التي قضاها الشيخ محمدعلي الحميدان، وهو يعاني ويُعالج من جراحات طعنات الجاني.

وبقي الجاني في السجن وهو مقرٌّ بما فعل، وتمنى لو استطاع أن ينجز مهمته، كما تذكر الحكاية، على لسانه بقوله وهو يئن تحت الأغلال: «خرجت بها يا شيخ... خطاك السهم الأول».

وعندما قاربت عقارب ساعة المستشفى الخامسة مساءً عربي، تصاعد قلق الناس المتجمهرين حول الموقع، وارتفعت أصواتهم بالدعاء... وما هي إلا دقائق أخرى تمُرُّ ثقيلة كالصخر على صدور محبي الشيخ ومريديه، وإذا بخادم الشيخ ومرافقه يخرج من المستشفى ووجهه عليه علامات البشرى والسرور، فتهللت وجوه الجميع فرحاً، وخصوصاً عندما أخبرهم بأنّ الطبيب قد سمح له بأن يزف البشرى لهم بتجاوز الشيخ مرحلة الخطر، وهو سيمُرُّ بمرحلة استشفاء لن تطول. فكان وقع الخبر كمن أعلن هلال رمضان أو العيد في تلك المناسبة.

وفعلاً فقد تعافى الشيخ تماماً وغادر المستشفى، إلا من أثر الجروح التي بقيت تُذكّر الناس بتلك الحكاية الغريبة على المجتمع البحريني. وقد توفي الشيخ محمدعلي الحميدان في يوم (4 ديسمبر / كانون الأول 1954).

الحادث في الصحيفة
الحادث في الصحيفة




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 11:04 ص

      نبي نعرف جم حكمو الجاني

    • زائر 14 | 5:30 ص

      من تركيا شمالا الي اليمن جنوبا ليش من البصرة الى عمان بس

    • زائر 16 زائر 14 | 5:44 ص

      بلا سخرية .... لغويا مثنى بحر هو بحران . فالصحيح لغويا هو بحراني بنصب الألف .
      البحراني تاريخيا هو كل من سكن إقليم البحرين .
      إقليم البحرين يمتد من البصرة شمالا إلى حدود عمان جنوبا و يقال إلى قطر فقط . و يشمل البصرة و الكويت و القطيف و جزيرة أوال (البحرين) و قطر و ربما بعض أجزاء الإمارات .
      مشكلة التاريخ الرسمي المحدود لا يتطرق إلى هذه المواضيع فترى الكثير لا يعرفها .
      كذلك لو تتطلع على الاوراق الرسمية الحكومية في النصف الأول من القرن العشرين فسوف ترى دائما كلمة بحراني.
      لكن تم تغييرها

    • زائر 13 | 8:42 م

      تصحيح الشيخ علي بن الشيخ جعفر ابو المكارم لا ينسب الى قرية القديح عاش في البحرين وفي سيهات

    • زائر 12 | 4:51 ص

      البحراني هو كل من سكن البحرين الكبرى من البصرة شمالا الى عمان جنوبا.
      طبعا تم تقسيمنا الى 6 دول بعد اتفاقية سايكس بيكو.
      و اللهجة البحرانية تجدها في الشرقية و الامارات و عمان و الكويت و حتى قطر حاليا.

    • زائر 11 | 4:30 ص

      رحمة الله عليه الشيخ محمد علي حميدان
      كانو اهل بر واحسان وبيتهم كان موفد للداني والقاصي
      احلى ايام العمر
      المنامة فريق الحطب / فريق العز

    • زائر 9 | 3:07 ص

      الله يرحمه برحمة الواسعة

    • زائر 8 | 3:06 ص

      القديحي بحراني في النهاية اللهم عايلته نسبت للقديح على الخط .. والنعم بعيال عمومنا في السعودية

    • زائر 7 | 2:52 ص

      البحراني هو كل من انتمنى للبحرين الكبرى من قبيلة تغلب او عبدالقيس او بكر بن وائل وهم أبناء عمومهم طبعا.
      شكرا للوسط على توثيق هذه الحادثة.

    • زائر 3 | 9:09 م

      يعني الجاني كان اسمه: .............

    • زائر 1 | 7:37 م

      إن الشيخ علي بن الشيخ جعفر بن الشيخ محمد المعروف بأبي المكارم ليس قديحيا وإنما هو بحرانيا

    • زائر 4 زائر 1 | 1:14 ص

      لو تكرمت زائر رقم 1 ، ما هو الفرق بين القديحي والبحراني وشكرا ؟؟؟

اقرأ ايضاً