هو روائي الهويات بحيادية بالغة. يقدمها كما هي في معترك المكان. فريد رمضان متعدد الذهاب في بحثه وتشريحه والتقاطه لنماذج البشر. بقدرته على تقديمها من دون رتوش. للعبة الروائية أدواتها؛ ولا يصح أن نضع تلك الأدوات في مقام ومنزلة الرتوش.
ثمة مخزون ثري يتكئ عليه رمضان. مخزون ثقافي ومعرفي متعدد، أتاح له قدرة لافتة في انتقاله بين أكثر من شكل ولون إبداعي. من النص المفتوح، إلى القصة والرواية والسيناريو. يتمركز اشتغاله ضمن الفضاءات تلك حول موضوعات لا تنأى عن الإنسان. الإنسان وهو رهن الموت انشغالاً بالحياة. الاغتراب داخل الهوية الواحدة؛ سواء كانت هوية ذات صلة بالمكان أو طارئة... عابرة فيه ومنه. ذلك التمركز يمكن الوقوف عليه بالانشغال بسوسيولوجية مجتمع ما؛ صغر أم كبر. في المدينة أو التقاطاً لنماذج أخرى في القرية.
في لعبة السرد تلك - إذا صح التعبير - يبدو مثل لاعب السيرك، بقدرته على الحفاظ على توازنه، وإن بدت شخصياته قلقه ومحبطة ومهمشة، وأحياناً حالمة بإفراط، لكنه وإن التقطها من فضاء خيال، تظل هناك، مقيمة، ومتربصة، أو مُتربَّص بها.
منذ «البياض»، (قصص قصيرة - 1984)، «التنور»، (رواية - 1994)، «السوافح ماء النعيم»، (2006)، «البرزخ»، (2000)، وحتى «تلك الصغيرة التي تشبهك»، (نصوص - 1991)، لم ينأَ رمضان عن تلك السوسيولوجيا وما أسماه «المدخل الإيكولوجي لدراسة المجتمع المحيط بالشخوص وعوالمها».
قال عن قيمة الموت ذات استنطاق: «الموت يأخذ قيمة أخرى لا تعني فقط نهاية شخصية روائية ما، بقدر ما تساهم في بعث حالات أخرى أكثر حياة من الأحياء».
وعن تجلي تلك الشخصيات بالتحولات التي تحدث لها في فضاء العمل الروائي، يؤكد رمضان أن الرواية ليست مشروع تخيّل فحسب؛ بل هو دراسة سوسيولوجية ومدخل إيكولوجي لدراسة المجتمع المحيط بهذه الشخوص وعوالمها، وعلى ذلك تتطور الفكرة الأولية للحكاية المراد سردها، والتي عادة ما تكون بسيطة ولكنها عبر البحث والدرس تتعقد وتبدأ بفرض خياراتها الخاصة التي تندلع مع مرحلة الكتابة. ذلك أن المشروع الروائي وهو يسعى لعرض حياة لمجموعة من الشخوص ضمن هذا السياق سيحدد أحياناً تصورات أولية في رسم الشخصيات وتحولاتها في العمل. لذا فإن حضور الموت في العمل يصبح جزءً مهماً ضمن سياق الفكرة والبحث والدراسة. وهو هنا لن يكون غائباً عن لحظة الوعي الأولى. ففي عمل ما لا يحضر الموت، بل تحضر الولادات التي تؤسس لبناء حياة جديدة. وأحيانا العكس، يحضر الموت وتغيب الولادات، ويمكن ان تجتمع الحالتين في عمل آخر.
في شهادات مبدعين وأصدقاء يضيء الباحث والأكاديمي نادر كاظم جانباً صميماً من اشتغال رمضان الروائي، وهو يتناول روايته «التنور»، بالقول: «تسعى رواية التنور إلى القبض على حقبة آفلة، كانت الهويات فيها متعددة ومتكاثرة، فليس ثمة حارة أو قرية أو مدينة في فضاء الرواية إلا وهي خليط من أعراق وأقوام متنوعين».
وفي مقام آخر وضمن العمل نفسه، مضمِّناً رؤيته كذلك «البرزخ»، يوضح كاظم أن فريد رمضان اهتم في «التنور»، وفي «البرزخ»، بموضوع الهويات الثقافية في البحرين، وهو موضوع يثير إشكالات كثيرة في بلد متعدد الثقافات مثل البحرين، حيث كل جماعة تصر على امتلاك تحبيكها الخاص، وهويتها الثقافية المتميزة عن الآخرين، وهو إصرار يهيئ لانبعاث مصادمات واشتباكات جماعية بين هذه الهويات.
الناقد والأكاديمي فهد حسين، يذهب في رؤيته بعيداً عن أعمال رمضان، تركيزاً على الاتكاءات والمنابع التي يقيم منها وبها تلك العوالم بالقول: «كانت بذور حالة الإبداع والكتابة عند الروائي البحريني فريد رمضان منثورة في تربة خصبة تسقى بماء فكره ومتخيله منذ الطفولة، وحين كانت هذه البدور بحاجة إلى نبش الأرض ليعرف المتلقي مكامنها أقدم عليها فريد رمضان لتأتي هذه الحالة متعددة المواهب الإبداعية والفنية، القابضة على مفاصل التجربة، القادرة على تحديد مسار الكتابة فيما بعد في الجنس الأدبي والموضوعات المطروحة».
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 5026 - الجمعة 10 يونيو 2016م الموافق 05 رمضان 1437هـ
فريد رمضان روائي له طعمه الخاص فعلاً
السلام عليك ياجمري. مازاد الحديث عن الروائي فريد رمضان بقلمك الا نور. جميل هذا التفصيل. دمت
امل النعيمي