العدد 5026 - الجمعة 10 يونيو 2016م الموافق 05 رمضان 1437هـ

معجم المهن الشعبية: المسحّر أو أبو طبيلة أو الدبدبة

كثيرة هي الأسماء والمصطلحات التي ارتبطت بالحرف والمهن الشعبية القديمة، والتي هُجر العديد منها، وكذلك، تغيّرت أو انقرضت المصطلحات والمسميات التي ترتبط بها. في هذه السلسلة الجديدة من المقالات سوف نتتبع تلك الأسماء والمصطلحات ونحاول أن نوثق ما يمكن توثيقه منها قبل أن تُنسى من الذاكرة الشعبية.

في هذه المقالة سوف نتناول إحدى هذه المهن، والتي تغيّر مسماها عبر الزمن، وهي مهنة المُسحّر، الذي يقوم بإيقاظ الناس في رمضان ليتناولوا وجبة السحور. وفي البحرين عُرف صاحب هذه المهنة بالعديد من المسميات، ومن أقدمها اسم الدِبدِبة أو المدَبدِب، ويسمّى أيضاً «أبو طبيلة». وقد اشتقت هذه الأسماء من اسم الآلة الموسيقية التي يقوم المسحّر بالقرع عليها، وهي الطبل أو الدبدبة، كما يقوم المسحّر بإنشاد الأدعية أو المواويل أو الأهازيج الشعبية المختلفة.

ومهنة المسحّر منتشرة في جميع البلاد الإسلامية، وهي ليست عادةً وليدة اللحظة، بل نشأت منذ قديم الزمان، ربما منذ تشريع صيام شهر رمضان ووجود الحاجة الملحة لمثل هذه المهنة؛ حيث يُذكر أن بلال بن رباح، مؤذن رسول الله (ص)، كان يجوب الشوارع والطرقات لإيقاظ الناس للسحور (السقا 2009). وقد تطوّرت عملية إيقاظ الناس وأخذت أشكالاً مختلفة. وفي العصر العباسي، تم المزاوجة بين الشعر وعملية إيقاظ الناس للسحور؛ حيث ابتدع أهل بغداد نوعاً من الشعر خاصاً لهذه العملية، وقد عُرف باسم «القوما»، وذلك لأنهم يقولون في ختام هذا الشعر «قوما للسحور» تنبيهاً منهم لربّ الدار (نصار 1980، ص 123).

هذا، ولا يُعلم بالتحديد متى تم إدخال قرع الطبول في عملية إيقاظ الصائمين، إلا أن عملية قرع الطبول احتفاءً بثبوت هلال شهر رمضان، كانت معروفةً منذ القدم، على سبيل المثال، ورد ذكر قرع الطبول و»الدبادب» عند ثبوت هلال رمضان وفي مواقيت أخرى، وذلك في رحلة ابن جبير (توفي العام 1217)، (طبعة دار صادر 1964، ص 122 و148).

الدبدبة والطبل

الدِبدِبة، من الألفاظ القديمة التي كانت تقصد بها العامة، في بعض مناطق البحرين، مجموعة من الأفراد تقوم بقرع الطبل لإيقاظ الناس للسحور. وقد كان العديد من الأطفال، عندما يهل شهر رمضان، يتمنون مشاهدة الدبدبة، ومن الجمل التي كانت تتكرر على مسامع الأطفال جملة «الليلة بتمر الدِبدِبة». كانت العامة تنطق الدِبدِبة (بالكسر)، وأصل اللفظ الدَبدَبة (بالفتح)، وهو نوعٌ من أنواع الطبول الذي عُرف في البحرين منذ القدم، وقد ورد ذكره في شعر لأبي البحر جعفر الخطي (توفي العام 1618)، يقول فيه (طبعة الانتشار العربي 2005، ج2، ص 55):

أو فاتخذ لك مزماراً ودَبدَبة

وعش، لك الخير، طبالاً، وزمّارا

وقد تطوّرت اللفظة عند العامة في البحرين، فاشتق منها الفعل «يدَبدِب»، بمعنى يقرع الطبل، وكذلك سُمّي قارع الطبل «المُدَبدِب»، كما أطلقت لفظة المُدبدب أو الدِبدِبة على «المُسَحِّر». والفعل «دَبدَب» عربي فصيح، ومنه الدَّبْدابُ، أي الطَّبْلُ (لسان العرب «مادة دبب»).

مهنة المُسحّر

مهنة المُسحّر، من المهن المؤقتة، حيث يتم ممارستها في شهر رمضان فقط، فبالتالي هي ليست مهنة أساسية، بل هي من المهن الثانوية، إلا أن ممارسي هذه المهنة يستمرون بالعمل فيها، وقد يتم توارثها في عائلة محدّدة. يذكر الناصري في كتابه «من تراث شعب البحرين» (ص 204) سلالة من الذين توارثوا مهنة المُسحّر أباً عن جد، والتي بدأت بالجد «سبت»، الذي كان يلف حول بيوت المنامة ليوقظهم للسحور، ثم ابنه علي، ثم الابن صالح، ثم مهدي، وأخيراً ابنهم حميد بن مهدي الذي كان يمارس هذه المهنة حتى العام 1990، وهو وقت طباعة كتاب الناصري.

ولم يكن المُسحّر يتقاضى أجراً ثابتاً لهذه المهنة، وإنما يتقبل أي مبالغ نقدية تدفع له من قبل الأهالي، أو حتى طعاماً كالعيش (الرز) مثلاً. وعادةً ما يخرج المُسحّر بعد الإفطار في ليلة النصف من رمضان أو ليلة العيد ويجوب على بيوت الأهالي قارعاً طبله، فيبدأ الأهالي بتقديم الأموال أو الهبات له. ويذكر الناصري أن المُسحّر (حميد بن مهدي)، السالف الذكر، يخرج نهاراً وذلك في يوم النصف من شهر رمضان وفي يوم العيد، وذلك لأخذ الهبات والأموال من الأهالي، فيبدأ بقرع الطبل وتلتف حينها الأطفال حوله، وهو ينشد الأهازيج التي ابتكرها والتي يذكر فيها جده «سبت»، ومن تلك الأهازيج:

طبل طبل سباتوه

والطبل مال أبو علي

والعبوا يا جهالوه

طبل طبل سباتوه

وكان يأمر الأطفال الذين يتبعونه أن يقولوا:

سباتوه جارك الله عند عجوز أمكسره

سباتوه جارك الله

تمشي وتحلب بگره

الخلاصة، إن مهنة المُسحر، مهنة قديمة جداً، واتخذت أشكالاً مختلفة، بدأت بالنداء، ثم الشعر الشعبي، ثم امتزج الشعر مع الآلات الموسيقية، فتعدّدت ألوان هذه المهنة من بلدةٍ لأخرى. وكذلك، تعدّدت مسميات هذه المهنة من بلدٍ لآخر، بل من منطقة لأخرى في البلد الواحد. وحالياً، لم يبق من ذكرها إلا القليل في الذاكرة الشعبية.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً