مصطلح التسامح من المصطلحات الأخلاقية والإنسانية الضائعة وغير المقبولة في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وخصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة، والتي من المفترض أن تكون أنموذجاً ونبراساً رائعاً للعالم في تطبيقها لمبدأي التسامح والتعايش بين مختلف الشعوب العربية والإسلامية والإنسانية، وليس أنموذجاً سلبيّاً في التنافر والفرقة واصطناع الفتن والكراهية بين مكوناتها ومختلف شعوب العالم.
في بعض المجتمعات التي أغرقتها بعض الجهات الكارهة للتآلف والمحبة في جدال تاريخي عقيم، الذي لا ينتج إلا المزيد من الجهل والتخلف والابتعاد عن الحقيقة والاستسلام للخزعبلات والتُرَّهات والإسقاطات النفسية غير الرشيدة، والمصيبة الكبرى أن كل من يطرح مفهوم التسامح بكل أخلاقياته الإنسانية، ليكون بديلاً عن الفتن والاحتراب والحقد والكراهية، ينعت بنعوت ساقطة ما أنزل الله بها من سلطان، من قبل تلك الجهات المبغضة لكل تقارب ثقافي وفكري واجتماعي بين مختلف مكونات المجتمع، ويجدون أنفسهم في وسط طوفان من الانتقادات اللاذعة والاتهامات المهينة والتخوين، والمدهش أن بعض أولئك المهووسين يجدون في التعارف والتقارب وحتى الابتسامة من مع يختلفون معهم الانتماء أو في وجهات النظر، تراجعا وتنازلا عن المبادئ الأيديولوجية التي يتبنونها، التي في مجملها تدعوهم إلى رفض كل من يختلف معهم في الثقافة والفكر والانتماء، ويبذلون الجهود الكبيرة وينفقون أموالاً كثيرة من أجل ترسيخ المفاهيم المغلوطة في مجتمعاتهم، بأساليب يصفها البعض بالعنيفة وغير الحضارية، ناسين أو متناسين أن رسولنا الأكرم محمد بن عبدالله (ص) حرص على ترسيخ أسس ودعائم التسامح بين مختلف مكونات المجتمعات الإنسانية، وبلغ عن ربه جل جلاله أن «لا إكراه في الدين»، (البقرة: 256) وبيّن (صلوات الله عليه) حقوق غير المحاربين من غير المسلمين، وأنهم آمنون على أنفسهم وأبنائهم وأعراضهم وأموالهم، وأكثر من كل هذا وذاك أعطاهم كامل الحرية في ممارسة معتقداتهم الدينية.
فآيات سورة «الكافرون» مصداق واضح لمفهوم التسامح الذي أرساه نبي الإسلام (ص) على أرض الواقع بحضارية لم يجد الإنسان مثيلا لها في السمو في كل الأديان السماوية والقوانين الوضعية، قال تعالى «قل يا أيُّها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتُّم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين» (الكافرون: 1 -6)، لم يجبر أحد على اعتناق الإسلام ولم يستخدم القوة في دعوته، فترك الناس، أفرادا أو جماعات يختارون ما يريدون بقناعاتهم الشخصية، وكان يهتم في دعوته المحمدية بالكيف لا بالكم، و كان يخاطب العقول والمشاعرالإنسانية وليس الأبدان، لا يريد النبي (ص) أتباعاً جهلاء وغير واعين، كان مطلبه تحقيق التوازن بين متطلبات الروح والجسد؛ لأن طغيان أحدهما على الآخر يسبب كوارث أخلاقية وإنسانية لا يحمد عقباها، فتغذية العقل والروح بأفكار وثقافات غير متزنة، توصل صاحبها إلى مراحل متقدمة من الغرور والطغيان، وتجعله ينظر إلى أكثر الناس أنهم كفار أو مشركون أو مرتدون ، وجميعهم بحسب معتقده لا يستحقون العيش في هذه الدنيا لحظة واحدة، فليس في قاموسهم مفهوم التسامح والتعايش بين بني البشر في كل الأحوال والظروف، فلهذا تتولد لديهم فكرة الرحيل إلى الله، كيف؟ فجأة يصدر قرار بقتل نفسه في أوساط من يعتقد بكفرهم أو بشركهم أو بردتهم، لينال كما يعتقد الجنة بجوار سيد الأنبياء والمرسلين (ص).
لقد ثبت بالدليل والبرهان أن التسامح لا يمكن بلوغه إلا باستيعاب كل الأطراف في المجتمع لأهدافه الأخلاقية والإنسانية، ولا يكفي لتحقيقه إيمان طرف ما في المجتمع بأهميته الإنسانية، لابد أن تكون جميع مكونات المجتمع مؤمنة بنفس الدرجة بأهدافه الأخلاقية السامية، هنا لا نعني بالتسامح السلبي الناتج عن قلة الوعي، ما نقصده هو التسامح الإيجابي الذي ينتج من قناعات شخصية واستيعاب كامل لماهيته الأخلاقية والإنسانية، فالتسامح الذي ينتج من القلق والخوف والتوجس من الحاضر والمستقبل لا يبني مجتمعا متماسكا وقويا في كل اتجاهاته الفكرية والثقافية والعلمية والأخلاقية والإنسانية والاجتماعية، التسامح والتعايش مفردتان مهمتان في واقع الإنسان.
فالمجتمع الذي يحسن التعامل معهما يكون مجتمعا راقيا ومستقرا أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، ويكون محصنا تحصينا قويا عن مؤثرات الأمراض النفسية ومن إسقاطاتها الخطيرة، فأي مجتمع يرفض التسامح والتعايش بين أفراده وجماعاته وأطيافه، لا يكتب له إلا الشقاء وكثرة الأزمات.
نحن في البحرين، هذا البلد الطيب الذي لم يعرف طوال الأزمان الماضية إلا بالتسامح والتعايش بين أفراده وجماعاته ومكوناته الطائفية والمذهبية والعرقية، لا شك أن الوطن بحاجة ماسة إلى مبادرات جادة وممارسات حقيقية لنشر ثقافة التسامح والتعايش في أوساط مجتمعنا؛ لكي يلم الشمل ويرفض البغض والكراهية والفتن المصطنعة، ألا يكفي ما أحدثته الأصوات البغيضة والأقلام المسمومة في مجتمعنا طوال خمس السنوات الأخيرة من تمزق وتشرذم وضياع للرشد والعقلانية، نقولها بكل صراحة ووضوح، لا مجال للتسويف أوالتأخير أوالتجاهل أوالتغافل في مثل هذا الموضوع الحساس الذي أصبح شائكا ومعقدا إلى أبعد الحدود، ليس عيبا أن يجلس جميع الأطراف المختلفة في البلد، لمراجعة الخطابات والبيانات والمقالات الصحافية والبرامج الإذاعية والتليفزيونية، المؤججة للنفوس والخادشة للمشاعر والملامسة للمعتقدات والشعائر والخصوصيات المذهبية والمخونة لجل الناس، لتكون خطوة أولى للولوج إلى التسامح المتعقل الواعي بكل معانيهما الراقية، وليس إلى التسامح العشوائي الساذج الذي لا يؤدي إلا إلى مزيد من المآسي والنكبات.
لابد أن يعمل الجميع لتأسيس وتوطيد علاقات اجتماعية وانسانية قوية بين مختلف أطياف وتوجهات المجتمع، هذا مطلب وطني مهم، أصبح الشروع في تنفيذه سريعاً من الضروريات الملحة التي لا يمكن تأجيلها، نأمل لوطننا الخير الوفير ولجميع أهله الأمن والسلامة في معيشتهم وعملهم وفي كل جوانب حياتهم العملية.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5024 - الأربعاء 08 يونيو 2016م الموافق 03 رمضان 1437هـ
زائر 1 (..) هم السبب وقفو يتشمتون على اخوانهم الي فى الدوار ويتحدونهم مع انه فى الدوار عوائل من المذهبين .....
المطالب السياسية لاتفرق شعب
نحن ننتج التسامح والبعض ينتج العنف والاقصاء ثم يحاولون بروزة ذلك في اطار مغاير
مقال في الصميم ، احسنت
عموم شعب البحرين لأيحمل على بعض ولاكن من يقودونهم لا يتصالحا مع بعض ولا يجتمعا
الحل سهل جداً إغلاق الجمعيات الطائفية السنيه و الشيعيه و منع اصحاب اللحى الطويلة و العمائم من التدخل في السياسة و الشأن العام لأنهم سبب البلاء
التشخيص الدقيق مهم
إذا شخصنا بدقة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الإنقسام الطائفي في البلد ،عندها نستطيع وضع خلول ناجعة لهذه المأساة
شوف ما حدث في البحرين خلال الخمس سنوات انقسمنا الى قسمين قسم الدوار وقسم الفاتح وكل واحد يحمل على الاخر بما ان قبل ذلك كان الجماعتين اكثر من اخوان انا واحد اقول لك في شهر رمضان قبل 2011 ما كنت اتفطر في بيتى الا نادرا يوم في الدراز ويوم في كرزكان ويوم في سترة ويوم في بوري ويوم في دار كليب اتفطر واصلى في مسجدهم ونجلس نتسامر ونعيد الذكريات وما كان يمر اسبوع ما اتصل فيهم يمكن اتصل فيهم اكثر من اخواني ومن بعد 2011 الى يومك الزيارات انقطعت وحتى الاتصال انقطع لا يعرفون اخباري ولا اعرف عنهم شي