فر آلاف المدنيين مكدسين في سيارات ومشياً على الأقدام من مدينة منبج في محافظة حلب شمالاً مع اقتراب قوات سورية الديمقراطية أكثر منها وتطويقها من ثلاث جهات في مسعى لطرد تنظيم «الدولة الإسلامية (داعش)» منها.
وفي حضور هو الأول إلى مجلس الشعب منذ العام 2012، اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أمس الثلثاء (7 يونيو/ حزيران 2016) أن المحادثات الفعلية مع المعارضة السورية في جنيف «لم تبدأ بعد».
ميدانياً، ومع تمكن قوات سورية الديمقراطية التي تضم فصائل عربية وكردية أهمها وحدات حماية الشعب الكردية، من تطويق مدينة منبج في محافظة حلب (شمال) من ثلاث جهات، بدأ التنظيم يسمح بخروج المدنيين من المدينة.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن لـ «فرانس برس» إن تنظيم «داعش»: «بدأ السماح للمدنيين بالفرار منها باتجاه مناطق سيطرته غرباً، فيما كان يحظر عليهم سابقاً الخروج من المدينة».
وفرّ وفق عبد الرحمن، «آلاف المدنيين من المدينة في وقت كان المتطرفون يحافظون على مواقعهم فيها».
ويسلك المدنيون طرقات فرعية وعرة هرباً من هجوم وشيك، ويتكدسون داخل سيارات تقلهم مع حاجياتهم الأساسية التي تمكنوا من أخذها معهم، فيما يفر آخرون مشياً على الأقدام.
وكانت منبج تأوي قبل بدء الهجوم حوالى 20 ألف مدني، من إجمالي 120 ألف شخص كانوا يقيمون فيها قبل بدء النزاع السوري العام 2011، ربعهم من الأكراد فيما الغالبية من العرب وبعض التركمان.
وهجوم منبج هو واحد من ثلاثة هجمات يتصدى لها تنظيم «داعش» لحماية طريق إمداده الرئيسية التي تنطلق من الرقة معقله في سورية، مروراً بمدينة الطبقة في المحافظة ذاتها وصولاً إلى منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي فجرابلس على الحدود التركية.
تطويق المدينة
في محيط منبج، حققت قوات سورية الديمقراطية خلال الليل وبغطاء جوي من التحالف الدولي بقيادة واشنطن وفق عبد الرحمن، «تقدماً إضافياً باتجاه المدينة، حيث باتت حالياً على بعد نحو خمسة كيلومترات منها من جهة الشمال».
وتتقدم هذه القوات باتجاه منبج من ثلاث جهات، وباتت على بعد كيلومترين جنوب المدينة وسبعة كيلومترات من الجهة الشرقية. وتسعى إلى تطويق المدينة من ثلاث جهات وترك منفذ واحد من جهة الغرب ينسحب من خلاله المتطرفون.
وقال رئيس مجلس منبج العسكري الذي يقود عمليات قوات سورية الديمقراطية في المنطقة شرفان درويش لوكالة «فرانس برس»: «نحيط بمنبج من ثلاث جهات والعمليات تجري بشكل جيد».
وأضاف «قطعنا الطريق بين منطقة منبج وجرابلس وتقدمنا أكثر إلى الغرب منها، واستطعنا أيضاً قطع الطريق من الجنوب بين منبج والرقة، والطريق الوحيد المفتوح حالياً هو الطريق إلى (غرب) حلب».
وفي حال سيطرت قوات سورية الديمقراطية على منبج، يصبح بإمكانها قطع طريق الإمداد الرئيسي للجهاديين بين الرقة والحدود التركية بشكل كامل.
وتواجه قوات سورية الديمقراطية، بحسب عبد الرحمن، «مقاومة» من تنظيم «داعش» داخل المدينة بعدما عمد المتطرفون إلى إخراج عائلاتهم منها.
وشدد درويش على أن تحرير منبج «سيفتح أفاقاً واسعة أخرى... كما أنه سيسهم في تضييق الخناق على الرقة ومدن أخرى».
وبالتزامن مع هجوم منبج، تخوض قوات سورية الديمقراطية معركة أخرى ضد تنظيم «داعش» في إطار عملية أطلقتها الشهر الماضي لطرده من ريف الرقة الشمالي انطلاقاً من محاور عدة أحدها باتجاه مدينة الطبقة، الواقعة على بعد خمسين كيلومتراً غرب مدينة الرقة.
ولم تتمكن هذه القوات من إحراز تقدم سريع وهي تتواجد حالياً على بعد ستين كيلومتر شمال شرق مدينة الطبقة، التي تتقدم قوات النظام السوري باتجاهها أيضاً من الجهة الجنوبية.
وبات الجيش السوري، وفق المرصد السوري، على بعد 25 كيلومتراً من مطار الطبقة العسكري.
وقال مصدر عسكري لوكالة «فرانس برس: «تعمل قوات الجيش على تثبيت مواقعها في قرية ابو العلاج والتلال المحيطة بها بعدما استعادتها أمس الأول وتخطط لعمليات عسكرية مقبلة».
وأفاد المرصد السوري بأن تنظيم «داعش» أرسل «تعزيزات عسكرية خلال اليومين الماضيين إلى ريف الرقة الغربي ومنطقة الطبقة، وتضمنت أسلحة خفيفة ومتوسطة، بالإضافة لحوالى مئة عنصر».
وأعلن الرئيس السوري، بشار الأسد أمس (الثلثاء) في خطاب ألقاه أمام مجلس الشعب الجديد للمرة الأولى منذ انتخابه، رفض دمشق لأي حلول خارج ورقة المبادئ التي طرحتها في مفاوضات جنيف غير المباشرة مع المعارضة.
وقال الأسد الذي استقبله أعضاء المجلس بالتصفيق وعلى وقع هتافات «بالروح بالدم نفديك يا بشار»، «لقد طرحنا منذ بداية جنيف 3 ورقة كمبادئ تشكل أساساً للمحادثات مع الأطراف الأخرى»، مؤكداً أن «أي طرح خارجها لن نوافق عليه بكل بساطة».
واعتبر الأسد في كلمته أن «المحادثات الفعلية لم تبدأ بعد»، وما جرى هو لقاءات بين الوفد السوري والوسيط الدولي ستافان دي ميستورا.
وقال الأسد «لم نر أطرافاً أخرى كنا نتفاوض إما مع أنفسنا أو مع الميسر وفريق الميسر، هم ليسوا طرفاً»، مضيفاً «حين نقول الأطراف الأخرى فهي لضرورة الشعر ولكن لا يوجد أطراف أخرى» في إشارة إلى ممثلي المعارضة.
وشدد على أن «أي عملية سياسية لا تبدأ وتستمر وتتوازى وتنتهي بالقضاء على الإرهاب لا معنى لها ولا نتائج مرجوة منها».
وهذه المرة الأولى التي يحضر فيها الأسد الى مجلس الشعب منذ يونيو/ حزيران 2012، تاريخ توجهه إلى مجلس الشعب السابق بعد انتخابه.
واعتبر الأسد أن «الشعب السوري فاجأ العالم مرة أخرى بمشاركته غير المسبوقة فى انتخابات مجلس الشعب واختيار ممثليه»، مضيفاً أن «حجم الناخبين غير المسبوق كان رسالة واضحة للعالم بأنه كلما ازدادت الضغوط تمسك الشعب بسيادته أكثر».
وقال الأسد في خطابه إن الهدنة التي شهدتها مناطق عدة في سورية منذ 27 فبراير بموجب اتفاق روسي أميركي «أنجزت العديد من المصالحات التي حمت أو أوقفت الكثير من سفك الدماء بالنسبة إلى الشعب السوري أو قواتنا المسلحة».
كما اعتبر انها «سمحت بتركيز الجهود العسكرية في اتجاهات معينة وتحقيق إنجازات» مسمياً مدينة تدمر والقريتين حيث تمكن الجيش السوري بدعم روسي من طرد تنظيم «داعش» في 27 مارس/ آذار الماضي.
وقال إن المشكلة الوحيدة في الهدنة «أنها تمت بتوافق دولي وبموافقتنا كدولة... لكن الطرف الأميركي لم يلتزم بشروطها».
ودعا الأسد كل من «حمل السلاح إلى أن ينضم لمسيرة المصالحات» مؤكداً أن «الدولة بمؤسساتها هي الأم لكل أبنائها السوريين عندما يقررون العودة إليها».
وتعهد الأسد باستعادة «كل شبر من سورية» وقال إن حلب ستكون «المقبرة التي ستدفن فيها آمال وأحلام السفاح» في إشارة إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان أحد الداعمين الرئيسيين لجماعات المعارضة التي تقاتل للإطاحة بالأسد.
وقال «أؤكد لكم أن حربنا ضد الإرهاب مستمرة ليس لأننا نهوى الحروب... هم من فرض الحرب علينا. لكن سفك الدماء لن ينتهي حتى نقتلع الإرهاب من جذوره أينما وجد ومهما ألبس من أقنعة».
العدد 5023 - الثلثاء 07 يونيو 2016م الموافق 02 رمضان 1437هـ