أحرزت قوات سورية الديمقراطية والنظام السوري أمس الإثنين (6 يونيو/ حزيران 2016) تقدماً ضد تنظيم «الدولة الإسلامية (داعش)» في أبرز معاقله شمال سورية على محاور عدة، ما يعكس تشتت قدرات المتطرفين وعجزهم عن التصدي للهجمات.
وتمكنت قوات النظام من التقدم مجدداً الإثنين داخل محافظة الرقة، المعقل الأبرز للتنظيم المتطرف في حين باتت قوات سورية الديمقراطية التي تضم فصائل كردية وعربية، وتشن هجوماً في المنطقة ذاتها، على مشارف مدينة منبج، أبرز معاقل المتطرفين في محافظة حلب (شمال).
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن لـ «فرانس برس» أن «الاشتباكات في محيط منبج والتقدم السريع لقوات النظام في الرقة تظهر أن التنظيم غير قادر على صد الهجمات حتى اللحظة رغم استعداداته لها».
وباتت قوات النظام السوري ومقاتلون من «صقور الصحراء» الموالون لها الذين تدربهم موسكو، وفق المرصد «على بعد أقل من ثلاثين كلم من مطار الطبقة العسكري جنوب غرب الرقة ونحو 25 كلم من بحيرة الفرات».
واعتبر عبد الرحمن أن هذا التقدم هو الأبرز «في عمق محافظة الرقة» التي دخلتها قوات النظام السبت للمرة الأولى منذ نحو عامين.
والطبقة الواقعة على بحيرة الفرات من المدن الأكثر أهمية بالنسبة للمتطرفين، إذ أنها تقع عند سد الفرات وفيها أحد أهم سجون تنظيم «داعش»، وفق المرصد، وإلى جنوبها الغربي حقول نفطية.
وفي صيف العام 2014 وبعد سيطرته عليها، قام التنظيم بأكبر عملية إعدام في سورية حين قتل حوالى 160 جندياً.
وللروس أيضاً علاقة رمزية مع هذه المنطقة إذ أنهم ساهموا ببناء سد الفرات بين العامين 1968 و1974 كما مدينة الطبقة ليعيش فيها موظفو وعمال السد.
وبدأت قوات النظام هجوماً الخميس على جنوب الطبقة الواقعة على بعد خمسين كلم غرب الرقة، بعد أيام على هجوم آخر كانت شنته قوات سورية الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن من جهة الشمال في إطار عملية واسعة لطرد التنظيم من ريف الرقة الشمالي.
وتتواجد قوات سورية الديمقراطية حالياً على بعد 60 كلم شمال شرق الطبقة دون إحراز أي تقدم، كون «معركتها الأساسية هي تحرير منبج» في ريف حلب الشمالي الشرقي، وفق عبد الرحمن.
تنسيق دولي
وفي إطار هجوم بدأته قبل أسبوع، وتخوض قوات سورية الديمقراطية بدعم من غارات جوية التحالف الدولي اشتباكات عنيفة ضد المتطرفين عند المدخل الجنوبي الشرقي لمدينة منبج، غداة وصولها إلى مسافة خمسة كلم عن المدينة.
وتواجه قوات سورية الديمقراطية «مقاومة شرسة» من المتطرفين، وفق عبد الرحمن إذ أنهم تفرغوا لصد الهجوم بعدما أرسلوا عائلاتهم إلى مناطق أكثر أمناً.
وتسعى قوات سورية الديمقراطية، بحسب عبد الرحمن، إلى تطويق المدينة من ثلاث جهات وترك منفذ واحد من الغرب ينسحب من خلاله المتطرفون.
وتعد منبج إلى جانب مدينتي الباب وجرابلس الحدودية مع تركيا معاقل رئيسية للتنظيم في ريف حلب الشمالي الشرقي. ولمنبج تحديداً أهمية استراتيجية كونها تقع على خط الإمداد الرئيسي للتنظيم بين الرقة والحدود التركية.
ورأى رئيس مركز جاين لبحوث الإرهاب وحركات التمرد ماثيو هينمان أن هدف قوات سورية الديمقراطية من هجوم الطبقة هو «تشتيت وإضعاف قدرة تنظيم داعش على الدفاع عن منبج، التي تعد حالياً نقطة تركيزها الأساسية».
وتحظى مختلف الهجمات ضد تنظيم «داعش» في شمال سورية بدعم جوي واسع من الطائرات الروسية أو تلك التابعة للتحالف الدولي.
ورأى عبد الرحمن أن تزامن هذه الهجمات «يأتي بتنسيق دولي بين روسيا والولايات المتحدة».
وقال مصدر مقرب من الحكومة السورية لـ «فرانس برس»: «من غير الممكن أن يشن الطرفان غارات جوية في معركتي الرقة دون التنسيق بينهما».
وأوضح أن «الهجمات الكبرى تشرف عليها غرفة عمليات عسكرية مشتركة سورية عراقية موجودة منذ أشهر في بغداد يدعمها الروس والأميركيون على حد سواء».
وتتزامن الهجمات ضد المتطرفين في سورية مع معركة يخوضها الجيش العراقي منذ أسبوعين لطرد تنظيم «داعش» من مدينة الفلوجة، أحد أبرز معاقله في العراق.
وفي ظل الضغوط المتزايدة ضد المتطرفين، بات تنظيم «داعش» اليوم «معرضاً لأن يخسر مناطق واقعة تحت سيطرته» في سورية، بحسب هينمان الذي رأى أن قدرة المتطرفين على «المناورة تتراجع ببطء».
ورغم ذلك، يتوقع هينمان أن المعارك «قد تطول أشهراً» كون التنظيم المتطرف «سيدافع حتى آخر نفس عن مناطق تعد حيوية بالنسبة إليه مثل منبج والباب والمعابر الحدودية الباقية معه فضلاً عن مدينة الرقة بحد ذاتها».
الرقة آخر المعارك
وستكون مدينة الرقة بحسب هينمان «بين آخر معاقل تنظيم «داعش»، إن لم تكن الأخيرة التي ستسقط في سورية».
ورأى هينمان أن «الهجوم مقبل لا محالة، والسؤال هو متى ومن»، مشيراً إلى أن «كل من الأكراد ودمشق يأملون بشن الهجوم ويفضل كل منهما ألا يرى الآخر مسيطراً على الرقة».
وفي تقرير نشره الأسبوع الجاري، اعتبر الخبير في الجغرافيا السورية والباحث الزائر في معهد واشنطن، فابريس بالانش أن هجوم الرقة لن يكون «عبارة عن معركة خاطفة توصل قوات سورية الديمقراطية سريعاً إلى ضواحي المدينة»، فإن الأمور أكثر تعقيداً.
وأوضح بالانش «قبل أن يفكر التحالف (الدولي) ببدء عملية أخيرة باتجاه المدينة، يتعين عليه استقطاب العشائر العربية في المنطقة، والبعض منها بايع تنظيم داعش».
العدد 5022 - الإثنين 06 يونيو 2016م الموافق 30 شعبان 1437هـ